تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بعــــد نصـــــف قــــــرن..«نوبـل» تفتـح بعـض ملفاتهـا للمـرّة الأولى

فضاءات ثقافية
الأحد 27-1-2013
كشفت الأكاديمية السويدية المنظمة لجائزة نوبل لأول مرة حيثيات فوز الكاتب الأمريكي جون شتاينبك متغلباً على أقرانه من كبار الأدباء منهم روبرت غريفز ولورانس داريل سنة 1962، وكان فوز شتاينبك وقتها قد أثار موجة عارمة من الغضب في الأوساط الأدبية، لدرجة وصفه بأكبر سقطة في تاريخ الجائزة.

أعيد فتح ملفات الجائزة طبقاً لقواعد بروتوكول لجنة تحكيم نوبل التي تسمح بفتح الملفات التي مر عليها خمسين عاماً، وأدى ذلك إلى كشف وجود قائمة قصيرة للجائزة في ذلك الوقت تضمنت 66 أديباً منهم إلى جانب داريل وشتاينبك والفرنسي جان أتوي, والدانماركية كارين بليكسين اللتين اختارتهما اللجنة كمرشحين محتملين للفوز بالجائزة المثيرة للجدل.‏‏

وبالرغم من إشادة لجنة تحكيم الجائزة بشتاينبك لأن كتاباته تمزج بين الواقع والخيال، بالإضافة إلى أنها تجمع بين روح الدعابة والحرص على المفاهيم الاجتماعية الراسخة، إلا أن الوثائق التي تم الكشف عنها حديثاً تبين أنه تم اختياره باعتباره الأفضل من بين الأكثر سوءاً، فقد كتب هنري أولسون عضو اللجنه آنذاك: لم يظهر أمام اللجنة أي مرشح محتمل يستحق الجائزة، مما وضعنا في مأزق لا نحسد عليه، كما كتب الصحفي السويدي كاج شيلر في جريدة سفنسكا أنه تم رفض روبرت غريفز لأنه بالرغم من كتابته العديد من الروايات التاريخية، إلا أنه كان يُنظر إليه في المقام الأول كشاعر، وبدا أولسن متردداً في منح أي شاعر أنغلو ساكسوني جائزة نوبل قبل وفاة الشاعر إيزرا باوند، اعتقاداً منه أن الأدباء الآخرين لم يصلوا إلى مستواه والإتقان في كتابة الشعر، وأن رفض باوند جاء بسبب موقفه السياسي!‏‏

أما كارين بليكسين صاحبة رواية «بخارج أفريقيا» فقد تم استبعادها بعد وفاتها في أيلول نفس العام، كما قررت اللجنة أن داريل: «لم يكن له أفضلية هذا العام» كما ورد في الملفات، كما صرح شيلر للغارديان قائلاً: يبدو أنهم لم يعتقدوا أن رباعية الإسكندرية كانت كافية، لذا قرروا وضع فوزه في الاعتبار مستقبلاً وكان داريل قد سبق استبعاده في سنة 1962 بسبب أنه: مشكوك في ذائقته الأدبية.. بسبب انشغاله الجنوني المتعلق بتعقيدات جنسية, هكذا كتبوا، ولم يكن واضحاً لماذا استبعدوا أنوي، إلا أن يكون السبب هو فوز الشاعر الفرنسي سان جون بيرس بنوبل سنة 1960، ما اعتبروه تمثيلاً لفرنسا في قائمة الفائزين، كما كشفت سفنسكا داجبلادت أن جان بول سارتر كان ضمن من نظروا بجدية في إمكانية فوزه بالجائزة وبالفعل حصل عليها سنة 1964.‏‏

كل ذلك ساعد شتاينبك على تثبيت أقدامه في الحصول على الجائزة الموعودة التي سبق ترشيحه لها ثماني مرات، ورأى كثيرون أن العمل الذي كان وراء ترشيحه هو «عن الفئران والإنسان» التي نشرت سنة 1938، وبالمهر الأحمر سنة 1945، وبعناقيد الغضب سنة 1939، وباللؤلؤ سنة 1947، وب «نحو الشرق من عدن» سنة 1961، إلا أن الأمين الدائم للأكاديمية السويدية أندر أوسترلينج رأى أن أحدث رواياته عندئذ «شتاء السخط» الصادرة سنة 1961: أظهرت أنه بعد بعض الإبطاء في الكتابة خلال السنوات الأخيرة، استعاد شتاينبك مكانته وقدرته على كشف الواقع الاجتماعي، وتلك هي الواقعية الحقيقية التي وضعته في مصاف أسلافه سنكلير لويزو وأرنست هيمنغواي كما كشفت سفنسكا داجبلادت.‏‏

نوبل بدوافع سياسية‏‏

وكانت صحيفة وول ستريت جورنال قد نشرت مقالاً كتبه جوزيف أبستين الأسبوع الماضي يعترض من خلاله حول عدم فوز أدباء كبار أمثال تولستوي ومارك توين بجائزة نوبل، بينما اقتصر منحها على أدباء غير معروفين، وتجاهل كثيرين من بينهم أيضاً هنري جيمس وأنطون تشيكوف، وجوزيف كونراد، وجيمس جويس، وتوماس هاردي، وجورج لوي بورخيس، وفلاديمير نابكوف، هؤلاء الأدباء العظماء يضمهم نادي عدم الفائزين بنوبل رغم أنهم كانوا على قيد الحياة منذ بدء إعلان الجائزة سنة 1901، وتم استبدالهم بآخرين منهم سولي برودوم، فريدريك مسترال، جيوزية كاردوتشي، بول هيز، كارل سبيتلر، وكلهم لا يتوافقون مع المفهوم العام للنجوم الأدبية، التي لا ننكر فوز بعضهم بنوبل أمثال: دبليو بي بيتر, وتي إس إيليوت، وتوماس مان، وبوريس باسترناك، إلا أن معظم الفائزين طواهم النسيان، ومنهم من تم تصنيفهم كنجوم من الطراز الأول في بلادهم مثل جون شتاينبك، وبيرل باك، وسنكلير لويس، ناهيك عن إدراجهم في قوائم الجوائز العالمية، إلا أن فوزهم بنوبل بمثابة صك الختم على تفوقهم الأدبي.‏‏

وجائزة نوبل في الأدب مثل جائزة نوبل للسلام كثيراً ما تم منحها وفقاً لدوافع سياسية، ففي فترة من الفترات ذهبت إلى منشقين سوفييت مثل باسترناك، والكسندر سولز، ونتزين، وماركسيين خاصة المناهضين للولايات المتحدة الأمريكية من بينهم غونتر غراس، وداريو فو، وجوزيه ساراماغو، كذلك من الأسباب الغامضة لمنح الجائزة الدوافع الجغرافية السياسية للجنة المانحة للجائزة، ففي وقت ما تحتم منح الجائزة للهند الشرقية، أو أمريكا اللاتينية وأيسلندا، وفي العام الماضي تم منحها للكاتب الصيني مو يان، ما يدعو إلى سهولة توقع منحها العام القادم للفنان الشاعر الأوغندي كوامي تسوريز، أو البحث عن شخص غير معروف أو ليس له وجود على الإطلاق.‏‏

وما يضيف إلى قيمة الجائزة ارتفاع عائدها المادي الذي بلغ العام الحالي 1.2 مليون دولار، ما حدا بصول بيلو يوم علمه بحصوله على الجائزة سنة 1976، أن أشار إلى اقتسامها بين أطفاله من زوجاته السابقات، وبالرغم من أن جائزة نوبل في الأدب تمنح لأحياء، إلا أن الكثير منهم تسلموها قبل نهاية حياتهم بقليل أو بعدها، فكانت بمثابة الشهرة والثروة الظاهرية الزائلة، ولن يكون حال الأدب أسوأ دون نوبل في الأدب التي لا تضع معياراً صحيحاً للإنتاج الأدبي ولا تمنح الاحترام للأدب ذاته، وأفترض عدم وجود طريقة للقضاء عليها أفضل من تحويلها إلى أضحوكة، بمنحها لمن لا يستحقونها أكثر ممن منحت لهم في الماضي، ولا يبقى لإنقاذها سوى لائحة مرشحين محتملين قد لن يحصلوا عليها تتضمن أمثال بوب ديلان, وجويس كارول أوتس, وغيرهم.‏‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية