تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


الذيل الذي يهز الرأس

شؤون سياسية
الأحد 9/9/2007
غالب حسن محمد

مع استمرار اللوبي الاسرائيلي بصياغة العناصر الجوهرية في سياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطية والتي عمل عليها بنجاح تام وخصوصاً في إقناع الإدارة والقادة الأميركيين بتأييد قمع اسرائيل المتواصل للفلسطينيين ومنع السلاح إلى أعدائهم الإقليميين (إيران- سورية).

ومع أن الأمر أضحى منسياً الآن, إلا أن إدارة الرئيس جورج بوش حاولت في خريف 2001 إلى ربيع 2002 أن تخفض من المشاعر المعادية لأميركا في العالمين العربي والإسلامي, عن طريق وقف سياسات اسرائيل التوسعية في الأراضي المحتلة وتأييد إقامة دولة فلسطينية.‏

كان في متناول الرئيس بوش قوة كامنة هائلة, إذ كان بوسعه التهديد بتقليص الدعم الاقتصادي والدبلوماسي المقدم لإسرائيل, وكانت غالبية الشعب الأميركي ستلتف حوله على الأرجح.‏

في شهر أيار عام 2003 بين استطلاع للرأي أن أكثر من 60% من الأميركيين يؤيدون حجب المساعدات عن اسرائيل في حال قامت ضغوطات الولايات المتحدة الأميركية لدفعها لتسوية النزاع في الشرق الأوسط.‏

على الرغم من كل ذلك أخفقت الإدارة الأميركية بقيادة بوش الابن في تغيير سياسات اسرائيل, وانتهى الأمر بواشنطن إلى دعم وجهة نظر اسرائيل المتشددة, وبمرور الوقت, تبنت الولايات المتحدة كذلك ذرائع اسرائيل لوجهة النظر تلك, حتى أن خطابي الإدارتين أصبح واحداً. في مقال لصحيفة واشنطن بوست لخصت فيه هذا الوضع في شباط عام 2003 في العنوان الرئيسي التالي: (بوش وشارون متطابقان تقريباً في تصور السياسة المتعلقة بالشرق الأوسط). والسبب في ذلك طبعاً هو اللوبي الصهيوني الكامن وراء صناعة القرار في الولايات المتحدة. في أوائل أيلول عام 2001 شرع بوش بالضغط على رئيس وزراء اسرائيل (ارئيل شارون) لممارسة ضبط النفس في الأراضي المحتلة, كذلك مارس ضغوطاً عليه كي يسمح لوزير خارجيته آنذاك (شمعون بيريس) بلقاء الزعيم الفلسطيني الراحل (ياسر عرفات) على الرغم من الانتقاد الشديد الذي كان يوجهه زعيم البيت الأبيض لزعامةالرئيس الفلسطيني عرفات, وصرح في حينها علناً أنه يؤيد قيام دولة فلسطينية.‏

أمام هذه التطورات, اتهم شارون بوش بمحاولة (استرضاء العرب على حساب اسرائيل والإسرائيليين) وقد وصفت ملاحظات شارون هذه في تلك الأثناء بأنها (غير مقبولة) الأمر الذي أدى إلى اعتذار شارون وسرعان ما انضم إلى اللوبي الصهيوني لإقناع الإدارة الأميركية بأن الولايات المتحدة واسرائيل تواجهان تهديداً مشتركاً من الإرهاب, وقد أكد ممثلو اللوبي والمسؤولون الإسرائيليون مراراً وتكراراً أنه ما من فرق يذكر بين عرفات واسامة بن لادن, وأصروا على وجوب قيام اسرائيل والولايات المتحدة بعزل الرئيس الفلسطيني المنتخب ديمقراطياً, وألا تكون لهما به أية علاقة أوصلة.‏

في 16 تشرين الثاني عام 2001 وجه 89 عضواً من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي رسالة إلى الرئيس جورج بوش الابن يؤيدون فيها موقفه الرافض للاجتماع بالرئيس عرفات, وتصر الرسالة على أن تصرح الإدارة الأميركية علناً بمساندتها الراسخة لإسرائيل.‏

بعد ذلك في عام 2002 وعلى أثر عملية اسرائيل التي أطلقت عليها (الدرع الواقي) واستئناف السيطرة على كامل المناطق الفلسطينية الرئيسية في الضفة الغربية. أدرك بوش أن أفعال اسرائيل هذه ستتسبب بالإضرار بصورة أميركا في العالمين العربي والإسلامي وتقوض الحرب على تسمية إدارته والإرهاب ومرة أخرى هبت اسرائيل واللوبي الصهيوني للعمل والضغط المستمر على الرئيس بوش من قبل زعماء اليهود والإنجيليين المسيحيين, وهؤلاء هم المكون الأساسي لقاعدته السياسية.‏

كان توم ديلاي و(ديك آرمي) على وجه الخصوص صريحين حول ضرورة دعم اسرائيل وحذروا بوش شخصياً بضرورة التراجع عن انتقاد اسرائيل. ظهرت الإشارة الأولى لاستسلام بوش في الحادي عشر من نيسان عام 2002 وبعد اسبوع فقط من دعوته لشارون كي يسحب قواته, حين وصفت شارون بأنه (رجل السلام) في تلك الأثناء فتحرك الكونغرس لدعم شارون حيث أقر قرارين يعيدان تأكيد الدعم المستمر والمتواصل لإسرائيل.‏

باختصار نستطيع القول بأن شارون واللوبي قد انتصرا على الرئيس بوش, وقد ذكر (هيمي شاليف) الصحافي في جريدة معاريف الإسرائيلية, أن مساعدي شارون لم يستطيعوا إخفاء ارتياحهم من فشل كولن باول في مهمته وفي الضغط على اسرائيل, لكن القوى الموالية لإسرائيل في إدارة البيت الأبيض هي التي لعبت الدور الرئيسي في هزيمة بوش وليس شارون واسرائيل.‏

لقد دعمت الإدارة الأميركية أفعال شارون وأفعال خليفته إيهود أولمرت, بل إن الرئيس بوش صادق على عمليات الضم التي قامت بها اسرائيل في الأراضي المحتلة مخالفاً بذلك السياسة المعلنة لكل الرؤساء السابقين بدءاً من الرئيس ليندون جونسون.‏

من جهة ثانية انتقد المسؤولون الأميركيون باعتدال بعض الأفعال والممارسات الإسرائيلية, لكنهم لم يقوموا بالكثير للمساعدة على قيام دولة فلسطينية قابلة للعيش, بل إن مستشار الأمن القومي للرئيس بوش في عام 2004 صرح بأن شارون جعل بوش (خاتماً في خنصره).‏

لقد أدرك الديمقراطيون حقائق الدور الذي يلعبه اللوبي الصهيوني فأكدوا تأييدهم الخالص لإسرائيل في انتخابات عام 2004 وهذا ما يجعل هيلاري كلينتون تمارس الأمر نفسه الآن في الوقت الراهن.‏

إن المحافظة على تأييد الولايات المتحدة الأميركية للسياسات الإسرائيلية الموجهة ضد العرب الفلسطينيين هو هدف أساسي للوبي الصهيوني, لكن طموحاته لا تتوقف عند هذا الحد, فهو يريد من أميركا مساعدة اسرائيل في أن تظل القوة الإقليمية المهيمنة في المنطقة. وفي ضوء ما تقدم لا نرى غرابة في أن تعمل الحكومة الإسرائيلية والمجموعات الموالية لإسرائيل داخل الإدارة الأميركية لصياغة سياسة البيت الأبيض وإدارة بوش تجاه العراق وسورية ولبنان وإيران, إضافة للمخطط الكبير في إعادة ترتيب الشرق الأوسط.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية