|
معاً على الطريق أحد المفكرين العرب في عصر النهضة قال: (الغرب غرب والشرق شرق ولن يلتقيا).. وإن كنت لا أشاركه في حسم الرأي على هذا الشكل فإنني لن أنفي أبداً أن لما قاله بواعث واقعية فعلية. لقد تابعت مباشرة أو شاركت في عدد كبير من المؤتمرات والندوات واللقاءات الأوروبية أو التي تنظمها أوروبا.. ولم أشعر يوماً أن الحاجز قد أزيل.. مازالت أوروبا على المنصة وبين الجمهور لا يوجد أوروبيون.. ربما من أجل شكل للمشاركة, يعتلي عربي أو مشرقي أو جنوبي المنصة لكن.. صورة!! وبكل أسف.. صورة فقط. الى اليوم كنت أقول: هي ليست مسؤولية أوروبا.. والباب مفتوح وقاعة الحوار تنقل الصوت سواء كان من أرض القاعة أم من المنصة. وكنت أرى أن أوروبا غالباً تطلب إلينا أن نأتي إليها بلغتها.. بعاداتها.. بأخلاقياتها وحتى بمواقفها..كان دائماً موقف القوي.. وما عليك الا أن تقوى كي تواجه الموقف بموقف.. المؤتمر الأخير بصراحة (مؤتمر برنامج أوروبا من أجل الصحفيين المتوسطيين 29-31 أيار الماضي في بروكسل) لم يكن بالحدود المعتادة للفوارق بين المنصة والجمهور.. كانت هوته أوسع بكثير.. لاسيما في يومه الأول.. حيث المؤتمر السياسي الذي نظمته منظمة التعاون والأمن في أوروبا بالتعاون مع وزارة الخارجية البلجيكية وأداره السيد وزير الخارجية البلجيكي. وكنا نحن الاعلاميين المتوسطيين ضيوف حواف المؤتمر لا أكثر.. وبالمناسبة الصحفيون المتوسطيون المعنيون كانوا الصحفيين العرب والشرقيين تحديداً.. وليس بينهم صحفيون أوروبيون.. يعني يبدو أن الصحفيين المتوسطيين يتوزعون وفق التقسيم الأوروبي الى طابقين.. طابق فيه الأوروبيون وطابق فيه الجنوبيون والمشرقيون والعرب.. وآخرهم العرب. اليوم الأول كان مؤتمراً سياسياً بامتياز لضبط الاعلام.. خوفاً من أنه يتسلل الارهاب عبر الاعلام !! من المقصود?! - الاعلام العربي أولاً وقبل كل شيء.. في الاعلام كما في الديمقراطية, لم ترض الانطلاقة الأولية للاعلام العربي الغرب مثلها مثل الانطلاق الأولية للديمقراطية.. فبدأ لمس الرأس والبحث عن مخرج.. ويا للأسف كان المخرج الذي جرى الحديث عنه مخرجاً يعتمد تقييد حرية الاعلام.. إذن بعد أعوام التشجيع على الديمقراطية والحرية والاعلام.. ها هي أعوام أخرى تكبح جماح كل ذلك قادمة. في اليوم الأول كان الاعلام العربي هو اعلام الارهاب, والمواقع الالكترونية العربية هي ناقلة الارهاب.. وحتى اللغة العربية كانت لغة الارهاب.. هكذا برر فرنسيون وأتباعهم من بعض اللبنانيين وأمريكيون (ضيوف) وأوروبيون مختلفون دعوتهم لتشريعات تضع حداً لتسلل الارهاب.. وبالتالي برروا محاربتهم لقنوات فضائية عربية مثل المنار والجزيرة وغيرها. طبعاً لم يخف الصحفيون العرب الجالسون على الحواف خشيتهم من مثل هذا التوجه.. بل هم شنوا عليه ما يستحق من هجوم وطالبوا بمزيد من الحرية لمعالجة أزمة تنجم عن ممارسة الحرية. اليوم التالي كان اللقاء الذي نظمه الاتحاد الدولي للصحفيين وأداره (آدن وايت) رئيس الاتحاد.. وكان أفضل بكثير.. بل إن السيد وايت (نفسه) كان قد احتج في اليوم الأول وبشدة على توجه المؤتمر لتقييد حريات الاعلام..وظهرت في مؤتمر اليوم الأول نغمة أوروبية تتحدث عن محاولة السياسيين تغطية فشلهم بالضغط على الاعلام.. لكن.. حتى في جلسة الحوار الهامة التي قادها رئيس الاتحاد الدولي للصحفيين, كنا بصراحة نحاور بعضنا غالباً.. أو كنا نتوجه جميعاً كصحفيين مشرقيين وجنوبيين وعرب الى منصة أوروبية ولم يكن بيننا صحفيون أوروبيون.. بالمختصر.. تستمر اللقاءات بين أوروبا وجنوب المتوسط لكن.. وآسف أن أقول: دون أن نلتقي?! وهي معادلة بطرفين.. ليست أوروبا الطرف الوحيد المقصّر فيها لكنها.. الطرف الأكثر تطرفاً. |
|