تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


العثور على الوطن!

آراء
الاثنين 1/9/2008
حسين عبد الكريم

أصدقاء وصديقات من المدن والبلدات والقرى لمّ شملهم الحب والبحث والسفر ووجد الأمكنة والزمان...

تبين لهم بعد طول ملاحظة وكشف واطلاع:‏

التلوث الأخلاقي يخنق أجمل الأخلاق والأحلام والأوطان أيضاً... النظافة الأخلاقية لا تأتي من المعقمات وحمامات السوق, والمنتجعات... هي موهبة بسيطة وأعصاب تقرأ الحب في ملامح الوقت والناس, وتجيد ترتيب الألفة والأسى والمودات , التي لا تعرض على البسطات أو في واجهات النفوس المشلّعة... بالأمس مات كثيرون بذبحات أخلاقية فظيعة, وقبلهم وبعدهم أناس مولودون ويولدون مختنقين أخلاقياً...‏

الموت بالذبحات الأخلاقية ليس شرفاً أو فخراً أو تضحية, لكن الميتين أخلاقياً, يعتبرونه هكذا, أو يودون اعتباره... والسؤال الصعب الداخل في امتحانات الشهادتين الوجودية والوطنية: كيف الشفاء?‏

إحداهن تقول لأهلها: فلان الذي تريدونه خطيباً لي, وفيما بعد زوجاً, لم أقبله, لأن رائحة نتن تجيء من جهة نفسه, إن وجدت!‏

تقول لها أمها: كيف لا تكون له نفس وجهتها??‏

نفسه من وحل بشع!‏

وتسأل الأم: وأخلاقه, صدقه, وعده, وطنيته, حبه , حزنه ذهابه, رجوعه?‏

- تسألين عن حاجات روحية باهظة, هو لا يبحث عنها لأنها ذات قيمة... هو يريد حاجات ليست ذات قيمة, يريد عمراً من ترف حيواني ويكفي...‏

والأخلاق يقول عنها: عملة قديمة لا داعي للتعامل بها...‏

والصدق ليس أكثر من مؤذن في جامع منسي...‏

يُعبِّد دروب عمره بأحجار من حطام الآخرين, وحين يلتقي, يلتقي ب معبدين بإسفلت حرائق الأخلاق العامة والخاصة... وهو ولفيف أصحابه وجمهور كبير يحضرون بشكل متلاحق حفلات السقوط في امتحانات التربية الوطنية بكل دروسها الشفهية والكتابية,,‏

الوعد عندهم بقدر ما يستفيدون منه ربحاً ليس إلا...‏

الوطن) هبش( و) تحويش معاملات( وترتيب كذبات عقارية ونفسية وترابية وهوائية...‏

والحب لا يساوي عندهم لفافة تبغ محترقة, لأنه , بنظرهم خسارة بخسارة... وجدول ضرب نتائجه ناقصة... تعاود الأم الاستفسار:‏

هؤلاء من القرية أو من المدينة?‏

- من قال: إن الذبحات الأخلاقية لها سجلات نفوس وأوراق ثبوتية في القرية أو في المدينة, في البيت أو في المدرسة!?‏

في الأيام التالية يسافر الأصدقاء والصديقات في رحلة إلى القرى المجاورة للمدينة, فلاح لهم في مبتدى السفح بناء ضخم, قديم بعضه, وحديث بعضه الآخر, وتبدو عليه علامات الترميم, في بعض أطرافه, كتب على واجهته:‏

مستشفى الذبحات...‏

وبقية الكلمات ساقطة أو منسية أو ... حاولوا الدخول إلى المبنى, والتلاقي مع المختصين, لكن الأمور لم تساعدهم, لأن قسم الإسعاف سألهم:‏

هل أحدكم أو إحداكن مصاب أو مصابة بداء الاختناق الأخلاقي? أو هل أحد منكم يلتقي بمصابين بهذه الآفة الفظيعة وبالنسبة للآنسات ننصحكن بفحص المتقدمين للزواج منكن قبل وقوع الواقعة.. والرجال ننصحهم أيضاً بالتأكد من سلامة حبيباتهم قبل عقد الشراكة الحياتية أو أية شراكة: ابتسامة أو مصافحة أو تناول صحن فول بالكمون والبهارات... استخدموا توابل حب موثوق بها!!‏

وقد انتبه طبيب الإسعاف إلى وجه ال( إحداهن)‏

التي أراد أهلها تزويجها من مصاب بالعفونة الأخلاقية, وأدخلها إلى غرفة العناية الأخلاقية.‏

وجدت في الغرفة أو في القسم الواسع الكثيرين والكثيرات مختنقين ومختنقات, وبعضهم وبعضهن عجز الأطباء عن إعادة الحياة إليهم, لأنهم موهوبون بالاختناقات الأخلاقية الدائمة.‏

ووجدت أقرباء لها وجيراناً وجارات وخالات وأخوالاً ووجدت وتعبث عينا وجدانها وروحها ونفسها من كثرة ما وجدت قالت:‏

وطن عظيم ينتشر فيه هذا الوباء... ألا يحق لهذا الوطن الشفاء ودرء أخطار هذه الآفات?‏

وفي الحال جاء صوت خطيبها الموعود أو زوجها مع وقف التنفيذ:‏

لم يعد يعجبك المرضى بالذبحات الأخلاقية ومشتقاتها: المنافقون ومسّاحو الجوخ وجميع أقمشة الرياء الاجتماعي والنصابون والمنافقون والمدعون والجاهلون والمتسلقون? قد تتعبين في العثور على غير المرضى...‏

وقد يتجاوزك قطار العمر, وتبقين واقفة عند إشارات مرور الحائزين على شهادات النظافة الأخلاقية وحسن سلوك الضمائر...‏

- أخبرت الطبيب: بودي الرجوع إلى المدينة قد تكون مشافيها مجهزة أكثر وأداؤها أفضل.‏

- المدينة مزدحمة بالمصابين وتطلب مساعدتنا ومد يد العون وسلامة البيئة الإنسانية.‏

قالت الصبية: هاجر الحلم كما تهاجر الطيور, لكن لا بد أن يعود... للأحلام أعشاشها, التي لا تبيت خارجها طويلاً‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية