|
أخبار مفادها ان حل تلك الازمة لن يكون الا سياسياً، ولن تنفع كل محاولات الضغوط الخارجية التي مورست سابقا، ولا تزال للآن، لتقديم مشهد ونتائج مغايرة عن الحقيقة التي، وان بدت في مراحلها الأولى مشوبة ببعض الغموض، فانها الان وبعد مضي عشرة اشهر، اصبحت جلية وواضحة ولا تحتاج لكثير من التحليل والتمحيص لادراك ابعادها ومرامي من حاولوا حجبها ورفضها، بحجج لم تعد تنطلي على احد مهما كابر الباحثون وراء تضخيمها، او حاول الساعون منذ انطلاق شرارة التظاهرات والاحتجاجات الأولى في منتصف مارس الفائت، لانكار معطيات واقعية فرضتها عوامل الارض واكدتها طبيعة الاحداث ومسارها، معطيات لم يكن التعامل معها بالامر السهل او العادي، سواء لجانب الدولة السورية او الشعب، لانها اعتمدت في وقودها على ادوات متطورة جداً في تأثيرها وفاعليتها داخليا وخارجياً، بدءا من التعامل الاعلامي المحرّض وصولا الى الدعم اللوجستي المسلح، وما رافق هاتين الاداتين من ضغط اقليمي ودولي، لم تزل اثارهما شاهدة الى الان، في ظل اصرار العديد من الدول والجهات، وحتى الاشخاص، عبر احكام مسبقة ومواقف مجهزة سلفاً لنسف وتجاهل كل الخطوات الاصلاحية التي اتخذتها الدولة لتلبية مطالب الشعب، واحتواء التطورات التي حادت عن خطها الطبيعي واخذت جانب التخريب والتدمير لمؤسسات الدولة، وارتكاب الجرائم الشنيعة بحق قوات الجيش والامن والمدنيين الابرياء. بداية الأزمة لا يمكن لنا القول، ان اردنا الانصاف، ان بداية الازمة في سوريا تعود لمنتصف مارس عند خروج تظاهرات سلمية محدودة في عدد من المناطق السورية، بل في وجود اطراف استثمرت تلك الانطلاقة لتبدأ مشروعا اعدته مسبقا بهدف تطويق سوريا ومحاصرتها بضرب مكوناتها الداخلية، محاولة افتعال ازمة بين الدولة والشعب كانت نتيجتها أن أوصلت البلاد إلى منحنى خطر أخذ شكل وروح الأزمة الحقيقية، التي أخذت بالتفاقم إلى أن وصلت إلى ما هي عليه اليوم، ولو أردنا تأكيد هذه الفرضية لتكفينا العودة إلى البداية الأولى للتظاهرات ذات المطالب المحقة التي تؤكدها الاستجابة الفورية من قبل الدولة، والمبادرة باتخاذ العديد من الإجراءات، بما في ذلك رفع حالة الطوارئ، وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا، وإصدار مرسوم تشريعي جديد حول تنظيم التظاهر السلمي كحق من حقوق الإنسان الأساسية، ثم إصدار المراسيم المتعلقة بتشكيل اللجنة الوطنية لإعداد دستور للبلاد، وأعضاء المجالس البلدية، وقانون الإعلام، وقانون الانتخابات العامة الذي تم بناء عليه إجراء انتخابات الإدارة المحلية في ديسمبر الجاري في جو تام من الحرية والديموقراطية، وكانت تحت إشراف الجهاز القضائي لأول مرة في تاريخ سوريا، إضافة الى إصدار قانون الأحزاب السياسية وقوانين وتشريعات أخرى تتصل بمكافحة الفساد وزيادة رواتب موظفي الدولة، بهدف رفع مستوى معيشة المواطنين، وإقرار إجراءات حكومية إضافية أخرى من شأنها تعزيز مسيرة الإصلاح في البلاد، ومنها إصدار مرسوم يقضي بمنح أكثر من مائتي ألف من مواطني سوريا الأكراد الجنسية السورية، وأخيراً وليس آخرا، إصدار عفوين عامين تضمنا إطلاق سراح الموقوفين وتنفيذهما بشكل فوري. أهداف غير إصلاحية مقابل حزمة الإصلاحات والقوانين والقرارات التي اتخذتها الدولة السورية لاحتواء التضخم في تلك الأزمة، ظهرت في البلاد وخارجها جماعات وجهات أخرى لا ترغب في الإصلاح بقدر رغبتها في ممارسة الضغط السياسي والاقتصادي على سوريا، لإجبارها على تغيير سياساتها الداخلية والخارجية التي تنسجم مع مشاعر وتطلعات قطاعات واسعة ومتعددة على المستويين السوري والعربي، وذلك عن طريق التخريب والتحريض وإثارة العنف والاضطرابات، وهو ما تجلى في مقاطعة المعارضة للقاء التشاوري لمؤتمر الحوار الوطني الذي عقد في يوليو الماضي، وخرج بتوصيات مهمة وضعت الأسس للتفاهم والحل الإصلاحي الشامل، ولم تكتف تلك الجماعات والجهات بذلك، بل تمادت في أعمال التخريب والاعتداء على مؤسسات الدولة وموظفيها، والعمل الحثيث على تعطيل جميع مظاهر الحياة العامة، مثل إجبار السكان على إغلاق محلاتهم التجارية أو مصادر رزقهم في بعض المناطق، وإضعاف الاقتصاد السوري بشتى الوسائل، إضافة إلى قيام بعض الجماعات المتطرفة المسلحة بالنيل من أمن واستقرار سوريا لتنفيذ أجندات ترمي إلي تشويه صورة سورية وإضعاف تماسكها الوطني عبر إشاعة الفوضي وتدمير المؤسسات العامة والخاصة، وخطف المدنيين من أجل طلب فدية مالية، وسرقة المواد الغذائية والوقود أو منع وصولها إلي بعض المدن والبلدات مثل حمص، وقتل العديد من الأفراد المدنيين والعسكريين. تحريض ومجازر كان طبيعياً جداً أن تكون ردة فعل الدولة السورية تجاه الممارسات غير الإنسانية لتلك الجماعات المتطرفة وعناصرها المسلحة التي ارتكبت مجازر مروعة في حمص وحماة وجسر الشغور قاسية وحازمة، ولكنها بالرغم من ذلك بقيت على نهجها منذ بداية الاحتياجات بممارسة أقصى درجات ضبط النفس، ممتنعة عن إطلاق النار في مواجهتها تجنبا لسقوط ضحايا مدنيين أبرياء، لكن تلك المجموعات المسلحة استمرت في استهداف وتدمير المؤسسات العامة للدولة، وإجبار بعض السكان على الانخراط في صفوفهم أو مغادرة منازلهم في بعض المناطق، ونصب الكمائن وقتل المتظاهرين وعناصر من الجيش والأمن وقوات حفظ النظام في ظل تحريض إعلامي غير مسبوق على الكراهية والعنف، في بلد عُرف تاريخيا بانصهار مكوناته الوطنية المتعددة على قاعدة التسامح والانفتاح. وفي ظل تشويه إعلامي للحقائق تمارسه بعض المحطات الفضائية المأجورة بهدف التعتيم على حقيقة ما يجري في سوريا من جرائم هذه العصابات الإهابية وأعمالها الشنيعة، ناهيك عن مليارات الدولارات التي تم إرسالها وتهريبها الى سوريا من قبل دوائر معروفة لتغذية الكراهية وتمويل الإرهاب، وبعد تيقن الدولة السورية من أن هذه القوى المتطرفة لا تريد الإصلاح وتتبع طريق العنف والارهاب، كان من الطبيعي ان تستجيب لنداءات مواطنيها لإنقاذهم من جرائم هذه المجموعات واعادة النظام العام الى ربوع البلاد، وكان من نتيجة ذلك أن بلغ عدد الشهداء من قوى الجيش والأمن وحفظ النظام ما يزيد على 20٠0 شهيد. ملاحقة العصابات أمام عزم الجهات المختصة في الدولة السورية على القضاء على تلك المجموعات المسلحة وأفعالها الإجرامية، والتعامل معها وفق احكام القانون السوري المنسجم مع القانون الدولي وقانون حقوق الانسان ودور الدولة في حماية الممتلكات الخاصة والعامة، زادت تلك المجموعات من اجرامها وشناعتها ومثال هذا ما يحدث الآن في مدينة حمص وفي بعض المناطق الحدودية السورية حيث قامت هذه المجموعات بتدمير وإحراق المقار الحكومية، فيما عثرت أجهزة الأمن على كميات كبيرة من الأسلحة المتطورة المهربة عبر الحدود بما في ذلك القنابل والرشاشات وأجهزة اتصال ذات تقنية عالية، وقد اعترف الذين ألقي القبض عليهم بالجرائم التي ارتكبوها والمبالغ المالية الضخمة التي تقاضوها لقاء ما ارتكبوه من اعمال لا يمكن لأي دولة كانت قبولها او اعطاء اي مبرر لها، بما في ذلك قيامهم بقتل المتظاهرين واتهام قوات حفظ النظام بذلك لتضليل الرأي العام العالمي وتحريضه ضد سورية ولتشويه صورتها واستدعاء التدخل الأجنبي في شؤونها، وارسال تقارير كاذبة حول كل ذلك الى محطات فضائية جعلت مهمتها الأساسية ترويج الأخبار الكاذبة عن سورية والأوضاع فيها، عبر اللجوء الى مبالغات كثيرة فيما يخص تصوير الأحداث الراهنة في حين ان سورية تتعاون مع المنظمات الدولية، التي تتمتع ببعض الحيادية والموضوعية، وتسمح لها بالدخول الى اراضيها لأنها ترغب في تقديم الفرصة للدول للاطلاع على الجرائم الارهابية التي ترتكبها المجموعات المسلحة والدمار الذي تلحقه بالممتلكات الخاصة والعامة، كما انها فتحت ابوابها عدة مرات لوسائل الإعلام ودعتها لزيارة المناطق التي تشهد قلاقل وأعمال شغب وذلك للتأكد من صحة أكاذيب ودعايات فضائية التحريض على الفتنة. تعطيل الحل بالتزامن مع ارتفاع حدة الاحداث على الأرض السورية وفق مخطط رسم لها مسبقاً، دخل العنصر الخارجي على خط تعقيد الازمة لاحباط الحل الوطني، من خلال وسائل الاعلام وحملات خارجية قادتها الولايات المتحدة الاميركية وبعض الدول الغربية ضد سورية في المحافل الدولية، حيث تم تسخير مجلس الأمن لهذا الغرض، لكن المحاولة باءت بالفشل نتيجة إدراك روسيا والصين وقوى أخرى للمخاطر الكامنة في المشروع التآمري الغربي على أمن سوريا واستقرار سوريا والشرق الأوسط، لتتجه بعد ذلك أنظار الغرب الى الجمعية العمومية، حيث تم إصدار قرار في اللجنة الثالثة تحت عنوان ما يسمى «أوضاع حقوق الإنسان في سوريا»، بهدف زيادة الضغط على سوريا والتضييق على الموقفين الروسي والصيني في مجلس الأمن، الرافضين لمشاريع الهيمنة الغربية على المنطقة العربية، لتجد الحملة الغربية التي فشلت في مجلس الأمن طريقها للجامعة العربية التي استجابت للمطالب الغربية بطريقة أخلت بأحكام ميثاقها وبمسؤولياتها إزاء دولة عربية مؤسسة للجامعة، واللافت في تراتيبة الأحداث هذه أنه وبرغم شعور الدولة السورية بعدم وجود نوايا صادقة من قبل أطراف معينة تدفع بحركة الجامعة العربية تجاه تصعيد الأزمة، إلا أنها أعلنت قبولها بخطة العمل، التي تم تبنيها في قطر، انسجاماً مع سياستها المبدئية في تعزيز العمل العربي المشترك والانخراط الايجابي مع الأشقاء العرب بما يخدم مصلحة سوريا حكومة وشعبا، لتأتي بعد ذلك مواقف تدعو الى الصدمة والاستغراب، تمثلت في إعلان فرنسا وبعض الجهات في الجامعة العربية ذاتها، عن موت تلك المبادرة بعد أقل من 48 ساعة على إعلان القيادة السورية القبول بها والاستعداد لتنفيذ بنودها، ما أكد تماماً أقوال بعض المحللين والمراقبين من أن الأمور مبيتة وكل ما يصدر عن الجامعة أو سواها ما هو إلا مجرد شكليات مضللة، لإعطاء الانطباع باستنفاد فرص الحلول السياسية والدبلوماسية وتمهيد الطريق للتدخل الخارجي في سوريا بصوره المختلفة، وكان أبرزه نداء الولايات المتحدة للمجموعات المسلحة بعدم تسليم أسلحتها وعدم الاستفادة من قرار العفو الصادر عن وزارة الداخلية السورية. حرب إنسانية لم تقف الأمور لتعقيد الأزمة ومحاولة إخضاع سورية عند هذا الحد، بل تعدت ذلك الى استخدام مجلس حقوق الإنسان والمفوضة السامية لحقوق الإنسان كأداة إضافية للضغط عليها، بما في ذلك التقرير الصادر عن لجنة التحقيق الدولية التي روجت له المفوضة السامية بقوة، ورأت فيه أوساط حقوقية وقانونية متابعة قراراً سياسياً وانتقائياً انتقت منه الموضوعية والمهنية، كما هي حال تصريحات المفوضة نفسها ليصبا في تغذية الحملة التي يشنها البعض ضد سوريا، حيث استند التقرير والمفوضة في معلوماتهما إلي شهادات سياسيين وصحافيين وممثلي منظمات غير حكومية وغير حيادية، ومجرمين وفارين من العدالة يعيشون في دول خارج سوريا، بعضها اطراف في الاحداث الحالية، في حين تجاهلا حقيقة الاوضاع ورفضا ما وردهما عن استعداد سوريا للتعاون مع لجنة التحقيق بعد الانتهاء من التحقيقات التي تجريها لجنة التحقيق السورية في الاحداث، كما تجاهلا قيام المجموعات المسلحة بعمليات القتل، وقتل المتظاهرين والنهب والتدمير والاغتصاب والتمثيل بالجثث، وتجاهلا اعترافاتهم العلنية، وتأكيدات وكالات الانباء التي يعتمدان عليها بوجود مجموعات مسلحة تقتل الابرياء من مدنيين وعسكريين ورجال امن، كما بالغ التقرير في اعداد القتلى من المدنيين، علما بان اغلبهم من مؤيدي الدولة قتلتهم المجموعات المسلحة، كما قدم التقرير معلومات مفبركة عن احداث لم تتم في سوريا، وسعى الى فتح الباب امام التدخل العسكري تحت غطاء حماية المدنيين. طريق الخلاص بناء على ما سبق، يتبادر الى الذهن سؤال منطقي: ما السبيل للخروج من تلك الحالة التي وصلت اليها سوريا، وما الطريقة الصحيحة لايجاد حل للاوضاع الصعبة هناك؟ بكل وضوح لن يكون ذلك ما لم تكثف الجهود الداعمة لسوريا في محاربتها للارهاب وتصديها للجماعات المسلحة، والتعامل بحيادية وموضوعية مع التطورات، وتأييد سياسة الحوار والاصلاحات، علما بان الكثير من المواقف التي صدرت عن بعض الدول استندت الى معلومات مغلوطة، لان التظاهرات في معظم المناطق السورية لم تكن سلمية مطلقا، اذ كان من المتظاهرين عدد كبير من العناصر المسلحة التي هاجمت وقتلت عددا من عناصر الامن والجيش، واعتدت على المواطنين من المدنيين والعسكريين وعمدت الى قتلهم والتمثيل بجثثهم، وتخريب المؤسسات والممتلكات العامة والخاصة، بما فيها قطع الطريق العام الواصل بين شمال البلاد وجنوبها، يضاف الى كل هذا الجريمة الارهابية النكراء التي استهدفت لوقت قريب مقار امنية في العاصمة السورية دمشق، واسفرت عن ازهاق ارواح 44 مواطنا، اغلبيتهم من المدنيين، وجرح ما يقارب 166 آخرين، وفق بيان اصدرته الداخلية السورية عقب الحادث. |
|