|
هآرتس وسوف نفاجأ بمدى ابتعادها وتهميشها لمسائل الأمن والسياسة . في حقيقة الأمر , لقد غاب عن تلك الانتخابات التركيز على تلك المسائل الحيوية , على غرار ما جرى في انتخابات عام 2006 , التي جرت على خلفية فك الارتباط مع قطاع غزة ( الخطة التي لم يتم تطبيقها ) وانتخابات عام 2009 على خلفية الاحساس بالفشل في الحرب على لبنان , وبعض النجاح النسبي الذي حققه الجيش في عملية ( الرصاص المصبوب ) فقد عمد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى التقليل في حديثه عن القضية الاستراتيجية الأساس التي تقض مضجعه , وهي التهديد النووي الإيراني , على الرغم من حرصه على التقاط صور له خلال حملته الانتخابية إلى جانب جنود ومجندات مرتدياً السترة الحربية . في وقت كان يتوقع الجميع أن تدور الحملة الانتخابية حول قضية وحيدة وهو إيران . حيث اكتفى نتنياهو الذي كان قد حذر في خطابه الذي ألقاه في شهر أيلول المنصرم أمام الجمعية العمومية التابعة للأمم المتحدة من مخاطر البرنامج النووي الإيراني التي توشك على امتلاك القنبلة النووية في صيف عام 2013 , بالمرور بشكل عرضي على المسألة الإيرانية خلال خطاباته الانتخابية , في حين ابتعد معظم منافسيه عن هذه المسألة . بيد أن المسألة الأمنية تفرض نفسها , وهي تحتل قلب الرسالة الأساس التي يبعثها نتنياهو إلى ناخبيه , ومفادها أن الهدوء الأمني النسبي جداً , الذي تشهده إسرائيل خلال السنوات الأربع المنصرمة , مصدره الخوف من قوة إسرائيل , وهو ما تحاول زرعه لدى أعدائها في الخارج لردعهم عن خوض حرب ضدها . وعندما يزعم حزب الليكود بأن إسرائيل بحاجة إلى رئيس وزراء قوي , يجري التشديد على المسألة الأمنية . واستخدام نتنياهو للاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط , ومن خلال زعمه بانتشار متطرفي القاعدة في الجولان على الحدود السورية وفي سيناء على الحدود المصرية وقدرته على الحصول على تنازلات من العرب بعيدة المدى استطاع أن يحصل على تصويت ناخبيه لصالحه , لأنهم لا يعتقدون أبداً بسياسته الاقتصادية . سجل نتنياهو نقاط انتصار على منافسيه في الانتخابات من اليسار والوسط في هذه المسألة لأنهم تخلوا عن هذا الميدان , فقد هرب كل من منافسه شيلي يحيموفيتش و يئير لبيد من أي قضية لها أهميتها كما يهرب المرء من النار . أما منافسته تسيبي ليفني , فقد دفعت ضريبة لفظية بسبب إحياء المسيرة السلمية مع الفلسطينيين , من دون أن تشرح كيف سيتم ذلك في ظل الظروف الحالية . بينما لم تقارب الأحزاب الثلاثة تلك القضية الإيرانية . وربما أرجأ نتنياهو موضوع التهديد الإيراني ووضعه جانباً لكي يستخدمه فيما بعد وخلال تشكيل الحكومة الموسعة من أجل أن يبرروا لنا الحاجة الملحة لتلك الحكومة ( وربما من أجل بقاء ايهود باراك في منصب وزير الحرب ) . وهي التصدي للتهديدات غير المسبوقة وعلى رأسها إيران . حينها وبعد تشكيل الائتلاف سيعود الحديث عن الأمن لب القلق بقدر الحديث عن المشاكل الاقتصادية , نظراً لأن نتنياهو مطالباً بمعالجة ثلاث قضايا ملحة . والقضية الأولى الأكثر إلحاحاً فيهم هو ميزانية الحرب – إزاء المطالبة المستمرة بتقليصها - بسبب العجز في الميزانية وكذلك تراجع التهديد العسكري التقليدي على إسرائيل من جانب الدول العربية . وفي الصورة الخلفية ستظل ماثلة إيران . وسيظهر في التقرير المقبل للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي ستقدمه في شهر شباط المقبل أن إيران قد أحرزت تقدماً إضافياً في خططها . ولغاية الصيف سيتعين على نتنياهو الاختيار بين السياسة الأميركية المتمحورة حول الاكتفاء بمعالجة سياسية للقضية الإيرانية ( وعلى رأسها تشديد العقوبات ) أو التمسك بتعهداته السابقة , والاستعداد لعملية عسكرية ضد إيران والمخاطرة بنشوب صدام سياسي مع إدارة اوباما . أما القضية الأخرى الحاضرة الغائبة فهي المسيرة السياسية مع الفلسطينيين . حيث حققت السلطة الفلسطينية في تشرين الثاني المنصرم انجازاً محدوداً من خلال انتزاع اعتراف دولي فيها كدولة مراقب في الأمم المتحدة . وتستعد السلطة في رام الله إلى اتباع هذه الخطوة بخطوات أخرى لاحقة تبدو مؤشراتها منذ الآن في الساحة . والاحتمال الأكبر أن تكون تلك المؤشرات عبارة عن المزيد من المظاهرات الشعبية – وليس انتفاضة –إلى جانب إقامة بؤر فلسطينية كرد على البؤر الإسرائيلية وفيض من الالتماسات إلى محكمة العدل من أجل فك الجمود الحالي عن الضفة الغربية .وضمن هذا السياق , لن يصبح ممكناً إبقاء مسألة مستقبل الدولة الفلسطينية في زاوية نائية , حيث واصلت الاحزاب الإسرائيلية خلال الحملات الانتخابية السابقة وضعها جانباً في ظل وجود دعم سياسي معلن من جانب اوروبا , وفي ظل عطف من الولايات المتحدة وتصميم فلسطيني متزايد . |
|