تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اتفاق الدوحة .. مدلولاته وتبعاته

شؤون سياسية
الثلاثاء 24-2-2009م
د. محمد البطل

ينظر باهتمام إلى لقاءات الدوحة، التي عقدت قبل أيام قليلة، بين ممثلي الحكومة المركزية السودانية، ووفد حركة العدل والمساواة (دارفور)، وما تمخض عنها من توافق

مبدئي بين الجانبين لحل ملف دارفور، إذ يفترض منطقياً أن يشكل هذا التوافق ببنوده الأولية، على أهميتها مقدمة لمشاركة الأطراف الدارفورية الأخرى في سياق السعي إلى التوصل لتفاهم نهائي بين الخرطوم وفصائل المعارضة في هذا الإقليم السوداني.‏

بداية، تجدر الإشارة إلى الملاحظات الكثيرة حول توقيت اندلاع التقاتل والاحتراب السوداني - السوداني عام 2003 في هذا الإقليم الغني بثرواته الطبيعية، وموقعه الهام في الخارطة السودانية، ومع دول الجوار السوداني أيضاً، ولانغفل هنا العوامل الإقليمية والدولية المنشغلة في هذا الملف والهادفة إلى الضغط على الحكومة المركزية، بسبب من توجهاتها أولاً، وانشغالها الاضطراري بإشكاليات داخلية - مناطقية أخرى ليست أقل أهمية ثانياً، هذا في الوقت الذي يشغل فيه السودان بمجموعه عنصراً رئيسياً في القارة الإفريقية، ونقطة وصل بين شرقه على البحر الأحمر ووسط القارة الإفريقية التي يتزايد الاهتمام بها دولياً.‏

فقد عملت حكومة الرئيس السوداني عمر البشير، منذ سنوات، على التوصل إلى حلول للإشكاليات المناطقية، وتوصلت فعلاًَ إلى التوقيع على اتفاق نيغاشا مع الحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان عام 2005، وأنهت بذلك أطول صراع داخلي إفريقي، ثم النجاح في إنجاز اتفاق أبوجا مع طرف دارفوري (حركة تحرير السودان - جناح أركومناوي في أيار عام 2006) وأتبعته بالتوقيع على اتفاق مع حركة الشرق، البحر الأحمر، في شهر تشرين الثاني من العام نفسه، وأبدت إثر ذلك رسمياً استعدادها لمواصلة الحوار والتفاوض مع الأطراف «الدارفورية» الأخرى التي رفضت سابقاً التفاهم مع الحكومة المركزية لإغلاق ملف الإقليم.‏

وقدمت الخرطوم نفسها سودانياً وعربياً ودولياً، بوصفها دولة تسعى إلى حل الإشكاليات الداخلية عبر الحوار وتقاسم السلطة مناطقياً ووطنياً، هذا في الوقت الذي سعت فيه أميركا والعديد من الدول الغربية إلى استمرار انشغال السودان بمشكلاته الداخلية وصولاً إلى إمكانية تقسيمه من جهة، واستخدام عدد من دول الجوار لتنفيذ هذا المخطط من جهة أخرى، فضلاً عن الضغوط الواسعة التي مارستها ضد السودان ومن ضمنها القرار الدولي الأخير حول السودان - دارفور، وإنشاء قوة دولية (مينواد) تعمل في إقليم دارفور، إلى جانب قوة الاتحاد الإفريقي( لم تلتزم الدول التي صوتت لصالح قرار نشر قوات «مينواد» والدول الأخرى المنشغلة بهذا الملف بتعهداتها بتجهيز هذه القوات ودعمها عسكرياً ومادياً، وفشل «الدول المعنية» بملف دارفور، وبضمنها ممثلو الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي في إقناع عدد من حركات التمرد الدارفوري بالمشاركة في محادثات سلام مع الخرطوم، وتالياً عدم اتخاذ أي اجراءات عقابية ضدها).‏

وعلى الرغم من مواصلة هذه الدول الغربية، إضافة إلى أميركا، ضغطها على السودان وآخرها القرار الخطير والسابقة الدولية المتمثلة في تقديم المدعي لويس مورينو أوكامبو تقريره إلى المحكمة الدولية، الذي يطالب بالشروع في إصدار مذكرة توقيف دولية بحق الرئيس البشير، على خلفية اتهامه بالتورط في مجازر إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، بمعزل عن التطورات الداخلية السودانية على كثرتها وتعقيداتها من جهة، وبعيداً عن الضغط الغربي المستمر على السودان من جهة ثانية، فإن الحكومة السودانية واصلت جهودها لإغلاق «نافذة» ملف دارفور أمام التدخل الخارجي.‏

ومثلت لقاءات الدوحة بين مندوبي الحكومة السودانية، ومندوبي حركة العدل والمساواة (رفضت سابقاً الحوار الداخلي، وأوصلت قواتها إلى العاصمة السودانية في 10أيار عام 2008، في محاولة منها لقلب نظام الحكم في الخرطوم ، أو استخدام هذه المحاولة في دخول أم درمان إحدى أجزاء العاصمة السودانية كعنصر ضاغط على الحكومة السودانية) خطوة إيجابية كبيرة نحو حل أزمة هذا الملف، إذ تضمنت نتائج هذه اللقاءات عدداً من النقاط الهامة بوصفها، إعلان نوايا حسنة تمهد لاتفاق «دارفوري» سوداني نهائي ومنها:‏

وقف الأعمال العدائية في الإقليم، وبحث آليات تقاسم السلطة بين الحكومة المركزية وبين القوى الإقليمية «الدرافورية»، التفاهم حول حجم مشاركة الفصائل «الدارفورية» في جهاز السلطة المركزي.‏

ورغم أهمية النقاط الواردة أعلاه وما تمثله من نقلة نوعية نحو اتفاق من شأنه أن يغلق هذا الملف، فإن العديد من الصعوبات مازالت تعترض الاتفاق النهائي ومنها:‏

- عدم مشاركة أطراف عسكرية «دارفورية» أخرى: (حركة تحرير السودان جناح عبد الواحد نور - مقيم في فرنسا - أعلن عن استعداده للاعتراف بإسرائيل، وفتح سفارة لها في الخرطوم في حال استلامه السلطة!!).‏

انتظار ما سيصدر قريباً، عن محكمة العدل الدولية بحق الرئيس البشير، وهذا ما تحاول بعض القوى المعارضة «الدارفورية» استثماره، وتالياً رفع سقف مطالبها في أي حوار مع الحكومة المركزية في السودان.‏

السودان الحريص على وحدة أراضيه وسلامتها، وعلى سيادته واستقلاله، في تحديد نهجه الداخلي وسياسته الخارجية، يواصل تعاطيه بمرونة مع القوى المناطقية «المعارضة» بهدف تسوية إشكالياته الداخلية، وتالياً الالتفات نحو المهام الأخرى الجسيمة المتمثلة في الخروج من حالة الاحتراب الداخلي، والتوجه نحو البناء والإعمار والتنمية والاستناد إلى ثروات البلاد الهائلة، وإلى استراتيجية موقعها الجيوسياسي أيضاً.‏

وينظر كذلك باهتمام إلى هذه الإشكاليات، وخاصة قبيل استحقاق الانتخابات القادمة في حزيران، والوصول إلى حالة طبيعية في الأوضاع الداخلية، تساهم بدورها إيجاباً في ا ستفتاء «الجنوب السوداني» حول تقرير المصير المقرر عام 2011 (استناداً إلى اتفاق نيغاشا بين الحكومة المركزية والحركة الشعبية لتحرير جنوب السودان).‏

أسابيع قليلة تفصلنا عن الاتفاق المفترض، استناداً إلى تفاهمات الدوحة، التي تشكل محطة هامة في إطار محطات حل الإشكاليات الداخلية السودانية، خطوة هامة نحو سودان موحد وفاعل عربياً وإقليمياً ودولياً أيضاً.‏

* باحث في الشؤون الدولية‏

batal-m@scs-net.org‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية