تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


التعاون الدولي من أجل الاستقرار في دارفور

شؤون سياسية
الاثنين 5/6/2006
بقلم عمرو موسى...الأمين العامة لجامعة الدول العرب

بالتوقيع على اتفاق السلام بشأن دارفور بأبوجا في نيجيريا يوم 5 أيار تسنح أخيراً فرصة حقيقية لأهل دارفور الذين طالت معاناتهم, كي يحدوهم الأمل بأن تنتهي حالة الرعب والحيرة التي عانوا منها على مدار السنوات الثلاث الماضية.

إن أهلنا في دارفور, الذين نجوا من أتون الحرب الدائرة خلال تلك الفترة تمكنوا من ذلك بفضل تضافر جهود كثيرة يأتي على رأسها المعونة الإنسانية الضخمة التي قدمتها العديد من الدول ومنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية وكذلك المنظمات غير الحكومة, بالإضافة إلى الجهد غير العادي الذي اضطلعت به قوات الاتحاد الإفريقي المنتشرة في دارفور, ما زالوا يعانون من الأعمال الوحشية على أيدي ميليشيات السلب والنهب المنتشرة. فما زال الرجال والنساء والأطفال والمسنون يقعون ضحية الجرائم المختلفة; وما زال السكان يطردون من مساكنهم وتدمر منازلهم وتسرق ممتلكاتهم وسبل كسب رزقهم.‏

لقد شاركت الجامعة العربية إلى جانب الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في جولات المفاوضات التي رعاها الاتحاد الإفريقي بكل حكمة واقتدار. وحتى ننتهز جميعاً الفرصة التي يتيحها اتفاق السلام لإنهاء مأساة دارفور, فإن الأطراف والمجتمع الدولي مطالبون بالتصرف بشكل حاسم والعمل بصورة جماعية.‏

فأولاً, يتعين على قادة حركات التمرد الذين لم يوقعوا بعد على الاتفاق, الذي أيده المجتمع الدولي بأسره, أن يقوموا بذلك. إذ آن الأوان كي ينحوا خلافات الماضي جانباً ويسعوا إلى توطيد دعائم السلام والازدهار نحو مستقبل أفضل لشعبهم في دارفور والسودان الجديد. ذلك أن الاتفاق الموقع في أبوجا فتح لهم باباً واسعاً للعمل السياسي الحقيقي وسد منافذ مواصلة إراقة الدماء التي لن تزيد السودان إلا جروحاً.‏

لكن الأهم من ذلك ضرورة تنفيذ أحكام الاتفاق بفعالية بغية ترجمة الالتزامات المتعهد بها في أبو جا على أرض الواقع. ويتطلب تحقيق ذلك من الناحية العملية التعزيزالفوري لقوة وقوام بعثة الاتحاد الإفريقي في السودان المنتشرة حالياً في دارفور, ولا شك أن توسيع هذه البعثة بحيث تصبح بعثة حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة تعتمد في نواتها وجوهرها على بعثة الاتحاد الإفريقي المنتشرة حالياً في دارفور هو من الأمور المطروحة حالياً من أجل ضمان تنفيذ الاتفاق وتحقيق الاستقرار, ويحتاج إلى تشاور مسبق مع حكومة السودان حول ولايتها وشروط عملها.‏

ومما لا شك فيه فإن الأجواء الإيجابية بعد توقيع اتفاق السلام في أبوجا ستساهم في معالجة الأسباب الموضوعية وراء التخوفات والتحفظات على إنشاء بعثة أممية ودورها. وكلما أسرعنا بتحقيق ذلك زادت قدرتنا على حفظ السلام على الأرض, في دارفور, واقترب بدء جني أهلنا هناك لثمار السلام, ومكنا الخرطوم من العمل على طمأنة كل طوائف المجتمع السوداني بشأن دور قوات الأمم المتحدة في تحقيق الأمن والاستقرار في دارفور. ولا شك أن المشاورات الأخيرة بين السيد الأخضر الابراهيمي وكبار مسؤولي الحكومة السودانية حول الموضوع كانت خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح, فقد فتحت الطريق أمام بدء عمل بعثة التقييم الفنية المشتركة بين الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة تنفيذا لقرار مجلس الأمن .1679 لذا يظل التشاور بين حكومة الوحدة الوطية السودانية والأمم المتحدة هو وحده السبيل لخلق مناخ الثقة في أنه سيتم الحفاظ على سيادة البلد العربي الإفريقي الكبير.‏

وإذا مضينا معاً في هذا الطريق, فتعمل البعثة المؤيدة من مجلس الأمن وطبقاً لنصوص اتفاق السلام, مع حكومة الوحدة الوطنية السودانية ومع أهل دارفور للإسهام في حماية السكان ومساعدة النازحين واللاجئين على العودة إلى ديارهم مع خلق المناخ المناسب لهذه العودة, وكذلك إعانتهم على إعادة بناء حياتهم, وستعزز البعثة من احترام حقوق الإنسان وتهيىء بيئة مواتية لتحقيق المصالحة الوطنية, في إطار مؤتمر أهل دارفور الذي ستشارك فيه الجامعة العربية مع الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وأطراف دولية فاعلة, وكذلك من خلال الجهود التي ستضطلع بها الدول والصناديق الدولية والعربية والإفريقية لتقييم الاحتياجات التنموية وإعادة الإعمار. وستعمل هذه البعثة جنباً إلى جنب مع الحكومة ومع وكالات المعونة لكفالة استمرار حصول أهل دارفور على ما يحتاجونه من غذاء ومأوى. ومن المتصور أن تكون هذه البعثة المعززة متنقلة وقادرة في ذاتها على التعامل مع المخاطر التي تشكلها القوى الساعية إلى زعزعة السلام.‏

ومن الأهمية بمكان أن تحصل بعثة الاتحاد الأفريقي في السودان على ما يلزمها من تمويل وموارد للشروع في تنفيذ الاتفاق إلى حين الانتهاء من هذا الموضوع, بما في ذلك تقديم الدعم لبعثة الاتحاد الافريقي في السودان في المراحل الحالية تجنباً لعواقب سلبية كثيرة. وهو ما أكد عليه القادة والزعماء العرب في قمتهم المنعقدة في شهر آذار الماضي بالخرطوم. وعلاوة على ذلك, ينبغي للمجتمع الدولي بأسره أن يعتبر النجاح الذي تحقق في أبوجا خطوة أولى وأن يقرن القول بالعمل خاصة فيما يتعلق بجهود التنمية وتحقيق الاستقرار والمصالحة الوطنية.‏

وأحث أبناء العالم العربي والإسلامي خارج السودان على الالتفاف حول اتفاق أبوجا ودعم كافة الجهود لتعزيزه بفعالية حماية لإخوانهم في دارفور, وفي عموم السودان.‏

إننا نمر بلحظات حرجة في السودان سواء في الجنوب أو في دارفور ومحيطهما, وقل أن تتاح فرص مماثلة لتحقيق السلام مثل هذه, وعلينا جميعاً مسؤولية جسيمة للتحرك بسرعة لكفالة استثمار فرصة تحقيق السلام في السودان الجديدوعدم السماح بفواتها.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية