تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


حنا مينه.. يُلهمُ الصورة أن تنطق بالثقافة البصرية

فنون
الأربعاء 4-1-2012
هفاف ميهوب

لا أحد ينكر مقدار ما تتركه الصورة المرئية (درامية أو سينمائية) من أثرٍ على المشاهد الذي أكثر ما يجذبه إليها شعوره بأنها واقعية تحاكي حياته وهمومه وأحلامه ومشاعره وصراعه,

وبما يعكس ما تعيشه شرائح مختلفة وواسعة ودائمة المواجهة مع الحياة والقوى الطبيعية ، من هنا ولأن الأديب الروائي (حنا مينه) من أكثر الأدباء قدرة على تجسيد واقع وبيئة هذه الشرائح, استطاعت أعماله التي حُوِّلتْ من المقروء إلى المرئي, أن تستقطب أعداداً كبيرة من المشاهدين, وسواء ممن قرؤوها أو ممن سارعوا بعد انجذابهم للصورة التي لامست في حياتهم حب المغامرة, لقراءة الرواية الأصلية .‏

بدايةً, نذكِّر بأول عمل درامي عُرض وكان من أعماله (نهاية رجل شجاع) . الدراما التي اقتُبست عن روايته التي تحمل العنوان ذاته والتي أحدث بها المخرج نجدت أنزور نقلة نوعية ومميزة في مسيرة الدراما السورية, ليكون من أهم أسباب نجاحها, قدرته على اختيار من يجِّسد مضمونها بدقة وأمانة وبراعة, وبما جذب المشاهد لحكاية إنسان على الرغم من أنه كان بسيطاً وعادياً إلا أنه كان بطلاً ترك لقبه (مفيد الوحش) الكثير من الأثر في ذاكرة المشاهد الذي عايش كل مراحل حياته ومواجهاته ومعاناته بل وتضحياته التي قُوبلت بتضحياتٍ أخرى قدمتها الحبيبة (لبيبة) وهي من جسدت أيضاً وبوفائها وجرأتها ومعاناتها, ما تعيشه وتعاني منه العديد من نساء مجتمعنا المضحِّيات . بيدَ أن السبب الأكبر لنجاح هذا العمل, هو تحويل الكفاح والصراع الإنساني من متخيَّلٍ إلى واقعٍ متحرِّك, وأمام مشاهدٍ يرى انفعالات ومشاعر وردود أفعال شخصيات يشعر وكأنه يعايشها ويتفاعل معها, وبكل حالات فرحها وحزنها ومرضها وجوعها ومعاناتها وصراعاتها . ‏

أما أكثر ما يجذب إلى الأعمال الدرامية المختارة عن أدب الكاتب حنا مينه فهو اعتمادها على المغامرة واكتشاف المجهول الكامن في الغابة والمقهى وويلات الحرب والأهم البحر. العالم الذي يرى فيه المشاهد شخصية أساسية وحيّة, وبجموحه وغضبه واتساعه وعمقه وثورته وتمرده وأيضاً بهدوئه وعطائه وحنوّه ، وهذا كله توالى تجسيده في الأعمال الدرامية المقتبسة عن أدب مينه والتي منها أيضاً (بقايا صور) الرواية التي استطاع (أنزور) أيضاً أن ينقلها كعملٍ فيه من الصورة المؤثرة والمعبِّرة الكثير من التفاصيل الحياتية التي تخص الكاتب ذاته والتي تنقل بداياته وصور معاناته, وبصدقٍ وعمقٍ وواقعية تمكَّنت بهم من ملامسة مشاعر كُثر ، واليوم ينطلق إنتاج (المصابيح الزرق) ونتمنى بعده أن يقوم الأدب بترسيخ ثقافته بصرياً . لقد حولت الثقافة المرئية بطل (حنا مينه) من خارقٍ وأسطوري إلى إنسان عادي يعيش ويحب ويُصارع ويعاني ويضحي, وباختلاف ثقافته, سواء كان مناضلاً أو رجل سياسة أو عامل سفينة أو بحارٍا أو صيادا أو حتى موظفا .. وسواهم ممن لا بد من أن تحمل ملامحهم ملامح الشخصية السورية .‏

ننتقل إلى السينما التي وإن لم يُعن العمل فيها بتلك التفاصيل التي يُعنى بها العمل الدرامي, إلا إنها ولمجرد تجسيدها لأعمال (مينه) التي منها (بقايا صور) و (آه يا بحر) و (الشمس في يومٍ غائمٍ) المأخوذ عن رواية (الدقل) تكون قد رسخت لثقافة الصورة . تلك الثقافة التي علينا الاهتمام بها ولطالما باتت تجذب المشاهد أكثر من ثقافة الحكاية الروائية ولطالما كان بإمكانها أن تنقل ثقافتها إلى الذاكرة التي لا بد من أن تحتفظ أيضاً بعنوان الرواية واسم كاتبها . الذاكرة التي تسعى دون قصدٍ لاختزان ما تحتاج لأن تنطق به في لحظات جرأة تداعياتها . كما أن (الشراع والعاصفة) رواية للأديب حنا مينه تم إنتاجها مؤخراً من قبل المؤسسة العامة للسينما كفيلم سينمائي بطله (الطروسي) الذي يشبه أبطال (مينه) سواء في صراعه مع قوى الطبيعة أو بتجسيده لفترة عاشها أبناء الساحل السوري في ظل الاحتلال الفرنسي . وهو صياد عاش مع رجال البحر، يوميــات ومغامرات صعبة أخطرها الصراع مع العاصفة .‏

إذاً لا بد لنا من الانتظار لنرى وبعد عرض (الشراع والعاصفة) إن كان بإمكان الصورة إقحامنا في عملٍ لا بد لنا وبعد نجاحه من تكرار ما يُعتبر ثقافة علينا الاتِّكاء بعدها على الأدب, وبهدف الحصول على المزيد مما يحرضنا على إغناءِ ذاكرتنا بكل ما هو جاد وواقعي ومفيد, وبما يمثل مشروعاً سينمائياً هاماً ليته يكون خطوة متقدمة ومنقذة للمستوى الذي وصل إليه الفيلم السوري. ذاك الذي لا يقل تأثيره السلبي خطورة عن تأثير بعض الأعمال التلفزيونية التي فُرضت علينا فردَّت ثقافتنا بعيداً عما نحتاجه من أعمال ٍ إبداعية أو حتى مصوَّرة ومدعَّمة بالثقافة البصرية الواعية .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية