تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


مواجهة ظاهرة التطرّف?

دراسات
الأثنين 1/12/ 2008 م
نبيل فوزات نوفل

يدل تاريخ البشرية جمعاء على وجود ظاهرة التطرف والتعصب في المجتمعات كافة, بغض النظر عن دينها وعرقها, كما يشهد تاريخ الحركات المتطرفة بأنواعها المختلفة وأدوارها في المجتمعات والأهداف التي ترمي إلى تحقيقها, ارتباطها بالقوى الرأسمالية العالمية بشكل خاص. حيث بات هذا التطرف خطراً يتهدد البشرية جمعاء

إن هذا الوباء الخطير الذي صنعته واتخذته أداة لها القوى الامبريالية والصهيونية مستفيدة من البيئات المختلفة لكثير من الشعوب والأمم, وبعض الجذور الدينية والفهم الخاطئ لكثير من القضايا الدينية في بعض المجتمعات من العالم, أضحى, يهدد عوامل بقاء استمرار الحضارات البشرية, مايستدعي أن يستنفر كل عقلاء العالم ومفكروه وسياسيوه الشرفاء الحريصون على البقاء الإنساني بعيداً عن الهيمنة والتسلط للبحث عن عوامل لقاء البشرية وتعاونها لما فيه خيرها ونموها وتقدمها للقضاء على هذا الفيروس الخطير الذي يعد أخطر من الإيدز وجنون البقر, وذلك من خلال:‏

أولاً: تطوير وتعزيز الحوار بين المجتمعات البشرية بأجناسها المختلفة بحيث يقوم هذا الحوار على أسس المساواة والعدل والسلام, بعيداً عن الإلغاء والإمحاء ونسف النظريات التي تكرس التعصب والتطرف وفي مقدمتها:‏

نظرية نهاية التاريخ التي قدمها فرانسيس فوكوياما ونظرية صدام الحضارات التي قدمها صموئيل هنتنغتون.‏

إن النظرية المتعصبة وغير الواقعية التي يمتلكها الغرب عن الإسلام ترجع بالأساس إلى الصورة المختزلة والمشوهة التي ترسخت في الذهن الغربي عبر العصور والتي تسم الإسلام بالغموض والفسق والطائفية التي تؤدي إلى البغض وعدم التسامح وجاءت أحداث 11 أيلول 2001 لتكرس هذا الاعتقاد الخاطئ.‏

ومن هنا تبرز أهمية الحوار بين الشعوب الذي يحقق هدفين أولهما: تجنب الصدام الحضاري وعدم تمكين القوى الامبريالية من فرض هيمنتها الايديولوجية على العالم.‏

وثانيهما: خلق مجتمع عالمي جديد يكون أكثر إنسانية وتعاوناً. وخاصة أن الحوار سنة الكون وأسلوب الأنبياء والرسل (كحوار نوح مع قومه) على سبيل المثال لا الحصر.‏

ولكي يكون الحوار ناجحاً ومثمراً, يجب أن يتصف بجملة أمور أهمها: الحرية الفكرية والرفق واللين والحكمة والموعظة الحسنة, والالتزام بالروح العلمية وعدم التعالي على الطرف الآخر, ورفض الاستبداد بالرأي.‏

مع التأكيد أن الهدف من الحوار ليس انتقال أحد الطرفين المتحاورين إلى موقع الطرف الآخر وليس التنازل عن المبادئ وليس الدخول أيضاً في الحوار من أجل الحوار فقط.‏

وهذا يتطلب أن يبادر أبناء الأمتين العربية والإسلامية لإجراء الحوار فيما بينهم أولاً, ثم الانتقال لإجراء الحوار بينهم وبين دول العالم, على أسس واضحة, راسخة, بعيداً عن الاستلاب والإلغاء.‏

ثانياً: ابتكار رسالة إعلامية لمخاطبة الأمم والشعوب لا أن ننسخ استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية فيما يخص الانترنيت والتجارة الالكترونية بل أن نولي التنمية الاجتماعية جانباً مهماً وألا نترك مبدعينا لقمة سائغة لفئران المكاتب المنتشرة في بعض إدارات مؤسساتنا الثقافية.‏

ثالثاً: مقاومة ثقافة عولمة الأجساد التي تريد أن تجعل مقاييس جسد المرأة الكاليفورنية نمطاً معولماً تحكم به الفتيات والنساء والتي تتماشى مع الخطاب التلمودي الصهيوني الامبريالي وبالتالي علينا التخلص من خفافيش الانتهازية الفكرية وأن نقول مايجب أن يقال.‏

رابعاً: إذكاء حوار الدين مع الفكر الحديث ورفض الخصومة المفتعلة بين الدين والعلم وتشجيع التلاقح مع الديانات والثقافات الأخرى, لأن الإنسان بحاجة إلى العلم والمعرفة كما هو بحاجة إلى الدين.‏

خامساً: إحداث ثورة تربوية تعليمية في المجتمعات كافة وبخاصة المتخلفة وذلك لتحقيق الغايات التي حددها اليونسكو.‏

تعلم لتعرف, تعلم لتعمل, تعلم لتكون, تعلم لتشارك الآخرين.‏

سادساً: التعامل مع التراث وفق رؤية إبداعية جديدة باعتباره حاضن الهوية القومية والتعريف بروائعه مع تخليصه من شوائبه, وذلك من خلال تشجيع باب الاجتهاد في مجالاته المتعددة, ومقاومة كل التيارات المتطرفة التي تعبث بحرية الرأي وتعمل على تشويه العقول البريئة للمراهقين ومقاومة كل من يستغل الدين في المجتمعات العربية الإسلامية والعالمية مطية لإدخال الفوضى وزرع الإرهاب والزج بالشباب في متاهات التخلف والجمود إلى جانب تكريس الصورة العربية بإبراز القيم السمحة الموروثة المبنية على التضامن والصدق والطهارة والكرم والمحبة ونصرة الحق, والاتفاق بين مفكري العروبة والإسلام على إقامة حوار ثقافي مع الشعوب الأخرى.‏

وهذا عامل قوة للعروبة والإسلام, ورفض كل متعصب لأن هؤلاء الذين انخرطوا في صفوف المتطرفين الدينيين أضروا بالإسلام وبمفهومه المعاصر وبسماحة الإيمان.‏

سابعاً: الإيمان بحقيقة الاختلاف بين البشر, لأنه موغل في القدم فهو ملازم للإنسان منذ وجوده على هذه الأرض فلا وجود لأمة أو شعب لايعيش الاختلاف في الفكر أو المعتقد وقد خلقنا الله تعالى مختلفين في الألسن والألوان والصفات النفسية والجسدية.‏

وربط المفكر الإسلامي وحيد الدين خان بين حرية الاختلاف و مبدأ التوحيد لإله واحد بقوله: ( إن المجتمع الذي يقاوم حرية التعبير وحرية الاختلاف ينقض في حقيقة الأمر مبدأ توحيد الله سبحانه وتعالى ).‏

ثامناً: محاربة ثقافة الاستهلاك, وتكريس ثقافة المقاومة وتذكير الناس وخاصة الشباب منهم ببطولات وأفعال آبائهم وأجدادهم والتصدي للعولمة المتوحشة التي تكرس الفردية والأنانية وحب الذات على حساب المجتمع والآخرين وتنشر الفقر والجوع في كل مكان, ما يؤسس لانتشار الجريمة والتطرف والإرهاب في العالم.‏

تاسعاً: إحياء المنظور القومي الذي يحدد علاقة الأفراد بالأمة العربية, هذه الأمة التي لن تفصلها حدود مصطنعة, بل توحدها لغة واحدة, وثقافة مشتركة, وآلام ومصالح مشتركة, فمن هذا المنطلق لابد من اتحاد الرأي والرأي الآخر في المجتمع الواحد, ضمن مفهوم مشترك وصياغة متماسكة تتماسك عناصرها الفكرية والثقافية والفنية والتراثية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية وصولاً إلى مجابهة القضايا الكبرى وفي مقدمتها قضية فلسطين والعراق والأراضي العربية المحتلة, وغيرها من القضايا المصيرية والاستراتيجية التي تواجه إنساننا, وخاصة قضايا مكافحة الفقر وبناء مجتمع متقدم, يحقق اكتفاءه الغذائي ويبني نهضة علمية متطورة.‏

إن عمق الحياة الإنسانية, أكبر من أن تحتويها ثقافة واحدة, والتطور لن يكون إلا بالحوار بين الثقافات ومن حق أي منا أن يطرح مايشاء, ولكن ليس من حقه أن يطلب من العالم أن يتبعه وينفذ له آراءه كما يريد.‏

وبالتالي فمحاربة العولمة المتوحشة, تساهم في القضاء على التعصب والتطرف لأنها النهج الذي يكرسه التطرف, فكلما تعمقت العولمة الاقتصادية ازداد فقر الناس وتشرذمت الأبنية السياسية فتظهر النزاعات الاجتماعية كرد فعل لهذه العملية.‏

تلك النزاعات التي تأخذ أحياناً صوراً بالغة التطرف دفاعاً عن الانتماء سواء أكان وطنياً أم قومياً أم دينياً, ونحن في سورية رسالتنا كما أكد السيد الرئيس بشار الأسد هي أن نهدم جدار التطرف والتعصب, وعلى جيلنا أن يكون مبدعاً في نشرها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية