تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الفردوس المفقود... ملحمة الإنسان الحديث

كتب
الأربعاء 4-1-2012
باسم سليمان

كان القرنان السادس والسابع عشر, مرجلين ضخمين, في هذا العصر خلعت أوروبا أثوابها القديمة وبدأت بالتجريب والشك, ألم يقل ديكارت « أنا أشك إذاً أنا موجود»؟ أسقطتْ عروش وممالك وأقامت جمهوريات وأنعشت قوميات ومن جبة الكاثوليكية خرجت البروتستانتية وبدأ الصراع على العالم الجديد ليس في أوروبا وحدها بل امتد للعالم القديم والجديد.

في ذلك الزمن, قُسم الكون والناس والأشياء إلى أخيار أو أشرار والكل يشدّ الحبل نحوه حتى ينقطع, في هذا الزمن العاصف ولد جون ملتون, صاحب « الفردوس المفقود» وهذا المؤلف الضخم الذي استوعب ثقافة ملتون الدينية والسياسية وتجربته بالوجود, قد يكون الشاهد الحق على ولادة الإنسان الحديث إنسان التناقض والتضاد والجدل.‏

كتبه بعد موت «كرومويل» مؤسس الجمهورية والليبرالية في بريطانيا على أنقاض الملكية التي عادة من جديد وكاد ملتون يسجن لولا شيخوخته, ملتون البروتستانتي الخارج من بيته الكاثوليكي والرافض لمذهب أبيه والذي يرى «بكرومويل» المنقذ والراعي الجديد للعالم الجديد, غامت عنده الرؤية وتشوهت البصيرة وانقسام الكون سواء في السماء أم في الأرض إلى خير وشر, لم تعد الأمور يقينية لديه، حل محلها الاندهاش والأسئلة العظيمة,والقلق هذا الصلصال الذي أنتج هذه الملحمة.‏

فمن أسئلة, هل يحتاج الخير للشر وهل يتوالدان طبيعياً, بشكل مستقل أم من رحم بعضهما البعض!؟ وهل المرأة خاطئة بالطبيعة أو بالغواية ولماذا لم تحسم السماء أمر الملاك الساقط ومن تبعه وتركته يعيش ويتسلل ليفسد العالم الجديد؟‏

كل الصراعات الدينية والسياسية والوجودية أسقطها على ملحمته لذلك ذهب ليؤسس الأسباب ويجمع النتائج ويطلق الأحكام ويزداد حيرة, ليصل أن يكتب في أحد فصول ملحمته التي تصور لحظة بدء التمرد في السماء من قبل الشيطان إلى لحظة هبوط آدم وحواء نتيجة الخطيئة والغواية التي سببها الشيطان:» أيتها الأرض كم تشبهين السماء, إن لم تفضلينها عدالة» أعتبر ملتون العدالة تفريق بين الخير والشر وإذا انتهى الشر لم يعد من حاجة للعدالة وكيف هذا وهذه صفة السماء, أيعني هذا أن السماء ترضى بالشر أم أن الدنيا لا تقوم إلا بالخير والشر وإن مالت كفة على حساب أخرى ظهرت ظروف عدلت ميزان العدالة، هكذا كان يرى ميلتون أن الخطيئة تنتج مضاداتها لكنه كثيراً ما أغضبه هذا الأمر وسخط منه.‏

في ملحمته تظهر حيرة الإنسان الحديث وبدء بحثه عن سبب الوجود وعن قوانين التوازن, فهل غياب الشر يعني تحول الإنسان لمجرد شخص يأكل ويشرب؟ وهل الشر هو الدافع للتقدم لإيجاد حياة جيدة للإنسان بعد السقوط؟.‏

تلك الأسئلة كانت انعكاساً عن الصراع السياسي بين الجمهوريين والحكم الملكي في بريطانيا وهذا الصراع أنتج حالة بينية لم تحسم الأمر, فقد بقيت الملكية ولكن إلى جنبها مجلس العموم وعلى صعيد الدين ظهرت البروتستانتية بمظهرها الأنكليكاني والعالم الجديد انقسم بين أميركا شمالية وجنوبية كذلك لم تحسم الأمور في ملحمته لا الخير انتصر ولا الشر انتهى.‏

هذه الرؤية وضعها ملتون في قالب أدبي بديع حدد به موقفه من الكون والحياة والوجود. إنها ملحمة حقيقة تؤسس ميثيولوجياً لوجد الكائن الذي لا يتوقف عن السؤال إلا وهو الإنسان.‏

الكتاب ترجمة حنا عبود والذي حافظ فيها على الكتب الاثني عشر وأرقام الفقرات, مع شرح وافٍ لكل المصطلحات الغامضة بدءاً من الأسماء وانتهاء بالإحالات مع مقدمة يشرح فيها المترجم حنا عبود والتي تعتبر معبراً مهماً لفهم الكتاب والذي يحدد أن نقطة الانطلاق التي تكمن بالموقف الأدبي الذي يتضمنه أي عمل والذي يشرع له حتى المقاربات الدينية.‏

‏

الفردوس المفقود تأليف, جون ملتون, ترجمة حنا عبود, صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2011‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية