|
مجتــمـــــع وهو في عز الشباب.. فخيم الحزن على كل بيت سوري وبكى الشيب والشباب، والنساء والأطفال على الشهداء العسكريين والمدنيين الذين قتلوا بخنجر الغدر والخيانة. تسعة أشهر مرت ولكن لم يخطر على بال أحد كيف مضت على عائلات حماة الديار.. لقد كانت قاسية..يشوبها البعد والقلق، الخوف والانتظار والشوق إلى الأب والزوج والابن. فعندما ينام الأولاد تبقى الأم طول الليل بحالة ترقب وانتظار..تتراكض الأفكار في رأسها ليقطعها رنين الهاتف وإذا بالزوج يتكلم.. كيف حالكم.. اطمئني الأمور بخير.. انتبهي على الأولاد... زوجات المقاتلين في الجيش العربي السوري.. كيف مرت عليهم تلك الشهور التسعة بغياب الزوج الذي نسي بلحظة ما أن له عائلة، وتذكر فقط أن لديه مهمة سامية وهي الدفاع عن سورية وشعبها وقائدها كي يوفر لعائلته ولأبناء بلده الأمن والأمان، ووضع نصب عينيه إما النصر أو الشهادة. تسعة أشهر مرت وكل يوم فيها بمثابة شهر..مناسبات كثيرة مرت لم يشعر بطعمها الأولاد ولا الزوجة.. فقد أتى شهر رمضان وبعده أتى العيد.. ومضت عطلة فصل الصيف.. ومن ثم فتحت المدارس أبوابها.. وبعدها أتى عيد الأضحى والأب غائب عن البيت.. ربما يأتي في الشهرين مرة أو أكثر.. ما تسبب بالفراغ العاطفي.. وكلنا يعرف أهمية وجود الأب بالنسبة للأطفال.. مسؤولية الأم.. السيدة مرام تقول:منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه الحرب على سورية التحق زوجي برفاقه للذود عن أرض الوطن إلى يومنا هذا.. في غيابه زادت مسؤوليتي.. إضافة إلى قيامي بواجباتي تجاه أولادي هناك أمور كثيرة كنت أعتمد فيها على زوجي.. أصبحت أقوم بها بنفسي كتأمين مستلزمات الأولاد من ملبس ومأكل..إضافة إلى تأمين الغاز والمازوت.. وبحال مرض أحد الأولاد علي القيام بأخذه إلى عيادة الطبيب أو إلى المشفى إذا اقتضى الأمر.. وفي أحيانا كثيرة أضطر للاستعانة بالجيران لقضاء أمور كثيرة كوني بعيدة عن أهلي.. وتضيف السيدة أن هذه أمور بسيطة.. لكن دوري الأكبر تجاه أولادي كمربية.. فمن واجبي تربية أولادي على حب الوطن.. و أن أشرح لهم سبب غياب والدهم عن المنزل لفترات طويلة بأنه يلبي المهمة الموكلة إليه وهي الدفاع عن أمنا الحبيبة سورية ضد الأعداء. وللسيدة مرام ابنتان.. رانيا ديب ـ14ـ سنة تقول.. إنني في حالة شوق وحنين دائمين إلى والدي.. وأفتقده كثيرا فهو يعاملني كصديقة له ويسمعني الكثير من كلمات الإطراء التي تجعلني متوازنة عاطفيا.. وكم تمنيت أن يكون بقربي لأحتفل بعيد ميلادي ولكن بسبب غيابه عن المنزل وبسبب الظروف التي تمر علينا رفضت أن احتفل بهذه المناسبة.. وتمنيت لو كان معي يوم استلمت الجلاء ونجحت إلى الصف التاسع كي أهديه نجاحي ويهنئني ويبارك لي هذا النجاح.. ويوم اشتريت ملابس العيد، والمدرسة أنا وأختي تمنيت أن يكون والدي معنا كما عودنا في كل عام.. وتضيف رانيا.. أنا كبيرة، وأعي حجم المؤامرة المدبرة ضد سورية وأقدر عمل والدي وأفتخر أنني ابنة هذا الشخص الذي نذر نفسه من أجلنا ومن أجل وطنه.. وأقضي أوقات كثيرة في الدعاء لوالدي ولجميع أصدقائه بالنصر والعودة إلينا سالمين إن شاء الله. ريتا ديب ـ12ـ سنة تقول.. في كل مساء عندما نشاهد نشرة الأخبار أرى كيف يقوم المسلحين بقتل عناصر الجيش وتقطيعهم، شعرت بالخوف والقلق على والدي.. وعندما ذهبت لأنام لم استطع ذلك، فحملت وسادة أبي أشمها وأقبلها وصرت أبكي لأنني تخيلت أنه ربما يصيبه مكروه..وتذكرت كيف كان يوقظني كل صباح ويقبلني.. وتخيلته عندما كان يأتي من عمله كيف كان يضمني ويجلب لي معه الهدايا والمأكولات التي أحبها.. في تلك الليلة دخلت أمي لغرفتي فأخفيت وجهي كي لا تراني.. لكنها انتبهت لي، وعندما سألتني ما بك فقلت لها خائفة على والدي ومشتاقة إليه.. فقالت لي أمي إنه غائب عن المنزل كي يوفر لي ولجميع الأطفال الأمان بالقضاء على المجرمين.. وبقيت بقربي حتى الصباح. عنصر الأمان.. السيدة لبنى الرضوان قالت إن الزوج هو عنصر الأمان في كل بيت وأنا ومثيلاتي فقدنا هذا الشعور بسبب غيابه.. وكل واحدة منا تعيش حالة من الخوف والرعب من أن يأتيها بأي لحظة خبر استشهاد زوجها. تضيف.. كنا قبل المؤامرة نعيش حياتنا في نظام ورتابة.. لكن الآن تغير نمط معيشتنا فأصبحت لا أنام كما يجب وأحيانا كثيرة يستيقظ أحد أولادي من نومه مذعورا بسبب الأحلام البشعة والكوابيس نتيجة مشاهدتهم لمناظر القتل والجثث على شاشات التلفزيون وخوفهم على والدهم. ولكن هنا يأتي دوري ومسؤوليتي أن أبرر لأولادي أن والدهم خارج المنزل كل هذه الفترة حتى يمنع القتل والتدمير والتخريب.. فهو يعرض نفسه للخطر حتى يوفر الأمن والحماية للآخرين. لنرى ماذا يقول أولادها.. ديانا شاهين 12 سنة.. عندما ذهب والدي إلى إحدى المحافظات التي كنا نرى فيها المسلحين والقتل والخراب انتابتني حالة من الذعر على أبي وتمنيت لو يعود الزمن إلى الوراء وتصبح حياتنا طبيعية ويكون والدي بيننا بدل من البعد والخوف عليه.. فنحن نقضي أيامنا في الملل والبكاء، وننتظر بفارغ الصبر اليوم الذي يأتي فيه لزيارتنا.. وعندما يذهب أضع بزته العسكرية في غرفتي كي أشعر أنه بقربي لأنها من رائحته.. فأتخيله أمامي وبقربي.. وقد كتبت لوالدها قصيدة اخترت بعضا منها. يا والدي عندما تأتينا مرهقا أتمنى لو يعود بنا الدهر ولا أراك تجد الأرق. وأخيرا تضيف ديانا أتذكر كيف كان والدي يوقظنا أنا وأخي في الصباح الباكر ويوصلنا إلى المدرسة، وإن شاء الله تعود أيام زمان. محمد شاهين 8 سنوات تقول والدته كونه طفلاً صغيراً دائما يبكي مطالبا بوالده.. وعندما يرى والد أحد أصدقائه في المنزل يقول لها لماذا بابا لا يأتي إلينا حتى في أيام العطل والأعياد.. وإذا احتاج لشيء من السوق يرفض أن أشتري له ويؤجل الشراء لحين قدوم والده.. وكلما اجتمعنا على المائدة يتذكر والده بالأخص إذا كانت وجبة الغذاء هي المفضلة عند والده.. ويقول إنه يحلم أن يأخذه والده إلى مدينة الملاهي.. فهو لم يذهب إليها منذ بدء الحرب على سورية. أخيراً.. البيوت أسرار..ربما لا أحد يشعر بهؤلاء الأسر كيف يقضون أيامهم ولياليهم.. فكم من طفل ولد ووالده غائب عن البيت.. وفي بيت أخر طفلة صغيرة تبكي مستغربة وجه أبيها الذي قلما تراه.. لعن الله هؤلاء المجرمين الخونة الذين اغتالو آمالنا وأحلامنا إلى المستقبل.. وسرقوا ضحكة أطفالنا.. وندعو كل السوريين الشرفاء والأحرار أن يتوجهوا بالدعاء لكل جندي في الجيش العربي السوري الأبي الذي حمى الحمى.. ولبى نداء الأهالي لحمايتهم من أيدي الغدر والخيانة.. ادعوا لهم بالنصر، وأن يعودوا إلى بيوتهم وزوجاتهم وأطفالهم سالمين.. فإن الدعاء يغير القدر. |
|