|
اقتصاديات وحوار ساخن وبارد ومعتدل, وربما مشتعل بعض الأحيان لذا نحن أمام تساؤل كبير هل من مستجيب وهل من متلق بأخذ القضية على محمل الجد ويناقش ويبدي رأيه العلمي ويدافع ويهاجم دون أن يقف على الحياد, نعم الحكومة جادة وأكثر من جادة هذه المرة لاستمزاج الرأي العام ولأخذ رأيه في قضية وطنية حساسة بهذا الشكل, قضية باتت تشغل بال الكبار والصغار التجار وغير التجارو المزارعين والصناعيين والحرفيين والطلاب حتى ربات البيوت,الدعم تحول إلى الشغل الشاغل لكل الناس ولقد كنت أشاهد وأرصد بكثير من الحذر ما يدور وما يكتب في وسائل الإعلام عبر أقلام المختصين وغير المختصين ومع كل يوم كان يتضح الموقف أكثر فأكثر بحيث يغلب الاتزان على مجمل الآراء اليوم على البارحة وربما غدا على اليوم. لماذا قررت الحكومة فتح الحوار والنقاش مع المواطنين وهي كما قالت عبر لسان حال رئيسها عطري ونائبه الدردري أنه كان بإمكانها أن تأخذ القرار دون العودة إلى أي شخص مختص وكان بإمكانها تأجيل اتخاده أو حتى ترحيله وتأجيله عدة سنوات لكنها فضلت خيار الحوار والنقاش وهي منطلقة من عدة اعتبارات: إن طبيعة المرحلة الجديدة في التحول الاقتصادي والاجتماعي وأسس التخطيط الجديدة تتطلب أن يكون القرار الاقتصادي والتنموي قرارا تشاركيا وهذا شعار الخطة الخمسية العاشرة ( تنمية تشاركية محورها المواطن) لذلك فهي هنا تلتزم بمقررات ومفردات الخطة الخمسية العاشرة وعنوانها العريض. إن استمرار الدعم بشكله الحالي سوف يقود إلى نتائج أقل ما يقال عنها أنها سلبية للغاية فنسبة كبيرة منه يذهب لغير مستحقيه ناهيك عن زيادة الهدر والتهريب والعجز المالي في الاستمرار في تمويل هذا الدعم بسبب تراجع ايرادات النفط. والمواطن مدعو مع الحكومة لاتخاذ قرار وطني بشأن ما يحصل. إن الحكومة كانت أمام خيار صعب تجلى هذا الخيار إما باللجوء إلي بدائل ليست اقتصادية للاستمرار في تمويل هذا الدعم الاستدانة الخارجية أو التمويل بالعجز عبر صندوق الدين العام أو الذهاب إلى الاحتياط وهذا كلة يقود إلى تنامي التوقع في صعوبة الانقاق على مسائل اجتماعية للغاية كالتعليم والصحة وهي مواضيع تهم المواطن بامتياز وهنا على المواطن أن يختار بين هذه أو تلك. إن الطريقة السابقة في اتخاد القرار الاقتصادي لم تعد منسجمة مع طبيعة المرحلة الحالية نحن الآن أمام مرحلة جديدة مختلفة كليا عن المرحلة السابقة بطبيعة الحال فلم يعد هناك تسعير إداري ولم يعد هناك مركزية في صنع القرار, وخصوصا أن مؤشرات الخطة الخمسية العاشرة كلها هي مؤشرات تأشيرية. إن الحكومة هنا ملتزمة بخيارها في تبني خيار اقتصاد السوق الاجتماعي والاجتماعي هنا لايتجلى في زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم والخدمة فحسب بل إن أي قرار اقتصادي وتنموي يجب أن يدرس اجتماعيا أولا بحيث يلبي مصالح الفئات الفقيرة ويلبي مصالح المواطنين قبل أن يتخذ ثم يتم معالجة آثاره السلبية. إن جوهر البعد الاجتماعي في الخطة الخمسية العاشرة في أن أي قرار اقتصادي وتنموي وأي تشريعات وقوانين جديدة يجب أن تصاغ مقدما بشكل يلبي مصالح الفئات الأقل دخلا قبل أن تعلن وتصبح نافذة هو منهج جديد في عملية التنمية في سورية أرست له الخطة الخمسية العاشرة التي تعبر عن شكل التوجه الجديد في التحول الاقتصادي والاجتماعي في سورية. إننا هنا أمام حالة جديدة في التفكير الحكومي إن نجحت فسوف تؤسس لمرحلة جديدة في عملية صنع القرار الاقتصادي والتنموي في سورية تكون مبنية على التشاركية فعلا لا قولا وهنا تكون الحكومة والمواطن طرفين لا ينظر كل منهما إلى الآخر بل إن الاثنين ينظران باتجاه واحد هو مستقبل الاقتصاد الوطني ومصالح الناس الآنية والقادمة. الحكومة مدعوة إلى مزيد من الشفافية والصراحة في إعطاء المعلومات وصياغة القرارات وهو ما فعلته الحكومة في قرار إعادة توزيع الدعم لمستحقيه في أنها قدمت المسودة كاملة للمواطنين بأرقامها وتحليلاتها ومحاورها وبدائلها عبر وسائل الإعلام وهي الآن تطرح استبيان رأي المواطن في قضية الدعم بالمقابل إن المواطن السوري مدعو وهو مواطن مسؤول وهو شجاع في الأزمات وحريص كل الحرص على المصلحة العامة, وله تجارب كثيرة في هذا المضمار لا مجال لذكرها الآن. إن تهيئة المواطن السوري للمشاركة عبر مرحلة جديدة في صنع خياراته وتحديد أولوياته والمكاشفة معه ومصارحته هي مسألة في غاية الأهمية وإن هذه المكاشفة ستكون مقدمة مهمة كي نتجاوز في قراراتنا الكثير من الهنات والهفوات التي كنا نقع فيها سابقا. الحكومة على لسان حال رئيسها ونائبه ثم الفريق الاقتصادي قررت بكل جدية طرح الموضوع للنقاش على العامة والخاصة وهي جهزت نفسها لذلك في بادرة جديدة كي تتفاعل مع مصالح المواطنين وآرائهم واستعدت له بكل ما تملك من خبرات وطنية عالية الكفاءة عبر لجان وطنية لم تدع حجرا إلا وقلبته فيما يتعلق بموضوع إعادة توزيع الدعم والبدائل المقترحة لتنفيذه وتطبيقه. وهي بذلك لا تطرح الموضوع كعملية تزيينية أو للرفاهية كما يقال أنها اتخذت القرار وما يجري هو رفاهية أبدا الموضوع ليس كذلك كما يروج له البعض. إنما هي ممارسة جديدة في عملية صنع القرار التنموي تتطلب جهودا متميزة في العمل التنموي في سورية وهي فرصة جديدة لتجسير الهوة بين الحكومة والمواطن وهي فرصة أمام المواطنين كي يكونوا فاعلين لا منفعلين بمعنى الذهاب مع الموضوع إلى آخره والتفكير بلغة ايجابية بعيدة عن اللامبالاة وفيها من الجدية ما يعبر عن ثقافة هذا الشعب وهويته الحضارية واعتقد هنا أن هذه الحكومة طالما أنها تجرأت وخاطبت الجهمور مباشرة في موضوع يخص معيشته مباشرة هي حكومة تعي تماما ما تقوم به وتتحمل مسؤوليتها كاملة, لكن لن يكون هناك نتائج إيجابية من هذه العملية إلا إذا كان المواطن على قدر المسؤولية والجرأة في التفاعل وصياغة بدائل معقولة ومنطقية لا شتائم لمجرد الشتائم, بدائل تصب في مصلحة الجميع. والحكومة لم تترك الحوار بلا ضوابط بل وضعت أدوات لتلك العملية عبر نشر عناوين مواقع وأرقام هواتف وفاكسات وعبر الصحف والمؤسسات الإعلامية وأنشأت وحدة اتصال اقتصادي وشكلت لجانا لدراسة تلك المقترحات وتفحصها بعناية ,وإن الإتيان بالبدائل سيكون نقطة تحول في وضع مدماك جديد من مداميك التشاركية في سورية. |
|