تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ثوابت ووجهات نظر...!

آراء
الأثنين 1/12/ 2008 م
نواف أبو الهيجاء

ثنائية الأبيض والاسود تكمن بداية بالعقل الذي ميز به الخالق الإنسان على سائر مخلوقاته, أي مقدرته على (الفرزنة), والعقل قال منذ البداية (لابد أن ثمة درجات ألوان أخرى),

وهذا صحيح تماماً, بيد أن الثنائية موجودة بقوة - في الحياة البشرية الحق والباطل, الخير والشر, الأبيض والأسود, الصح والخطأ, النجاح والفشل, الحزن والفرح, الموت والحياة إلى آخره, كما أن هناك (بدهيات لا تقبل المناقشة) أي لا يصح فيها الدخول في سجال تحت عنوان: مناقشة وجهة نظر, فالثوابت ضد مقولة (وجهات نظر). الخيانة - مثلاً- لا يمكن أن تكون وجهة نظر, كما هي الوطنية, وإن كانت مقاييس ثبوت أو إثبات الوطنية تتدرج من التضحية بالروح إلى التضحية بالمادة أو المكسب الآني أو حتى المكاسب المادية الكبيرة.‏

الخيانة (حضيض) وليس ثمة - تحت الحضيض- إلا الحضيض, على هذا لا يمكن أن نقبل ما يدور من أن (الهوس) بالتباحث والحوار والاجتماع بالعدو الصهيوني ليس أكثر من وجهة نظر, التجديف ليس وجهة نظر, البحث في التخلي عن ثوابت ومقدسات شعوب وأمم لا يمكن إدراجه تحت (بند: وجهة نظر), ذات يوم جاءني أحد (المتفذلكين بالفلسفة والشعر) ليطرح ما يأتي:‏

(يا أخي أنتم أسّ المشكلات في العالم - أنتم - أقصد الفلسطينيين.. فلماذا لا تريحون العالم وتتخلون عن هذه القطعة من الأرض, فالوطن العربي واسع بما فيه الكفاية والعالم أوسع?) ظننت أن الرجل جاء ليستفزني - مزاحاً, ليس إلا, فسألته: أي, ثم ماذا?‏

فضحك: تريحون وتستريحون وتنهون صداعاً دوخ العالم منذ مئة عام, فاليهود أيضاً مساكين ويحتاجون إلى أرض.‏

سألته: أأنت جاد أم أنك تمازحني?‏

فما كان منه إلا أن وقف وهو يقسم: لابالله... انا جاد جداً.‏

في حالة كهذه أنت أمام أحد أمرين: إما الانسحاب خشية التصرف خطأ في لجة الغضب فتخسر أنت وتخسر قضيتك, وإما مواجهته بعد الاستعانة بالله والتعوذ به من الشيطان الرجيم, اخترت الثاني. فواجهني بكل برود: يا أخي هذه وجهة نظر لماذا تتطيرون من (الرأي الآخر)?‏

قبل أن انسحب من المواجهة قلت له: أخي الثوابت لاتناقش. وإنها ضد أن تكون في موقع فحص ودرس وتمحيص أسمه (وجهة نظر).‏

أسوق لكم مثالاً عن وجهات النظر, فمثلاً يقال: إن الواقع الفلسطيني السياسي المريض الراهن نتاج الصراع بين تيارين في الساحة الفلسطينية. تيار رفض التوطين والمساس بحق العودة والمساومة على أي قطعة من فلسطين - ولا عن أي ذرة أو جزء من الحق الفلسطيني.. وتيار آخر يؤمن بالتفاوض مع المحتل- وبقبول ما هو معروض اليوم - وعلى أساس انتظار تغيير الظروف الموضوعية العالمية والعربية وحتى الذاتية الفلسطينية غداً. مسألة تقبل المناقشة, بما فيها من غبن ومن محاولة تبرير التنازل عن حقوق ثابتة لشعب فلسطين - نحترم وجهة النظر ولكن التجارب المريرة علمتنا أن المحتل لايقيم وزناً لحقنا الكامل والثابت في أرضنا ووطننا, مع ذلك هي ليست إما سوداء وإما بيضاء, هناك ألوان أخرى وهناك درجات في الألوان الأخرى, واذا ما قيل - مثلاً- إن الواقع العربي شجع الاحتلال الصهيوني على محاصرة قطاع غزة- لخنق الحياة ومحاولة (سحبها) من أرواح مليون ونصف المليون فلسطيني, وهو قول سليم تماماً - لقلنا انها مسألة وجهة نظر - نحترم وجهة النظر هذه - عادة- ولكننا غير ملزمين بتبنيها ولابمجاملة صاحبها على حساب الحقيقة والصدقية وفي العادة يمكن لنا أن نستمع إلى (ايضاحات) و(مبررات) لموقف مامن هذا أو ذاك- ولكن كيف لنا - مثلاً- أن نسكت ازاء من يبصم على صك بيع وطن بالكامل? وإذ تتم مساءلته يقول: هو موقف ووجهة نظر.. اليس ما يجري في العراق - من تبصيم على اتفاقية الاذعان الماسة بسيادة وحقوق العراق وشعب العراق وبمستقبل العراق - يقع في باب (الخيانة)? ان لم يكن الأمر هكذا فبالله اخبرونا متى اذن يكون التصرف (خيانياً), ومتى لا يكون? وهل أن التخلي عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين يدخل في باب (وجهة نظر) أم الخيانة? التفريط بأي ثابت وطني أو قومي لا يمكن الا أن يتم وصفه بالخيانة, ما يمكن مناقشته - على أنه وجهة نظر هو - مثلاً- هل من الضروري مغادرة (الوسائل السليمة نهائياً) في بحثنا عن وسيلة أو وسائل استرداد حقوقنا المشروعة? أو (هل يقبل العراقيون خيار الانسحاب الأميركي الفوري من العراق - في حال رفض البصم على الاتفاقية الأمنية, أم لا?) أمام خيار كهذا لا يمكن إلا يقال: نقبل الانسحاب الفوري (فالفوري في العرف العسكري- لسحب أكثر من مئة وستين ألف عسكري- ومثل عديدهم من المتعاقدين الأمنيين - قد يطول إلى عشرين شهراً أو أكثر من المدة التي تحدث عنها باراك أوباما المنتخب للرئاسة الأميركية والتي حددها بستة عشر شهراً وفي هذا كان يمكن أن يدخل العراق والعرب معه في مرحلة صعود, خاصة إن تزامنت مع (العودة إلى الوحدة الوطنية nawafabulha@yahoo.com‏

">الفلسطينية).‏

nawafabulha@yahoo.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية