|
لوفيغارو لامؤشر يدل على أن الدول المنبثقة التي انكبت على النهل من الحداثةحتى الثمالة, تتطلع في نفس الوقت إلى اتباع النموذج الاجتماعي الديمقراطي الغربي, في هذا الغرب, حيث المواطن بدأ يتساءل شيئاً فشيئاً, إن كان يعيش في أفضل عالم سياسي ممكن. ذلك ماكشفت عنه دراسة صادرة عن مؤسسة فريدريتش- ايبرت منذ عدة أسابيع, أشارت إلى أن ألمانياً واحداً من أصل ثلاثة يعتقدون أن الديمقراطية تعمل بصورة سيئة, وتكبر تلك النسبة لدى الألمان في جزئها الشرقي, وهناك واحد من أصل أربعة أشخاص استفتوا لا يريدون أن يعرفوا شيئاً عن (الديمقراطية التي يعيشونها في بلدهم). وكذلك تعتبر المشاركة الضعيفة في الانتخابات التي تشهدها الدول الديمقراطية أو انخفاض عدد المنتسبين إلى الأحزاب مؤشر لتقهقر الديمقراطية, وهنا مربط الخيل الذي يؤشر إلى النزوع الأساسي: ومن المعروف أنه وخلال أعوام السبعينات والتسعينات كان التمسك الصوري بالديمقراطية في ألمانيا يتراوح حول نسبة 75% ومن ثم بدأ التراجع بحيث إن استطلاعات الرأي ليست الوحيدة التي سجلت هذاالتراجع, بل أيضاً سجل وخلال ربع قرن فقدان الأحزاب السياسية الكبرى لنصف أعضائها. ولم يكشف فقط النزوع إلى الأنظمة الشمولية عن فقدان الثقة بالديمقراطية, بل عكسته أيضاً اضطرابات النخب السياسية العاجزة عن الإحاطة بأبعاد المشكلات المطروحة في القريب. ولهذا ظهر المرشح الديمقراطي الأميركي باراك أوباما بمظهر المنقذ حتى وإن لم يكن أميركياً. وليس التخلي عن الديمقراطية معناه, بالضرورة, وضع العصي في عجلات النمو والتنمية, بل غالباً مايكون أداة تسريع في مسيرة التحديث, وحينما نرى بعد النظر الذي تتحلى به الحكومة الصينية بهدف الحفاظ على الثقة في النظام من خلال استخدامها العصا والجزرة, فإنه من المستحيل أن يخطر على فكرنا أن هذا النظام يمكنه الانكفاء على مقياس وحيد لايكون ديمقراطياً ويمكن لهذاالنظام أن يصبح بالنسبة لمجتمعات أخرى نموذجاً يحتذى أكثر من النموذج الغربي, والذي خلال غطرسته أعطى انطباعاً بأن الزمان أكل عليه وشرب.. وحتى الدول الهشة في مجموعة الدول النامية التي تشرف على التداعي أو هي تداعت ليست مرشحة لتأخذ بالنموذج الغربي وبالتالي فإما هم خارج إطار العولمة, وإما ضحايا سلبيين لها. وحين فقدت الديمقراطية الغربية قيمتها كنموذج خضعت إلى ضغوط جاءتها من الخارج, إذ ثمة دروب أخرى تفوء إلى التحديث لانعرفها بعد, وهناك كل الأسباب الداعية إلى الاعتقاد بأن المشكلات البيئية سيطول أمدها طالما أن المحرك الرأسمالي لم يتخذ نموذجاً آخر بعد. والخاسرون ضمن نظام العولمة في البلدان الغربية هم في الواقع أول ومن سيشعر أن الاستمرار في منح الثقة إلى دولة تعد بالرخاء والرفاهية للجميع ضرب من الوهم, كما أن مشكلة الانحطاط الاجتماعي, والذي لم يكن في السابق, في بلدان المعجزة الاقتصادية إلا من نصيب أولئك غير المرغوب بهم, بات الآن شبحاً يخشاه العالم أجمع. إن البنى الاجتماعية, التي يعرفها العالم بعنوان خاص ليست ثابتة البتة ويمكن أن تجد نفسها وبسرعة في مواجهة مشكلات وجود وشرعية, ويمكن أيضاً أن تتقوض حينما تصبح الضغوط الاجتماعية أكثر قوة, ولايختلف الأمر, حينما تكون البنى الاجتماعية على مستوى الدولة, حثى وإن كانت المؤسسات تلعب دور المثبت ماذا سيحدث, فيما إن أصاب سير عمل المؤسسات مثل الأحزاب والنقابات والكنيسة والصحة والأمن الاجتماعي عرقلة بصفتهم مثبتين للبنى? ذلك لأنهم وقعوا في سيناريو التحويل, وقد أساؤوا مهم أنفسهم, لقد كشف القرن العشرون بما فيه من ديكتاتوريات وأنظمة شمولية وثورات وانهيارات أنه لا يمكن التعويل على استقرار الموازين الاجتماعية, فالأمور يمكن أن تتحرك بسرعة وتفلت بسرعة من أي رقابة, والتاريخ يبين أنه وفي حالة التهديد والضغط, يمكن للأفراد أن تتهاون في بعض التصرفات والقرارات التي لم يكونوا ليتخيلوها في السابق, ولهذا فإنه من الأنسب الاستفادة من النتائج المثيرة للقلق الصادرة عن مؤسسة فريد ريتش ايبرت كدافع للتفكير في تحديث الديمقراطية, وإن الاندماج هوالمشاركة وليس المساعدة. ولن يكون للتوجهات المجردة للاتحاد الأوروبي أي مفعول توحيدي لأن أحداً لم يفهم بماذا تفيد, وبالمقابل, فإن الدولة وفي حالة لم تسمح بظهور سوى رغبة الاندماج عبر اللجوء إلى المساعدة, التي لاتستطيع تأمينها, بذلك فإنها تقوض أساسات الديمقراطية, وتتخلى عن سلطة الالتزام بأولئك الذين تخلت عنهم في الطريق, وتصبح أكبر الخاسرين في مسيرة العولمة, وستجر الدولة في طريق فشلها هذا الديمقراطية أيضاً. |
|