تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بعد الحرب .. كيف ستربح سورية السلام ؟

عن صحيفو لوفيغارو فوكس
متابعات سياسية
الخميس 21-9-2017
ترجمة: دلال ابراهيم  

كتبت كارولين غالاكتيروس , أستاذة العلوم السياسية , والعقيد الاحتياطي في الجيش الفرنسي ومؤلفة العديد من الكتب في صحيفة فيغارو فوكس الفرنسية تحليلاً لها عن انتصار سورية ومرحلة ما بعد الحرب تساءلت فيه : في الوقت الذي تقترب فيه داعش من نهايتها , نتساءل :

هل يمكن أن تتحرر سورية وقد استعادت جميع أراضيها من رهانات نفوذ القوى العظمى وتسعى إلى تأمين مصالحها الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط ؟ تقول‏

 يتكبد تنظيم داعش وأتباعه من حلب إلى تدمر فالموصل ودير الزور وقريباً الرقة هزيمة نكراء , وتقلصت المساحة التي يسيطر عليها التنظيم إلى حدود ضيقة . والكل بدوره سوف يدعي قريباً الانتصار على قطع رأس الهيدرا , والتي يتم بالفعل إعادة تشكيلها في أمكنة أخرى .‏

ولذلك قاومت سورية , على حساب معاناة لا حصر لها وعلى حساب تدمير مبرمج ضدها . لقد عرفت كيف تجد لها حلفاء صادقين يريدون جميعاً الآن الإمساك جيداً بالشق السياسي لنهضتها بما يحفظ أفضل المصالح الإقليمية والدولية . والآن السلام .‏

وإن كان الغرب يدعي التقارب في الجهود لإحلال السلام واجتثاث داعش , فإن الواقع يعتبر أقل وضوحاً بكثير , ناهيك على أنه أقل " أخلاقية " . لأنه بالنسبة للمعسكر الغربي المهم الآن وعلى عجالة محو آثار الإهانة التي وجهها لهم انتصار لا يمكن تصوره للدولة السورية , التي كانوا يصفونها بأنها محاصرة منذ اليوم الأول تقريباً للاحتجاجات التي شهدتها عام 2011 , انتصار دحض بشكل مذهل جميع تكهناتهم وتهديداتهم . فالدولة السورية وعلى رأسها الرئيس بشار الأسد , قلبت الموازين , استطاعت بفضل مقاومتها تجاوز أقصى الضغوط التي عجزت عن إسقاطها . وتبين أن الجيش السوري الذي وصفوه بأنه جيش دموي ضعيف , يتشكل من ميليشيات أجنبية  قوة مرنة بشكل لا يصدق والآن هو محارب شديد البأس ضد العصابات الإرهابية . وفيما يتعلق بمقولتهم أن سورية مقطعة الأوصال واختزلوها إلى مقولة الجزء " المفيد " صارت دولة متعافية باستعادة سيادتها على أراضيها .‏

والشعب السوري الذي كانوا يصفونه بأنه ضحية قادته , منهم الذي قتل ومنهم الذي هاجر , تبين أن  الجزء الأكبر منه يعيش منذ أعوام في ظل حماية تلك القيادة من إرهاب المجموعات المسلحة.‏

هذا ومع خريف عام 2017 اكتشفنا أن الحقائق هي أكثر عناداً من حساباتهم المشؤومة لغرب اعتقد أن بوسعه أن يفرق ليسد إلى ما لا نهاية . فقد تحررت الموصل ومن ثم تحررت تدمر وغداً سوف تتحرر الرقة , فالإسلاميون الذين استأجرتهم واشنطن وتل أبيب ولندن وأنقرة والدوحة والرياض  تخلى عنهم مشغلوهم  وتقلص عددهم تمهيداً لاستسلامهم في إدلب , هذا بالنسبة للبعض وللبعض الآخر يعاد بناؤه لاستنساخهم في الشر المقبل , ومع نفس الرعاة المشغلين . نأمل ألا يتم ذلك .‏

ومن الآن , صارت المعادلة واضحة إلى حد ما : كيف يمكن لواشنطن وتل أبيب والقوى التي حذت حذوهم أن يتحملوا هذا الإذلال الثلاثي العسكري والاستراتيجي والسياسي دون أن يسعوا إلى تقويض السلام ؟ كيف يمكن حفظ ماء الوجه ؟‏

كيف يمكن لإسرائيل أن تدخل في فضائل موسكو وتواجه نشوء حزب الله بصفتة قوة إقليمية ؟ والقبول بطهران كقوة تصل إلى جنوب لبنان عبر العراق وسورية ؟‏

إن الوقت ليس للاعتراف بأخطاء الشرح والتفسير أو إيجاد حول براغماتية ترمي إلى تحرير المنطقة من تفريخات الإسلامويين . إن الرهان لا زال قائماً " ملتوياً " . فالشعب السوري والعراقي والليبي واليمني لم ينهوا معاناتهم لكي يسمحوا لطموحات القوى بأن تتسلق على ظهورهم وتحقق رفاهيتها .‏

وعشية إجراء جولة من مباحثات آستنة برعاية روسية , بدا جلياً تهميش الدور الأميركي وحلفائه , وهذه الخطوة تُرجمت بوضوح في الميدان . لأنه ودون الوصول إلى الشرق السوري ودخول القوات السورية إلى الحدود العراقية – السورية كانت تقطعت الأواصر بين العراق وسورية .‏

وقد سعت واشنطن لمواجهة هذا التقدم للجيش السوري وحلفائه إلى إطلاق " معارضتها المعتدلة " من جبهة الجنوب , وقد أتت بهم من الأردن ودعمتهم عبر قاعدتها في التنف . وقد فشلت هذه الاستراتيجية , لأن هذه المجموعات المدعومة أميركياً تحاصرت وبالتدريج سقطت نقاط الحدود التي كانوا يسيطرون عليها على الحدود الأردنية في أيدي القوات السورية . وتعتمد واشنطن في الوقت الحالي على التحالف الكردي لما يسمى قوات سورية الديمقراطية بقيادة قوات حماية الشعب الكردية . وهم الذين يقاتلون الآن في الرقة .‏

ومن جهته , حقق الجيش السوري في سيطرته على مدينة تدمر في آذار المنصرم تقدماً غير مسبوق على طريق دمشق – دير الزور حتى وصل إلى كسر الحصار عن مدينة استمر منذ عام 2014 . وباتوا الآن في مواجهة قوات قسد أيضاً التي عملت خرقاً في الجنوب باتجاه دير الزور لمنع القوات السورية من العبور إلى الضفة الشرقية من الفرات . ومن أجل هذا الغرض أرسلت دمشق قوات على زوارق وجسور عائمة للعبور إلى الضفة الشرقية , لأنها لن تقبل الاقتصار فقط على غرب المدينة وتتحول المدينة بالتالي إلى برلين الثانية , ولذلك من غير المستبعد وقوع مواجهة بين الجانبين , أي الجيش السوري وحلفاؤه وقوات قسد . على الرغم من تأكيد الرئيس ترامب أن الهدف الأميركي الرئيسي في سورية هو " محاربة داعش " وليس الدولة السورية . في الوقت الذي تزداد فيه عزلة واشنطن وتزداد سيطرة منطق المحافظين الجدد , الناشطين في صفوف القوات المسلحة وفي صفوف اللوبيات الاقتصادية . والجميع مقتنع في الساحة الدولية أنه لا يمكن تحقيق نتائج لأي طرف في المفاوضات سواء في أستنة أو جنيف أو " مجموعة الاتصال " ما لم يتم ترجمته في ميزان القوى على الأرض .‏

وبالنسبة للأكراد , علينا التوقف عن الاعتقاد بأن حلمهم في إقامة دولة , سواء شرعية أم غير شرعية سوف يتحقق . لأن واشنطن سوف تتخلى عن دعمهم حال انتهاء تنظيم داعش . وجميع الدول التي يوجد فيها أكراد متوافقة على ضرورة سلامة أراضيها وعدم التفريط فيها .‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية