تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العراق...ذهب الاحتلال.. وبقيت آثاره

عن موقع Mondialisation. ca
ترجمة
الأربعاء 4-1-2012
ترجمة: حسن حسن

نظم الرئيس الأميركي باراك أوباما في 20 من شهر كانون أول الماضي حفلاً رسمياً في قاعدة أندروس الجوية في ولاية ميرلاند لإعلان نهاية الحرب وعودة قيادة القوات الأميركية من العراق،

وقد صرح الجنرال لويداوستن أن الرئيس الأميركي في مقدمة المصادقين على أن«قواتنا قد أنجزت في غضون عشرة أعوام في العراق عملاً بارزاً ويستحق الثناء إذ تمكنت هذه القوات وبالتعاون مع شركائنا في قوات التحالف وفريق من المخلصين من إزاحة طاغية مستبد وإعادة الحرية إلى الشعب العراقي».‏

خروج القوات«المقاتلة» من العراق لايعني بأي حال من الأحوال نهاية التدخل الأميركي في شؤون العراق. لكنها تعطي الفرصة لإعادة النظر في واحدة من أعظم جرائم العصر الحديث. وأياً كانت الادعاءات المقززة والمنافقة في الحديث عن «النجاح» و«الحرية» فإن الحرب والاحتلال لم يكن إلا كارثة حلت على الشعب العراقي ومأساة ضربت الشعب الأميركي في الصميم.‏

والاحصاءات تعطي فكرة عن حجم الدمار الكبير الذي لحق بالجيش الأميركي: تشير التقديرات العلمية التي تمت في عام 2007 إلى أن أكثر من مليون عراقي قتلوا من جراء الاجتياح والاحتلال، وقدرت الأمم المتحدة في عام 2008 أن 4،7 ملايين إنسان أو حوالي 16 بالمئة من الشعب تحولوا إلى لاجئين.‏

البنية التحتية كالشبكات الكهربائية وغيرها قد دمرت وحسب التقرير الصادر عن منظمة الأمم المتحدة 2010- 2011 أن نسبة مئوية من السكان المدنيين العراقيين يعيشون في مدينة من الأكواخ والذين يفتقدون إلى الحاجات الأساسية الهامة كالنظام الصحي والماء قد تجاوز 20 بالمئة عام 2003 إلى 53بالمئة عام 2010‏

البطالة الحقيقية بحدود 50 بالمئة والتضخم تجاوز 50 بالمئة وهناك هجرة جماعية للأطباء واختصاصات أخرى (وحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن هذه الفئة التي كانت موجودة في العراق قبل الحرب قدرت بـ 40بالمئة ) أما النظام التعليمي في البلاد فحدث ولاحرج.‏

شهد العراق زيادة هائلة في موت المواليد . ويقدر تقرير 2007 أن حوالي 28بالمئة من الأطفال كانوا يعانون من سوء تغذية مزمن والتقرير الصادر عن وكالة حكومية عراقية أكد أن 35 بالمئة من الأطفال العراقيين يتامى (حوالي 5 ملايين طفل) وأن جيلاً كاملاً من هؤلاء رأى أهلاً إما قتلى أو مفقودين.‏

أكثر من 4500 جندي أميركي لقوا حتفهم في أثناء الحرب والاحتلال وأكثر من 30،000 جريح وهذا لايشمل عشرات الآلاف من الجنود الذين غادروا العراق وهم يعانون من أعراض نفسية حادة.‏

فيما يخص الموارد بلغت تكلفة الحرب في العراق وأفغانستان وباكستان حوالي 4 آلاف مليار دولار، بمافيها النفقات المباشرة والتأثير على المدى الطويل على الصحة والنمو الاقتصادي ومئات المليارات التي وجهت نحو مشروعات المقاولات في قطاع الدفاع ونحو المستفيدين من الحرب حيث أن 16 مليار دولار على الأقل قد فقدت أو بالأحرى نهبت.‏

وعليه فالحرب في العراق كانت مشروعاً إجرامياً بالمعنى العميق والدقيق للكلمة.‏

فقد«سوقت» على قاعدة أكاذيب روجت أمام المجتمع الدولي فيما يخص«أسلحة الدمار الشامل» وتلك كانت حرباً عدوانية أطلقت دون أدنى تحدٍ ورغم المعارضة الكبيرة لتلك الحرب سواء في الولايات المتحدة أو في العالم وقد كانت ممارسة للصوصية دولية معدة للسيطرة على أحد البلدان الأغنى في العالم نفطياً لمصلحة الشركات النفطية الأميركية دعماً لوضع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط وزيادة ثقلها في مواجهة منافسيها من القوى العظمى.‏

وأن كل الفظائع التي سوف نتذكرها من الحرب في العراق تتأتى من الطابع الامبريالي لهذه الحرب السجن والتعذيب للعراقيين في أبو غريب وفي سجون أخرى، خراب الفلوجة، المجزرة التي راح ضحيتها 24 مواطناً عراقياً في الحديثة، اغتصاب وقتل فتاة في الرابعة عشرة من العمر وقتل عائلتها في المحمودية، القتلى في نقاط المراقبة وخلال المداهمات الليلية وعلى إثر قنابل طائرات المطاردة والصواريخ التي تطلقها المروحيات الحربية.‏

إن المواجهة الخطيرة للعراق مع الامبريالية الأميركية هي أبعد من أن تنتهي إذا ما علمنا أن السفارة الأميركية في العراق -الأكبر في العالم- تؤوي أكثر من 15000 شخص.‏

وإن المسؤولين عن وكالة الاستخبارات الـ (سي آي ايه) والمرتزقة الخاصة -الذين لعبوا الدور الأكبر في الاحتلال- مازالوا في البلاد وأن عشرات الآلاف من القوات الأميركية مازالوا في المنطقة وهم على أهبة الاستعداد للانتشار إذا مادعت الحاجة.‏

لقد تركت هذه الحرب آثارها على المجتمع الأميركي وليس من خلال عشرات الآلاف من القتلى أو الجرحى وآلاف المليارات من الدولارات التي أنفقت فحسب وإنما لعبت الحرب دوراً لايمكن اغفاله في تنامي سلطة الجيش الممارسة على الحياة السياسية وتنامي الجهاز العسكري البوليسي وهذا بحد ذاته يشكل خطراً قاتلاً وتعدياً سافراً على الحقوق الديمقراطية للشعب الأميركي.‏

وإذا كان انتصار أوباما في انتخابات 2008 يعود في جزء كبير منه إلى المشاعر المناهضة للحرب فإنه وبدلاً من المحافظة على إبقاء الاحتلال في العراق وأفغانستان وسع نطاق الحرب لتشمل باكستان وأطلق حرباً جديدة في بلد آخر غني بالنفط إنه ليبيا.‏

وعليه يمكن الاستنتاج أن انسحاب القوات الأميركية من العراق ماهو إلا مقدمة لحروب أكثر دموية، فالأزمة الرأسمالية دخلت في مرحلة جديدة ستؤدي بدورها إلى تصاعد حدة التوترات بين القوى العظمى ويرى قطاع واسع من الطبقة الحاكمة الأميركية أنه لابد من توجيه الموارد والانتباه نحو تهديدات أكثر أهمية تمثلها قوى إقليمية كإيران ونحو قوى دولية صاعدة مثل الصين.‏

في الولايات المتحدة، المخزون الكبير للمشاعر المناهضة للحرب لابد وأن يتم التعبير عنه من جديد كجزء لايتجزأ من حركة اجتماعية وسياسية للطبقة العاملة ضد النظام الرأسمالي.‏

 بقلم: جوزيف كيشور‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية