|
كتب بعض هذه الدراسات كان نظرياً افتراضياً دون أن يقدم دليلاً على ذلك.
وفي الآونة الأخيرة تعمقت هذه الدراسات واستطاعت أن تقدم الدلائل والبراهين على فرضيتها من خلال المكتشفات الحديثة. ضمن هذا الاطار يأتي كتاب الحضارة العاربية وأثرها في إيران واليونان لمؤلفه الأستاذ الدكتور ماجد عبد الله الشمس الصادر عن دار علاء الدين بدمشق. يقع الكتاب في 115 صفحة من القطع الكبير ويتوزع على قسمين، كل قسم يضم عدة فصول إضافة إلى العديد من الصور والجداول التوثيقية. نقرأ من عناوين الكتاب: دورنا الحضاري في إيران- الحقبة الفارسية الأولى (الأخمينية)- مستوى حضارة الأخمينيين ومصادرها- فجر الانبثاق العربي. اليونان: الأصالة والاقتباس- الديانة- ايحاءات الوطن العربي ونشوء المسرح اليوناني- عناصر العلم انتقلت إليهم. الحضارة أخذ وعطاء في مقدمته تحدث الدكتور شمس أن الحضارة أخذ وعطاء فحين نبحث في نشوء وتطور الحضارة على أرض الوطن العربي واستعارة شعوب أخرى لها لانعني بذلك أننا نمن على أحد فحضارتا إيران واليونان صبتا الخبرات المستقاة عن حضارتنا بقالب جديد أفادت منه حضارة الوطن العربي في العصور الإسلامية. مما امتاز به القرنان الماضيان الكشف عن الحضارة الإنسانية عبر التنقيب في المدن والقرى والكهوف القديمة لذا أصبحت الكثير من الحقائق التأريخية واضحة بعد أن كانت تعتمد النقل الشفوي الذي قديتضمن الكثير من الملابسات والمزاجية أو المصلحية ومن ثم أصبحت المادة الآثارية علماً يخضع للدراسة الدقيقة بغية الوصول إلى نتائج أفضل لفهم ماضي التراث الإنساني . على أي حال إن ما وصلنا من نتائج التنقيبات يشير بوضوح إلى أصالة الحضارات التي نشأت في وطننا العربي ما جعلها مادة لحضارات أخرى كتلك التي نشأت في كل من إيران وبلاد اليونان مادة بحث هذا الكتاب. فجر الانبثاق العربي يتحدث المؤلف في الفصل الرابع من القسم الأول عن فجر الانبثاق العربي فيقول: أخذ العرب في الحقبة السلوقية يهيئون أنفسهم لمرحلة جديدة من النهوض الحضاري. ويمكن أن نضع سبباً لعدم بروزهم بشكل سياسي واضح ثم حضاري قبل ذلك أن السلوقيين كانوا يسيطرون على عدة أقاليم ضمت أجناساً متعددة لذلك لم يكن ممكناً للعرب أن يظهروا ضمن نسق مستقل ولاسيما أن الحقبة السلوقية امتازت بوضع مؤشرات حضارية عالمية لم تساعد في أول أمرها في ابراز المميزات الاقليمية المحددة إلا بعد ذهاب السلطان السياسي للسلوقيين إلا أن الأمر تغير بعد ذلك فمنذ منتصف القرن الثاني ق.م أخذت مجموعات قادمة من إيران بالنزوح إلى أماكن في العراق أولئك هم الفرثيون الذين لم يكونوا أصحاب مقومات حضارية لذا تأثروا بمقومات العراق أكثر مما أثروا وتبنوا الكثير من عناصر الطبيعة التي قدسها العراقيون القدماء. لقد اختلف الوضع السياسي وبالتالي الاقتصادي والاجتماعي ثم الفني لذلك فإن أبسط ما يمكن قوله: إن متغيرات جديدة ومتنوعة أخذت طريقها حتى في الاقليم الواحد. فحضارة العراق في الشمال اختلفت عنها في الجنوب وعلى الرغم من السطوة الجديدة على أرجاء من العراق أثناء استعمار الفرثيين لها إلا أننا لم نجد إلى الآن أثراً واضحاً لأولئك الدخلاء في شمال القطر ويبدو أن ذلك كان نتيجة لوضع متماسك أفضل للوجود العربي الذي ضمن استقلاله الصحراء القاسية التي منعت الدخلاء من التوغل في أوساطهم ولنا في مملكة الحضر في العراق وتدمر في سورية والبتراء في الأردن خير مثال. نشوء المسرح اليوناني وفي الفصل الثالث من القسم الثاني يتحدث المؤلف عن إيحاءات الوطن العربي ونشوء المسرح اليوناني حيث تنسب معظم المصادر أمر ابتداع المسرح ونشوئه إلى اليونان (لعبقريتهم) أو بما انفردت به العقلية الاغريقية. على أي حال إنه مما لا شك فيه أن حقبة الحضارة الأوروبية المتأخرة زمناً عن تلك التي نمت وترعرعت في الوطن العربي والصين والهند تحدوا بالأوروبيين لأن يسموا اليونان وبالتالي أنفسهم (بالسمو) و(العبقرية) كما يمنحون ذاتهم سمة القادة الأشداء والفاتحين في حين ليس أهل حضارات سواهم إلا راكضين وراء الابتذال طلباً للجنة التي (يرثها الجبناء). ويتساءل المؤلف ما علاقة قصة الربيع وتجدد الحياة بنشوء المسرح ولاسيما أن القصة المحور الأساسي في الفكر اليوناني كما في الوطن العربي؟ تكمن الأصول الأولى للمسرح اليوناني في الاحتفالات الدينية التي تقام في المناطق المختلفة في بلاد اليونان التي كانت تدور حول عقيدة الاله ديوينسوس الذي كان إلهاً للحصاد والثمار والكروم وإن كان هذا قد اشتهر بصفته إلهاً للخمرة ومن ثم فإن نشوء المسرح يرتبط بتلك القصة المؤثرة التي ابتدعها من سكن على أرض الوطن العربي ولم يقتصر الأمر على ذلك إذ إن جميع المسرحيات اليونانية الدرامية التي كانت تعقد في أثينا وكانت تلك المسابقات تعقد تكريماً للإله ديونيسوس المسمى أيضاً باخوس وهو الذي كان إله المسرح علاوة على كونه إله الخمر. إذاً لقد استهدفت تلك الاحتفالات تصوير أسطورة هذا الاله وهي الاسطورة التي اعتقد اليونان أنها تعبير عن الأمة وأفراحها... وقد كان هذان العنصران هما الأصول الأولى للمسرح اليوناني فالشعائر الجادة التي ينشد فيها المواطنون أناشيد تبين تقلبات الحياة وخضوعها لقوة أكبر منها تسيطر عليها بما يتصل بذلك العالم من ألم ومعاناة وصراع وهي أصل المأساة أو المسرحية التراجيدية. لو أوغلنا أكثر مما سبق عرضه بغية معرفة أصل التسمية تراجيديا لرأينا أن لا علاقة بتموز، فالكلمة مركبة من قسمين تراجوس بمعنى العنز وأويديا بمعنى أغنية. ومن ثم يكون مصطلح الأغنية العنزية إذا كان من الأمور المألوفة آنذاك أن تصنع ملابس الرعاة والفلاحين من جلد الماعز. ومن الجلي أن عالم الرعاة يرتبط بمهنة تموز حسب الأصل العراقي. عراقة المكتبات العربية وحول مكتبات العلم يشير المؤلف إلى أن البحث السليم أكد أن مكتبات العالم العربي كانت قد وصلت إلى مستوى مرموق قبل أمثلة اليونان بعشرات القرون. ففي العراق كشفت التنقيبات عن مكتبات في عدة مدن كنفر وسبار ونينوى. وفي سورية أمدتنا مكتبة إيبلا وأوغاريت بمعلومات على غاية من الأهمية. وفي مصر كانت المكتبة تدعى (برغنج) أي (دار الحياة) كانت تلحق بالمعبد وكانت للاعارة وتعلم القراءة والكتابة وكذلك التأهيل الحرفي ومكتبة رمسيس المهمة جداً. الكتاب: الحضارة العاربية وأثرها في إيران واليونان - المؤلف: أ.د. ماجد عبد الله الشمس - الناشر: دار علاء الدين- دمشق |
|