تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ذكريات ممزوجة بالحنين .. وتمسك بالأرض

الجولان في القلب
الأثنين 1/12/ 2008 م
إعداد: خالد محمد خالد

كان سعد العيسى يحلم بالعودة إلى قريته البطيحة في الجولان العربي السوري المحتل التي غادرها عندما كان في الثامنة والثلاثين من العمر أثناء حرب حزيران 1967 ولكن الموت عاجله (وهذا حال الكثيرين من أبناء الجولان)

دون أن يتحقق حلمه بالعودة ومازال هذا الحلم يراود رفيقة دربه التي لازمته آلام ومرارة النزوح وتأمل بالعودة إلى منزلها وإلى بيارات البرتقال وبساتين الموز قبل أن يدركها الموت الذي غيب قبل فترة قريبة زوجها الذي لم ينس الجولان وقريته لحظة واحدة.‏

تقول السيدة فاطمة (أم محمد) أرملة سعد العيسى التي تعيش في قرية شبعا بريف دمشق (8كم شرق دمشق) إنها لاتزال تتذكر يوم مغادرتها قريتها, فتقول إنها كانت وزوجها يعملان في الأرض التي يملكانها عندما بدأ الطيران والمدفعية الإسرائيليان بقصف البطيحة تركنا العمل ولم نستطع العودة إلى المنزل فذهبنا إلى مرتفعات فيق على بحيرة طبرية وبقينا هناك عدة أيام ثم جاءت القوات الإسرائيلية وأجبرتنا على الرحيل وقد امتنع الأهالي عن الرحيل ولكن قوات الاحتلال أجبرتنا على النزوح تحت تهديد السلاح وبالقوة, فتوجهنا إلى مدينة درعا جنوب سورية سيرا على الأقدام ونحن لانملك شيئا وبقينا هناك حتى حرب تشرين 1973 ومن ثم جئنا إلى هذه القرية ننتظر اليوم الذي نعود فيه إلى الجولان وإلى البطيحة وحقولها وبحيرة طبرية التي لنا فيها ذكريات جميلة لاتنسى.‏

والسيدة أم محمد واحدة من عشرات الآلاف من السوريين الذين شردوا من ديارهم في الجولان في حرب 1967 ومازالوا يحلمون بالعودة إلى ديارهم التي ولدوا فيها, وتقسم أنها نذرت على نفسها أن تعود إلى منزلها في البطيحة ولو زحفاً على اليدين والقدمين.‏

ولدى سؤالها عن ذكرياتها وعن بلدتها وبماذا تشتهر? أجابت والدموع تملأ عينيها اللتين بدا عليهما تعب السنين والشوق والحنين إلى قريتها, قالت: كنا نزرع البطيخ والفاصولياء ونزرع الحمضيات فهناك الكثير من بساتين البرتقال وأيضاً كنا نزرع الموز.‏

وكان أبناء البلدة يعملون بصيد السمك الذي لامثيل له في العالم أجمع.. وسمك المشط الذي نعرفه اليوم لم نكن نأكله, بل كنا نقوم بإعادته إلى الماء.. وكانوا يصطادون المشط الطبراني بلونه الأبيض ولون عينيه الأخضر.. ومن أنواع السمك الأخرى كان الناصري, واللبد والمرمور, والكرسيم,والحفافي, والسلور, والبوري, والقشري...‏

وتستطرد والأسى جلي في عينيها, محاولة تحويل ذاكرتها الحية بإنسانيتها, إلى وثيقة قانونية: نحن من سكان المنطقة.. ولدينا إثباتات رسمية أن المنطقة تابعة لنا...‏

وتتابع أم محمد: أستطيع أن أؤكد أن أرض البطيحة كانت أخصب أرض في العالم العربي, لقد كانت الأرض تزرع بالذرة وكانت أيضاً تزرع بالفجل والشمندر (الشوندر) الذي كان يصل وزن الواحدة منه إلى 3كغ, الأرض كانت خصبة جداً وكان يتم فيها ترتيب الأعراس وسباقات الخيل أما بالنسبة للزراعة في المنطقة فقد تم العمل على زراعة الأرز الذي شهد نجاحاً كبيراً, الأمر الذي حدث أيضاً مع القطن والفستق والسمسم وقبل نزوحنا في (1967) شهدت المنطقة نجاحاً كبيراً وكان في المنطقة تكامل اقتصادي زراعي,.. ونأمل من الله أن نعود إلى قريتنا.‏

هذه حال أم محمد التي لاتزال تعيش في وجدانها ذكريات بيتها وأرضها في الجولان المحتل, أما ابنها محمد /41سنة/ الذي ولد في النزوح ولايعرف عن قريته البطيحة قرب طبرية بالجولان إلا ماكان يرويه له والده ووالدته أو من خلال ماقرأه أو سمعه في الإعلام يقول: (آمل أن نعود إلى أرضنا فهي جنة على الأرض, كان والدي مستعداً لترك كل شيء (هنا) من اجل أن يعود إلى القرية).‏

روان الطالبة في الصف العاشر /16سنة/ تقول: (والدي يعلمني حب الأرض والوطن والجولان, وأتمنى أن يعود الجولان إلى حضن الوطن الأم سورية وتعود الأرض إلى أصحابها الأصليين والحقيقيين لأن (إسرائيل) مغتصبة لأرضنا وعلينا أن نعيدها مهما كلفنا ذلك من تضحيات).‏

هذه هي مشاعر الجولانيين الذين هجروا قسرا من أرضهم ومنازلهم بعد مرور واحد وأربعين عاما, ويكاد لايمر يوم إلا ويتذكر أبناء الجولان النازحون أرضهم وقراهم وبيوتهم التي هجروا منها قسرا وتحت تهديد السلاح.‏

khaledgolan @yahoo.com‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية