|
شؤون سياسية ومهمة الإنسان ونظامه السياسي تتوطد أكثر مايكون في استيعاب هذه المنهجية والتواصل معها ومعايرة أي واقعة في حيثياتها الموضوعية لكن الذي يحدث هو غياب النظام السياسي عن ميدان الحياة ولاسيما عن عوامل التحريض والتحريك الاجتماعي والسياسي في هذا الميدان، وكثيراً ما تنسرب الرؤية في معايشة الحدث نحو استطالات ثانوية أو متطرفة ومن ذلك أن نركن إلى ماهو قائم وظاهر على السطح بسكونيته المعتادة فنعتقد أن ذلك هو الاستقرار وتلك هي حالة الهدوء الأبدي. وغالباً ماتؤدي هذه النزعة السطحية إلى السكون ومن ثم النشوة بما هو قائم وكأن المسألة صارت تحت أيدينا وفي أسماعنا ولربما في جيوبنا, تلك أخطر المظاهر عادة في مواكبة الواقع والتعايش معه ، ومن هذه الظاهرة تتشكل المفاجأة في الحياة الاجتماعية والسياسية وفي حقيقة الأمر أن المفاجأة ليست موجودة ولكن غياب الإنسان عن الواقع وارتداد النظرة من الأفق إلى الذات ومن الشمولية إلى الخصوصية والاعتماد على مايظهر على السطح دون ربطه بالأعماق هو الذي يقدم الظاهرة السياسية على أنها مفاجأة كبرى وحدث غير مسبوق، ومن خيارات التطرف الشكلاني في تفسير الواقع تظهر نزعة اقتطاع الحدث عن عوامله وأسبابه وقواه فيصبح الحدث ذاته حالة خاصة مايلبث أن ينطفىء وعندها تكون المعالجة أيضاً حالة خاصة تشتعل بسرعة وماتلبث أن تنطفىء بسرعة. إن القاعدة الأهم والقصوى في بناء المجتمعات وصيانة حركتها هي التي تقول عليك دائماً أن ترى الشر قائماً أبداً وأن الخطر قادم أبداً وأن تكون استجابتك عبر هذه القاعدة في المنطقة الأعلى من الفعل والفاعلية ومن الحذر والتنبه وفي ذلك كله لايجدي بطبيعة الحال سوى المناخ الديمقراطي وانتشار آليات التقويم والنقد واختبار موجودات الواقع المادية والمعنوية وإعادة تأهيل القوى البانية بمعيار المسؤولية واستطلاع آفاق وخطوات المستقبل القادم من بعيد أو قريب، وفي أصل مايمكن متابعته في تيارات الواقع المختلط والمتفجر تظهر أيضاً نزعة اللامبالاة في تقدير الخطأ والخلل عبر لحظتهما وعندما يحدث ذلك تتراكم أخطاء التقدير مع أخطاء الواقع ويصير لها منطقة عازلة وعمر زمني مشؤوم وتصبح معالجة هذه الأخطاء صعبة ومكلفة. وعلى كل حال فإن البحث المنهجي والنظري في الواقع السياسي والاجتماعي السوري تيار ممتد وواسع الأبعاد ومن الضروري الانطلاق منه بقصد تفسير مايجري وبناء أسلوب المواجهة لهذا الذي يجري لكن ما ألمحت إليه من نقاط لايعدو كونه مجرد تثبيت لرؤية نشترك فيها جميعاً لأن الألم أصابنا جميعاً ، وكم أتمنى أن تنهض النخب الفكرية والثقافية ومراكز الدراسات المتخصصة في مهمة البحث المنظم للحدث السوري بدلاً من أو إضافة إلى الخطاب الإعلامي الذي مازال يراوح في المنطقة مابين الوصف الظاهري لما يحدث والحديث العابر عن العوامل المؤسسة لهذا الحدث في الداخل أومن الخارج، ودعونا نعترف بلامواربة بنقاط ثلاث، أولها أن الحدث في سورية جاء وتطور وكأنما هو زلزال خلعنا من الجذر وأطلقنا على كل الاحتمالات وأعادنا إلى ذاتنا نقومها ونحاسبها ودفع فينا هذا الشعور المتدفق بضرورة وعي الحسابات الداخلية والخارجية وبضرورة الابتعاد عن الجزئية الصعبة التي استبدت بنا والتي تقوم على فكرة قطع الحدث عن مقدماته ونتائجه وفصل التواصل بين عوامل الحدث ومظاهره وعدم ربط الحدث بقواه السياسية والاجتماعية المتناقضة. كانت هذه النقطة الصعبة مغيبة بفعل فاعل ومن آثارها دفع الأصحاء والمناضلين والمفكرين إلى الهوامش بدلاً من المتن وإلى التبعية بدلاً من الفاعلية والقيادة، وثاني النقطتين يجب أن نمتلك شجاعة الإقرار بأننا عايشنا الواقع من طرف واحد، هو طرفنا وفي ركاب هذا الطرف ماقدمناه من تحولات وأنماط بناء ومؤسسات وارتقاءات كبرى بالتأكيد ولم نتحرك إلى النصف الثاني من هذا التحول أي متابعة التفاعلات والاستجابات التي استوطنت الحياة الاجتماعية وحكمت سلوكها الخاص والعام وبهذا المعنى اعتقدنا أن اللحظة وردية وأن القوى الاجتماعية هي كميات بشرية لها أن تستقبل الإنجاز وتستمتع بالغلال ثم تجري احتفالية غنائية كما نريد لهذا الاستمتاع الاجتماعي، والأصل هو الشراكة العضوية في القرار وفي البناء وفي الاستثمار وفي التطور وإعادة النظر بكل ماقدمناه . نعلم جميعاً بأن القاعدة الفقهية تقول بأن بناء الأوطان فرض عين وليس فرض كفاية والنظام السياسي يبنى مع الآخر وليس للآخر فحسب، إن الادعاء بالفضيلة والإيجابية بالإنجاز لايكفي عادة لابد من إشراك الآخرين وأعتقد بأن هذه الفكرة وجدت طريقها للمرة الأولى في انتخابات الإدارة المحلية الراهنة، كل مواطن مسؤول ولكن على قدره وفي موقعه وفيما يتكامل مع التيار العام، والنقطة الثالثة الصعبة وذات الطبيعة الإشكالية الكبرى تتمثل في موقف الآخر منا والآخر هو حكومات في الوطن العربي وفي الجوار وقوى سياسية عظمى مثل أميركا وأوروبا، والآخر أيضاً هو عقائد وثقافات وأنماط من الخطابات الدينية والاجتماعية، وهذا الآخر في المحصلة هو قائمة قوى لها موقف سلبي منا وتنتظر اللحظة التي تنقض فيها علينا، ومن هنا فإن التفريق واجب بين التفاعل مع الآخر الغريب عن قضايانا وعن وجودنا وثقافتنا وبين التفاعل والأخذ والرد في عالم لابد فيه من هذا التفاعل ولابديل عن الأخذ والرد فيه والقوى على الضفة الأخرى صاحبة خبرة في التدمير والاستعمار والمؤامرات ومازالت تتمتع بذات الشهوة وبنفس الشبق لتحطيم المواقع الحية في الوطن العربي وفي أصلها ومقدمتها سورية العربية. إن الاعتقاد هنا ليس ظناً ولكنه حاسم في تفسير الحدث السوري القائم ونلاحظ فيه نزعتين الأولى أن عناصر الفتنة في الداخل هي من الرعاع والنماذج الرخيصة ومن أصحاب القابليات في الارتداد المفاجئ على أي شيء ومنطلقهم الأول هو الانتشار الوبائي واستمداد الدعم في المال والإعلام والسلاح من أي مصدر كان حتى ولوكان ذلك المصدر هو إسرائيل والنزعة الثانية هي هذا التفوق المحموم في اعتناق مبدأ القتل والتدمير والهمجية دون تبصر بقيم ودون إحساس بألم لعلنا نلاحظ بأن هذه الشرائح والمجموعات هي الأضعف فكرياً واجتماعياً ولكنها الأخطر بالجريمة والانتشار،إن واجبنا يقع في التقاط هذه الفكرة بصورة سريعة. |
|