|
شؤون سياسية وحول صدقية تبرير الحرب في الأساس?! جون دوش المدير السابق لجهاز المخابرات المركزي(سي.آي,إيه) قال في محاضرة ألقاها في جامعة هارفارد:(إن من مصلحة الولايات المتحدة الانسحاب في أسرع وقت ممكن) وفي هذا الوقت بالذات طالبت لجنة من الكونغرس بوضع استراتيجية للانسحاب من العراق. وفي أعقاب تزايد المقاومة العراقية وضراوتها اعترف عدد من الكتاب البارزين في الولايات المتحدة ومنهم (جيمس دوبنز) أحد المحللين الرئيسيين في مؤسسة (راند) للدراسات الاستراتيجية, بأن الحرب في العراق تنقصها الشرعية والقدرة سواء في نظر الشعب العراقي نفسه, أم في نظر البلدان المحيطة بالعراق. وذهب الباحث إلى أبعد من ذلك حين رأى أن هذه الحرب ستعطي شرعية أكبر للمقاومة العراقية, ولزيادة حجم المعارضة والراديكالية في الدول المجاورة, وإلى تقليص حجم التعاون الدولي مع الولايات المتحدة في هذا المجال. وبالرغم من كل الحروب التي خاضتها الإدارات الأميركية المختلفة خارج حدودها, فإن هناك عنصراً نبيلاً في الشخصية الأميركية يرفض احتلال الدول والشعوب الأخرى, وفي غمرة الحروب والحملات العسكرية المختلفة يتراجع بعض الشيء هذا الشعور العميق في النفسية الأميركية, لكنه يعود مجدداً ليعيد التوازن لهذه الشخصية. لذلك لم يكن مستغرباً أن يقف الشعب الأميركي في ستينات وأوائل السبعينات ضد الحرب في فيتنام. ويبدو أن الخسائر البشرية المتزايدة في العراق قد أيقظت مجدداً في الضمير الأميركي هذه النزعة الإنسانية التي ترفض الاحتلال والحروب. لذا حاولت الإدارة الأميركية أن تدفع بموضوع الانتخابات والوصول إلى دستور دائم للعراق بأقصى سرعة ممكنة حتى تعطي الشعور لدى العالم بأن مهمتها في العراق مهمة إنسانية, وأن لها رسالة أخلاقية وحضارية في هذا البلد. ومثل هذا الانطباع يؤمل أن يولد لدى الناخب الأميركي شكلاً من أشكال القبول بوجود القوات الأميركية في العراق, ليس كقوى احتلال وغزو, ولكن كقوة محررة للشعب العراقي. وكتب الباحث (إدوارد لوتاواك) وهو باحث رئيسي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية مقالاً يطالب فيه إدارة بوش بسحب قواتها كلياً من العراق وهو يرى أن الهدف الاستراتيجة للإدارة الأميركية ب (إرساء دعائم الديمقراطية في العراق) أمر غير ممكن غير أن الرئىس الأميركي جورج بوش يقول: (إن القوات الأميركية لن تنسحب من العراق حتى تنجز المهمة المكلفة بها). ما هذه المهمة? لا جواب. غير أن المؤشر الوحيد هو ما قاله وزير الدفاع دونالد رامسفيلد من أن القوات الأميركية تحتاج إلى البقاء لفترة لا تقل 12 عاماً على الأقل قبل أي حديث عن موعد انسحابها من العراق. ليست المشكلة في العراق فقط متى تنسحب القوات الأميركية? المشكلة أيضاً هي: ماذا جاءت تفعل هذه القوات? الجواب على السؤال الثاني يتضمن الإجابة على السؤال الأول هل هي السيطرة على النفط العراقي الذي يقدر بحجم المخزون الطبيعي في السعودية? .. إذا كان الأمر كذلك, فإنها مهمة لا تنتهي إلا بنضوب هذا النفط. غير أن المصالح النفطية الأميركية لم تكن مهددة في أي وقت قبل الحرب. وإذا كانت مهمة هذه القوات الهيمنة على الشرق الأوسط كله, فإنها مهمة لا نهاية لها . وهي تطرح علامات استفهام كبيرة حول الهدف من وراء ذلك, فهل تحل الهيمنة مكان الصداقة والعلاقات الطبيعية بين الولايات المتحدة والعالم العربي? وهل الهيمنة تحفط للولايات المتحدة مصالحها أكثر من الصداقة والتعاون?! ثم ما دور (إسرائيل) في ذلك كله? هل إن (إسرائيل) هي التي استدرجت الولايات المتحدة إلى رمال العراق المتحركة من خلال الدور الذي لعبه المحافظون الجدد أو كانوا في معظمهم يهوداً ليكوديين ومن خلال اللوبي الصهيوني الأميركي?! إذا كانت الولايات المتحدة قد خسرت الحرب في العراق كما يقول السيناتور هاغل, فإن الكثير من السياسيين والخبراء الأميركيين يقولون إن المحافظين الجدد خسروا معركتهم داخل الولايات المتحدة, وإنهم يلفظون الآن أنفاسهم الأخيرة. ولعل فضيحة كارل روف مستشار الرئيس بوش وأحد هؤلاء المحافظين الجدد قد توجه إلى هذه المجموعة الايديولوجية التي هيمنت على القرار الأميركي طوال السنوات الست الماضية, الضربة القاضية, والفضيحة كما بات معروفاً تتعلق بتركيب قصة شراء النظام العراقي السابق كمية من اليورانيوم من النيجر التي تبين أنها كسائر التبريرات الأخرى التي طرحتها إدارة بوش لشن الحرب على العراق, كانت كاذبة وملفقة, فكانت الحرب على العراق, التي حولت هذا البلد إلى بؤرة لتفريخ الجماعات الإرهابية التي تضرب هنا وهناك من لندن حتى شرم الشيخ تحت أسماء ومسميات عديدة. ولكن السؤال سواء أقرت الولايات المتحدة بأنها خسرت الحرب أم لم تقرب بذلك هو: أي عراق تترك القوات الأمىركية بعد انسحابها منه? والجواب ببساطة متناهية: عراق مفتت, فأي مكسب تحققه الولايات المتحدة وراء ذلك. إن الرابح الوحيد هو (إسرائيل) ومشروعها الذي يستهدف الشرق الأوسط كله بالتجزئة والتقسيم والتفتيت. ومن هنا خطورة ما يجري في العراق. ما كان لإدارة بوش أن تفبرك قضية أسلحة الدمار الشامل في العراق, وأن تضلل الرأي العام الأميركي والعالمي بها, لو لم تكن لها أهداف بعيدة المدى.. وما كان لها أن تشن الحرب وأن تحتل العراق لو كان بإمكانها تحقيق هذه الأهداف بوسائل أخرى. ثم إنه ما كان لها أن تتحمل ما تتحمله الآن من خسائر بشرية ومعنوية, لو لم تكن هذه الأّهداف عزيزة عليها وجزءاً من استراتيجيتها الجديدة في هذه المنطقة وفي العالم. فهل المشروع الإسرائيلي الذي يستهدف المنطقة يقع في إطار هذه الأهداف البعيدة?. وأي مصلحة للولايات المتحدة في ذلك? أم أن المحافظين الجدد وظفوا موقعهم في إدارة الرئيس بوش لتحقيق هدف إسرائيلي استراتيجي بالقبضة العسكرية الأميركية? صحيح أن عدوان اليابان على الولايات المتحدة في بيرل هاربور قاد الولايات المتحدة إلى طوكيو. وصحيح أن العدوان الإرهابي على نيويورك وواشنطن عام 2001 قاد الولايات المتحدة إلى كابول وبغداد. ولكن بقدر ما كان الرد الأميركي على اليابان مبرراً سياسياً وعسكرياً, فإن الرد الأميركي على العراق لم يكن مبرراً بعد أن ثبت أن العراق لم يكن على علاقة بالقاعدة, أو بأحداث 11 أيلول المشؤومة. كما أنه لم يكن يملك أسلحة دمار شامل, ولم يكن بالتالي يشكل تهديداً للغرب. أخيراً من السذاجة الاعتقاد بأن القوات الأميركية قامت بكل هذه المغامرة العسكرية من أجل تحرير العراقيين. فهي لم تكن في أي وقت جمعية خيرية.. ولن تكون! |
|