|
ثقافة أما إذا فُرض القتل على الإنسان فلا بد له من أن يدافع عن وجوده ويصبح المرء ملزماً حينذاك بالمجابهة، فعلاقة الأدباء بالنكبات والأزمات التي تواجه وجودهم وهويتهم ليست علاقة طارئة وإنما هي علاقة متجذرة في التاريخ والحياة. هذا ما بدأ به د. حسين جمعة رئيس اتحاد الكتاب العرب محاضرته (دور الأدباء في مواجهة الأزمات والنكبات) التي أقامها في المركز الثقافي العربي في جوبر حيث تحدث عن مفاهيم النكبة والنكسة والأزمة حيث قال: كثرت المصطلحات الفكرية والسياسية والعسكرية في أيامنا هذه، ولعل من سوء طالعنا أننا نعيش في عصر تبدل المفاهيم أو تزييفها بكل وعي، نحن الجيل الذي تجرع الأزمات والنكبات بكل أشكالها، وهذا يعني أن مواجهة الأدباء والكتاب للمآسي والمصائب تمثلت بأزمات شتى ونكبات ماجعلهم مسكونين بالمفاهيم الخلقية والأدبية والفكرية، لهذا كله أدركنا سبب تسمية أحداث عام 1948 بين الصهاينة والعرب «النكبة»، إذ لم ينحصر مفهوم النكبة بالهزيمة العسكرية وإنما اتخذت أبعاداً دلالية عامة في الاقتصاد والاجتماع والتعليم. أنواع الأزمات والنكبات الأدب الذي يواجه الأزمات أياً كان نوعها أدب إنساني يؤكد الانتماء الأصيل للأديب، وفي ضوء ذلك فالأزمات أو النكبات ذات اتجاهات وأنواع شتى، فعلى الصعيد الداخلي هناك أزمات مثل (أزمة الأمية، أزمة التعليم، أزمة التخلف،..) وهناك أزمة محلية وأخرى عربية وأزمة دولية، ومن ثم فإن الاحباطات التي تصيب الأدباء والكتّاب من أزمة ماتصل إلى حد الاضطراب النفسي والفكري، ما يؤدي بهم إلى حالة من الاستلاب، وإن تصدى بعضهم لمعالجة عدد منها كما يحدث في حالة الكتابة عن الفساد كالرشوة وسوء توزيع الثروة، فالكتاب يقفون في مجتمعاتهم يدعون إلى التمسك بالحياة الجميلة ثقافياً وسياسياً ويدعون إلى التثبت بالأرض التي تمتلىء بالحرية والديمقراطية والعدل. وظيفة الأدب يتجلى الأدب في مواجهة الأزمات والنكبات سيفاً قاطعاً لكل ألوان القيود لأنه ينتشل النفس من الحزن والآهات والندم والقلق وينطلق بها إلى انعتاق كامل للمجتمع والأمة من هذه الحالات الضعيفة ليرتقي بها إلى ألق المجد والعزة، فوظيفة الأدب المقاوم للنكبات وظيفة مقدسة نبيلة تسطع في مواجهة عالم الحقد والجريمة لبني البشر، مايعني أن الأديب المقاوم يصبح لغز الألغاز في التعبير عما يشاهده ويشعر به بلغة الانزياحات الفنية والفكرية بعد أن تفاعل بالدهشة المقاتلة والصدمة المروعة لذلك. وعلى هذا فإن الأديب والمثقف أو الكاتب الملتزم يتبنى إيقاظ المشاعر الوطنية والقومية للالتزام بقضايا مجتمعة دون أن يعطل مفهوم العقل في هذا الالتزام. إن الأدباء والكتّاب يسعون إلى تأكيد حقوق أمتهم الخلقية والثقافية والسياسية بوصف هذه الحقوق حقوقاً حضارية ووجودية تؤكد المروءة والوفاء والانتماء. فالكتابة أياً كان نوعها إنما تعد ضرباً من التحدي والمواجهة لكل صنوف الأزمات والفوضى والقتل. ولهذا يظل الأدباء مشاعل نور على طريق الحرية والتضحية في سبيل الوطن ويحاولون أن يمنحوا شجرة الحرية قامتها الباسقة لا أن يختبئوا في تلافيف الكلمات المستسلمة وبهذا يمنحون المجتمع القدرة على الثبات والنضال. وقد اتخذ د. حسين (غزة) بوصفها النموذج الحي ببطولاتها وتضحياتها حيث قال إن غزة مثلت إرادة الحياة والانتصار في مواجهة الصهاينة وقد أذكت غزة مشاعر الأدباء والكتّاب وفتحت ذاكرتهم على الأبرياء الذين نذروا حياتهم للأرض، مقدماً مجموعة من القصائد للشعراء الذين قالوا في غزة على سبيل المثال هارون هاشم رشيد ونزار قباني ومحمود درويش: مختتماً: إن المبدعين والمثقفين سجلوا مشاعرهم الصادقة بمداد من نور آمنوا بثقافة الكرامة وهزموا المعادلات السوداء والمستسلمة وسنكتب في دفاترنا أن أولئك المبدعين كانوا يسعون إلى تعديل الميزان المقلوب في حياة الناس ليثبتوا الوعي بالحقيقة والعدالة والدعوة إلى التأمل، ولاسيما تأمل الفعل الثوري المقاوم. إن الأدباء والكتاب يجهدون لانتشال النفس العربية من حالات الشجب والتنديد إلى حالة الفعل الحقيقي مشاركة بالكلمة والموقف والنفس. |
|