تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الحرب الإعلامية ضد سورية وتطبيقاتها العملية

شؤون سياسية
الأربعاء 4-1-2012
د. صياح عزام

منذ الحرب العالمية الأولى عمد بعض القادة والجنرالات في الغرب إلى وضع مجموعة من مبادىء دعاية الحرب، أصبحت موضع تداول في إطار تبرير الحروب الظالمة التي شنت هنا و هناك لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية أو أحياناً لغرض هيمنة مباشرة على الدول أو الشعوب. فما هي هذه المبادىء؟

1- إن الدولة أو الحكومة اضطرت إلى خوض الحرب بعد أن أفلست من استخدام الوسائل السلمية. و يستخدم هذا المبدأ لإقناع الرأي العام المحلي بأن الدولة هي ضد الحرب بالأساس إلا أنها اجبرت على الدخول فيها!‏

2-اللجوء إلى نشر روايات مكثفة عن فظائع يرتكبها الخصم، وغالباً ما تكون هذه الفظائع مفبركة أو مبالغاً فيها إلى حد كبير، مع التركيز على أنها سلوكيات مألوفة من قبل ذلك الخصم، و الهدف من ذلك ألا يقال بأن جميع الجيوش ترتكب جرائم في زمن الحرب‏

3- إظهار أن هذه الحرب تخاض في الغالب لدوافع إنسانية، بمعنى أن هذه الحرب لم تشن لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية، بل من أجل الدفاع عن الشعوب، أو عن دولة ضعيفة اعتدت عليها دولة قوية، أو لنشر الديمقراطية أو الدفاع عن حقوق الإنسان المنتهكة، وما شابه ذلك من ادعاءات مزيفة.‏

4- العمل على شخصنة العدو، بمعنى التركيز على شخص معين في الدولة التي تشن عليها الحرب، مثلاً على رئيس الدولة عبر السعي لتصويره بأنه لا يعمل لمصلحة شعبه، أو أنه يتخذ قراراته بشكل مرتجل و انفرادي، أو أنه غير متوازن و يعاني من أمراض نفسية أو غيرها، أو مصاب بداء العظمة..الخ‏

وهكذا فإن أي متتبع لما يجري ضد سورية منذ أن بدأت الأحداث فيها، يرى بوضوح أن الحرب الإعلامية الشرسة ضدها الغربية و الأطلسية منها، أو التي تمارسها بعض الفضائيات العربية التي يرتبط حكام بلادها بدوائر القرار في واشنطن والعواصم الغربية الحليفة لها، تقوم على تطبيق هذه المبادىء، والانطلاق منها في حملاتها المسعورة على الشعب العربي السوري وقيادته. من جهة أخرى، فإن هذه الحرب الإعلامية قد شنت على العراق- كما يعرف الجميع-حيث ركز الإعلام الغربي آنذاك على أن تلك الحرب هي ضد صدام حسين شخصياً وليس ضد شعب العراق و من أجل تدمير العراق و إعادته عقوداً إلى الوراء بعد أن أصبح يشكل تهديداً لأمن اسرائيل.‏

نعم إن هذه المبادىء نلمس تطبيقها الآن في الحملة الإعلامية على سورية، ذلك أن قرارات الجامعة العربية بفرض عقوبات على سورية، ومن ثم مسألة إرسال المراقبين إليها للاطلاع على الواقع، كل هذا من أجل إقناع الرأي العام العربي و الدولي، بأن أميركا و حلفاءها في الناتو لا يريدون الحرب بل قد أجبروا عليها، على النحو الذي فعلوه بالنسبة لليبيا، أي هم تدخلوا لمساعدة الشعب الليبي و حماية المدنيين من بطش النظام هناك. إن الأمر أشبه بمسرحية فعلاً، لأن العالم كله يعرف ماذا حل بليبيا من دمار ومن قتل عشرات الألوف من المدنيين من قبل قوات الناتو و طائراته و مدمراته و أسلحته الأخرى! ثم يأتي دور محاولات تسويق الدوافع الإنسانية، وكأن قلوب الأميركيين والفرنسيين والبريطانيين تنفطر حزناً وقلقاً على السوريين! لهذا جاءت الدعوات و الترويج تارة لحظر جوي، و تارة أخرى لممرات آمنة لأغراض إنسانية وإسعافية علماً بأن مثل هذه الدعوات ما هي إلا مقدمات للتدخل العسكري الشامل وتدمير سورية كما فعلوا مع ليبيا.‏

وهنا فإن القاصي والداني والذي لا يعرف ألف باء السياسة يدرك أن هذه العواطف الأميركية الأطلسية المزعومة تجاه سورية أو تجاه الشعب السوري على حد زعمهم، هي عواطف كاذبة يكمن وراءها ما يكمن من أحلام بالعودة إلى احتلال سورية و استعمارها من جديد/ و هذه الأحلام تراود ساركوزي بالذات/ الذي يحن إلى إعادة الأمجاد الاستعمارية لفرنسا، خاصة أن الادارة الأميركية تشجعه على ذلك و تدفعه في هذا الاتجاه. هذا ويلجأ أصحاب هذه الدعوات إلى التلطي وراء مزاعم تضليلية منها أن وحدات الجيش السوري و القوى الأمنية السورية تنفذ مجازر بحق أبناء بعض المحافظات السورية، وتمارس أبشع حملات القمع و الاعتقالات وهذا ما تردده المحطات المأجورة و العميلة وعلى رأسها قناة الجزيرة التي تخصص كامل وقتها لما تسميه «الأزمة السورية» مستخدمة أحدث التقنيات و الأجهزة لفبركة الأخبار والصور الكاذبة، مع إغداق أموال طائلة على المتعاونين معها وتليها محطة العربية و محطات أخرى تسير في ركبها.‏

من جهة أخرى، يتم من خلال هذه الحرب الإعلامية التركيز على محاولات النيل من النظام السوري من القيادة السورية، عبر الترويج بأن هذا النظام منفصل عن الواقع، هذا إلى جانب محاولات الاساءة إلى الجيش العربي السوري، عبر اتهامه بقتل المدنيين، كل ذلك بهدف التأثير على تماسك هذا الجيش، و على دوره الوطني و الاساءة إلى التضحيات التي قدمها و يقدمها لحماية المواطنين من اعتداءات وعبث وجرائم العصابات الارهابية المسلحة التي تتلقى السلاح و المال من الخارج. إذاً الهدف من التركيز على الجيش السوري، هو التخلص منه كجيش عقائدي متطور، و إعادة تشكيله من جديد وفق عقيدة متتالية غير معادية لإسرائيل وهنا نتذكر جميعاً، أن حاكم العراق الأميركي «بريمر» كان أول قرار له بعد دخول القوات الأميركية إلى العراق هو كل الجيش العراقي، كما أن الولايات المتحدة تسعى جاهدة إلى تغيير عقيدة الجيش اللبناني بحيث لا يكون معاديا لإسرائيل.‏

ومن هنا يظهر بوضوح أن محاولات العصابات الارهابية المسلحة الاعتداء على مقاتلي الجيش ووحداته و قوافله و أماكن تمركزه، إنما تهدف إلى التأثير عليه ، وشق صفوفه و تشويه تاريخه الوطني الناصع.. كذلك تحدث الإعلام الأميركي و الغربي عن قوة الجيش السوري بعد المناورات و المشاريع الاعتيادية التي نفذها تطبيقاً للبرنامج التدريبي السنوي مع المبالغة إلى حد كبير في هذه القوة، واعتبار هذه المناورات بأنها استفزازية أو أنها بمثابة رسائل للخارج، كل هذه الحملة عليه من أجل تبرير التدخل الأجنبي في سورية و تسويغه وضرب هذا الجيش بالدرجة الأولى.‏

إذاً، التخلص من الجيش السوري عبر تدميره و إعادة تشكيله من جديد يدخل في صلب المخطط التآمري الذي تنفذ حلقاته ضد سورية، وهو تحقيق رغبة إسرائيلية جامحة وملحة، ذلك أن إسرائيل تدرك تمام الادراك أن القوة الوحيدة التي تصدت وتتصدى لحروبها و اعتداءاتها تتمثل في الجيش العربي السوري، و هي تحسب له ألف حساب و تعتبره أنه يشكل خطراً على أمنها،خاصة أن الجيش السوري مدعوم من قبل الشعب داخل سورية أو هناك تلاحم حقيقي ما بين الجيش و الشعب ظهرت معالمه في أكثر من موقف و في أكثر من مناسبة في هذا التلاحم مطلوب تفكيكه وضربه، لتتمكن الولايات المتحدة ودول حلف الناتو وعملاؤهم في المنطقة من تنفيذ أهدافهم القريبة و البعيدة، و على رأسها الهيمنة على المنطقة العربية و تسييد إسرائيل عليها و تصفية قضية فلسطين.‏

كل هذه الحقائق والوقائع تشير إلى أن ما يجري في سورية لا يتعلق بمطالب إصلاحية، بل هو عقبة في طريق أي إصلاح حقيقي.. من يريد الاصلاح لا يعمل على تخريب وضرب المنشآت الخدمية الصحية و التعليمية والثقافية و الاقتصادية، ولا يعمد إلى اغتيال وتصفية الكوادر العلمية و الفنية والعسكرية في الجامعات و المؤسسات الأخرى.‏

إذاً، فالحقائق تشير إلى أن هناك أجندة خارجية ومشاريع هيمنة واضحة وتآمراً على كل نفسٍ مقاوم أو ممانع، و هذه الأجندة تستخدم أدواتها الداخلية لتنفيذ مآربها، و لكن هذه الحرب الإعلامية أصبحت مكشوفة للمواطن العادي وأخذت مفاعيلها بالتراجع يوماً بعد يوم لأنها اعتمدت على الأكاذيب و التزوير وتدوير الزوايا.‏

على أي حال، إن ما تأمله سورية هو أن تقف بعثة المراقبين على الحقائق بعيداً عما روجته وتروجه فضائيات الفتنة والقتل و الدس الرخيص، وبالتالي أن يكون الحل عربياً و بعيداً عن أي تدخلات خارجية، علماً بأن سورية جاهزة في الوقت نفسه للدفاع عن نفسها ضد أي تدخل معتمدة على قدراتها الذاتية و على دعم الأصدقاء في العالم.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية