|
البقعة الساخنة ولكن يبدو أن بعض السياسيين اليوم, ولا سيما أولئك الذين اعتادوا على قلب مواقفهم واتجاهاتهم, لم يخطئوا في الإلمام بالتفاصيل فحسب, بل أيضا ثمة تشوه في الذاكرة قد مس الكثير من الحقائق لديهم التي لا تغيب في العادة عن المبتدئين. وهناك من ذهب أبعد من ذلك حين مسح ذاكرته بالمطلق, وتعاطى مع الأحداث والوقائع من منطلق الوهم أن ذاكرة الآخرين أيضا يمكن أن تتعرض للمسح, وأن التشوه هو ذاته يمكن تعميمه, ليكون المشهد برؤية واحدة لا تتعدى نطاق الاستهداف الذي يعملون تحت سقفه ووفق أجندته. ولعل المغالطات الكبرى التي درج عليها أولئك تعكس القدر الكبير من الخيبة التي رافقت كل محاولتهم السابقة, وتؤشر إلى المأزق الذي يعيشونه,فبعد تداعي الشهود الملفقين, واختصار دائرة الشبهة في الأسباب التي تقف خلف تبنيهم من قبل بعض الجهات, وسلسلة الفضائح المتصلة بآلية الاتهام التي أطلقت تنسيقا وتوافقا, لم يعد بمقدور أولئك سوى اللجوء إلى التلاعب بالذاكرة وبالتاريخ. وجاءت مجموعة الادعاءات الفاضحة المتعلقة بمحاولات التستر على ما يجري لتفتح الباب أمام رؤية أشد خطورة, عندما لم يكن أمامها سوى اللجوء إلى عقد الصفقات, كوسيلة للخروج من النفق, والتحضير في مرحلة قادمة لتفجير الوضع اللبناني تحت مزاعم البحث عن الاستقلال. فالحديث عن المحاولات المحمومة لصفقة مع الجبهة الشعبية, والحديث المتواتر معها عن عصر الصفقات على حساب لبنان كما تم الإدعاء, لم يكن سوى للتغطية على عجز في تمرير تلك الصفقة, وإلا ماذا يعني ذلك العرض, وتحت أي ذريعة يمكن تبريره?! ربما كانت النصيحة الأميركية في هذا الاتجاه واضحة وصريحة, وهي أن الاستحقاق القادم يتطلب البدء بتنفيذ ما عملت على تقديمه تلك الأصوات من وعود للأميركيين, وفي مقدمتها ما كشفته وسائل إعلام لبنانية عن أن الأميركيين ينتظرون المباشرة بترجمة تلك الوعود في صفقة أخرى أزكمت الأنوف, وأماطت اللثام عن الحقائق الكثيرة التي كان يراد للذاكرة أن تتجاهلها. لذلك ربما نجد تفسيرا في عملية الخلط المتعمد للأحداث والتاريخ, وتوضيحا لمحاولة مسح الذاكرة, وتجاهل التفاصيل والعناوين على حد سواء, والأهم ذلك الإنفلات المحموم الذي يخلط الوهم بالحقيقة والذي يجهز الأصابع الملوثة للنيل من بديهيات لا أحد يستطيع التشكيك بها أو الغمز من قناتها. في التجارب قديمها وحديثها, ثمة من يتحدث عن تشوهات تصيب البعض, فتفقده أعصابه, وأحيانا أكثر من ذلك, لكن جميعها تؤكد أن تلك الحالات الاستثنائية ليست أكثر من عوارض مرضية, سرعان ما يلفظها التاريخ حالها في ذلك حال من استقوى بعدوه وتوهم أن الخيانة يمكن أن تقود إلى باب النجاة. |
|