تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ســـــــورية الجميلــــــــة...رسائل الحب الستيني (66)

ثقافة
الثلاثاء 24-2-2009
أســــــــــعد عبـــــــــود

ليس لدي أي وهم بالفعل السحري لإجازة بحرية.. لن أخلف الغصة ورائي لأشهد المتعة.. سترافقني ، مثل هواجسي وأسئلتي:

- هل رأتني أخرج من الباب؟! إذن هي لا تبالي!! لكن لماذا لا تغلق الباب من ورائي؟! إذن هي لا تريد فراقي؟! ربما لا تقوى عليه..‏‏

وعشرات الأسئلة عند كل منعطف أو وقفة تأمل..‏‏

مازلنا أنا وهي.. كل منا شغوف بالآخر.. لا يمكن أبداً أن يكون ما يجري وهماً.. الوهم خطر جداً وتحدٍ كبير..‏‏

لا تخف، كل ما تراه وجميع من تسمع عنهم وهم.. وأنت الحقيقة..‏‏

- أعرف ذلك.. وأخاف الوهم.. أخاف أن أتوهم وأخاف أن يأخذ الوهم مكاني.. هل خوفي مشروع؟!‏‏

هواجسك داخلية.. ليس لها أي مبرر في مواقفي وتصرفاتي..‏‏

- و.. ؟!‏‏

أنت تعلم حاجتي لذلك..‏‏

- إذاً يمكن للوهم أن يتحول إلى حقيقة..‏‏

- لا الوهم ولا الحقيقة يقدران أن يخلصاني منك..؟!‏‏

أنا كرهت العبارة.. أستطيع أن أفهمها كما تعنيها..لكنني مسكون بالهواجس والاحتمالات وخوفي مزمن من التغيرات وعشق المجهول الذي يسكنها.. الغصة في الصدر ولا تغادر..‏‏

الرمل الناعم.. والبحر الممتد.. صباح صيفي.. حيوية تعشق الكسل..‏ والغصة في صدري كالموج بين مدّ وجزر..‏‏

يدعوني الهاتف الذي اترقب صوته.. اسمها على اللوحة.. كل الهواجس كل غصات العالم زالت..‏‏

الصوت الجميل يُظهر وهناً أكيداً، قريب بشكل مسرف.. بعيد بشكل محزن.. ويعجز الهاتف أن ينقل مشاعري وتسقط أي إمكانية للفعل..‏‏

قالت فريدة:‏‏

غنِّ لي يا محمد..‏‏

نظر إلى وجهها الشاحب وشعرها الأشعث وجسدها المنهك في صراعه مع المرض لأشهر طويلة.. وبكى..‏‏

- الآن تحبين أن أغني لك..‏‏

دائماً أحببتك تغني..‏‏

- لماذا إذن كنت تعترضين..‏‏

كي تغني..‏‏

اقترب منها.. وضع رأسها على حضنه وروى:‏‏

بحثت بأصابعي في شعرها المتلبد الأشعث.. ووجدت فيه أكثر من قملة.. استمررت أفليها وأفتك بهذه الحشرات القذرة.. ضربت على ركبتي وقالت: غنّ!‏‏

غنيت عن دموع الفراق.. وأقسم بالذي أخذ روحها.. لم أنس يوماً ذاك الوداع..‏‏

قلت له:‏‏

لكنك تزوجت وخلفت.. وأولادك ما شاء الله..‏‏

قال:‏‏

- يا بني ليس في الدنيا ما يبكينا أكثر من العجز تجاه من نحب..‏‏

قالوا لأبي ميهوب: لم يرك أحد يوماً تبكي.. ألا تحزن.. فبكى لأول مرة في حياته..‏‏

قال القرحيلي:‏‏

دعوه يضحك ويُضحك من حوله فلولا حزنه لما كان الضاحك المضحك.‏‏

في غابة للكستناء تركا حبهما يتصرف.. لم يزد اليوم الشيب في رأسيهما.. لكن كل منهما يرتعش إذ يتذكر ظلال الكستناء..‏‏

يكتب علاء:‏‏

هي التي رفضت أن يكون ذلك مجريات حياة يومية مليئة بالحب والجمال والمتعة.. أرادت أن نحفر بالقلوب ممراً في الحياة.. ثم اكتشفنا أن ما يحفر بالقلب لا يردم بالأرجل..‏‏

سألته بمزيج من غضب ورفض وحزن وتساؤل:‏‏

- هل تريد أن تقطع علاقتنا..؟!‏‏

- أجابها: يا مجنونة.. قطع الوريد أسهل عليّ..‏‏

وأضاف: أنت رائعة جميلة حبيبة.. أنت لي..‏‏

أجابت: أنت رائع جميل حبيب.. أنت لي..‏‏

يكتب علاء: أريد أن أنعزل معها عن العالم وأخاف.. كثيراً ما أبحث اليوم عنها فيها.. وغالباً أجدها.. ترى لو انعزلت معها عن العالم.. وبحثت عنها فيها هل سأجدها..‏‏

قالت علا: لا تحاول أن تعدّل بي يا علاء.. هذا صعب جداً.. أنا من زجاج شفاف قاس.. ويصعب تعديلي إما أتهشم وإما أتلون وفي الحالتين لا أعود أنا.. فأين ستجدني؟‏‏

ما زلت أطوي برجلي الحافيتين مسافات من رمل البحر الناعم.. وفي ذهني تدور حكايات وقصص.. وقد فقدت الأمل أن أكون في دمشق حين احتاجتني.. كان يجب أن أكون.‏‏

أحب السفر وأكره الرحيل..‏‏

قال:‏‏

هل تريد أن يثبت العالم وتتحرك أنت ..‏‏

يوم رحيلها شمتت بي الشوارع والطرقات.. ويوم سافرت حسدني المستمعون على مارويته ..‏‏

في محطة نقل الركاب قالت لي:‏‏

لاتطيل سفرك..‏‏

عندما عدت بحثت عنها في كل مكان.. وعندما وجدتها .. لم أفوت فرصة المطرقة على الرأس كي أنتقم..‏‏

عرفت هي أنه لم يعد حباً ، فمضت و لم تعد.. في عمر آخر.. حياة جديدة تذكرتها دائماً ، مقدراً حجم الوهم فيما كان.. ومقتنعاً أنه الحب.. ليس مرة أخرى.. بل لأول مرة..‏‏

سألوا القرحيلي: من أحببت أكثر أم عبد الله أم زوجتك المرحومة..‏‏

قال: الحب مثل الشجرة يجب أن يشرب ويأكل ويثمر.‏‏

قال أبو ميهوب: أنا أيضاً أرى الحب مثل شجرة العنب تحديداً وكله يملأ الكأس.‏‏

يامن ملأتِ كأسي.. سأعد الأقداح، وبالعطر أسكر.. وبهواك أنام وأصحو.. فلا تنسي أنك سورية الجميلة.‏‏

a-abboud@scs-net.org‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية