تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تركيا تبدأ رحلتها الشاقة إلى أوروبا

دراسات
الأحد 9/10/2005م
د. حيدر حيدر

تنفس الأوروبيون الصعداء قبل الأتراك, بتوصلهم إلى اتفاق وصفه الطرفان بأنه تاريخي, بعد يومين من المفاوضات الماراثونية في لوكسمبورغ بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وتركيا,

وهو يقضي ببدء مفاوضات انضمام أنقرة( عضوية كاملة) إلى الاتحاد وهو ما كانت تصبو إليه منذ أربعين عاماً, بعد التغلب على عقبات وضعتها النمسا في اللحظة الأخيرة.‏

الاتحاد الأوروبي الساعي للتحول منذ سنوات إلى قوة عالمية يحسب حسابها, اعتبر أن عملية توسعه واحدة من أهم إنجازاته, لجلب الاستقرار والازدهار لبقاع القارة, وتمكن خلال التوسع شرقاً وضم بولندا ودول البلطيق وهنغاريا من توسيع الأمن الجغرافي والجيوسياسي لدول أوروبا الغربية المؤسسة للاتحاد, عقب تفكك الاتحاد السوفييتي.‏

وتكمن أهمية ا لتوسع وضم تركيا إلى الاتحاد , كونها أكبر وأهم بلد يتقدم بطلب العضوية حتى الآن.‏

فالمسألة تتعدى إشراك بلد كبير في» النادي الأوروبي« وهي حتماً تتجاوز مجرد مساعدة بلد مهم استراتيجياً على مواجهة تحديات الحداثة والدمقرطة, بل وهي أكثر من اختبار للغرب فيما إذا كان راغباً في تشجيع الحوار بين الحضارات وردم الهوة بين الثقافات, إن المسألة أيضاً وكما قال وزير الخارجية الألماني يوشكافيشر» شرقي المتوسط سيكون ذا أهمية حاسمة في تحقيق السلام في القرن الحادي والعشرين, ليس فقط بالنسبة لتركيا, وليس فقط بالنسبة للمنطقة, ولكن أيضاً بالنسبة لأوروبا بأسرها«. كذلك يتخوف الزعماء الأوروبيون من أن ضغوطهم المتزايدة ورفضهم لبدء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد والاكتفاء بالخيار الذي طرحته النمسا وهو إقامة» شراكة مميزة« علماً أن الكثيرين في أوروبا لا يستسيغون وجود تركيا في الاتحاد الأوروبي كونهم لا يؤمنون بتحالف الحضارات, لكن الرأي القائل أن الاتحاد الأوروبي بحاجة إلى تركيا بقدر حاجة تركيا للاتحاد الأوروبي نجح أخيراً في إطلاق المفاوضات من أجل انضمام كامل. فنص الاتفاق في لوكسمبورغ يحدد بوضوح تام إمكان الحصول على العضوية الكاملة ولم يذكر أي خيار آخر مثل »شراكة مميزة«.‏

»إنه حقاً يوم تاريخي لأوروبا وللأسرة الدولية برمتها« كما أكد وزير الخارجية البريطاني جاك سترو, الذي لعبت بلاده دوراً بارزاً كونها تترأس الدورة الحالية للاتحاد, في تذليل العقبات وإقناع المعارضين ولاسيما النمسا التي تلقت دعماً ضمنياً من عدد من الحكومات الأوروبية مثل فرنسا وهولندا والدانمارك.‏

ويرى محللون أن القرار سيكون له تأثير على العالم الإسلامي لأن» الإرهابيين قاموا بجهود لاتحصى لتجنب تحقيق هذه اللحظة« . بينما اعتبر الأتراك, أن بلدهم حقق خطوة عملاقة إلى الأمام في مسيرته التاريخية وقطع المرحلة الأكثر أهمية في الطريق لإنجاز هدف عمره 40 سنة في سبيل تحقيق أهم المبادىء المؤسسة للجمهورية التركية. أي كما قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان » تركيا حققت خطوة عملاقة إلى الأمام في مسيرتها التاريخية, إن هذا الإنجاز, هو ملك للأمة التركية«.‏

فهل دخلت أنقرة عهداً جديداً?!‏

وهل نشهد بعد عقد من الزمن وبوضوح أن تركيا الدولة المسلمة بعدد سكانها الحالي 70 مليون نسمة والمرشح للتزايد ليناهز عدد سكان ألمانيا منضوية كعضو في الاتحاد الأوروبي?!‏

صحيح أن الدبلوماسية النشطة من جانب الولايات المتحدة والأمم المتحدة ودول عربية بما فيها الجامعة العربية ساهمت في الوصول إلى اتفاق بدء محادثات انضمام تركيا رغم العراقيل والشروط الإضافية لبعض دول الاتحاد الأوروبي التي وضعوها في وجه تركيا والتي ترى أن دخولها يهدد بعض التوازنات الاجتماعية والاقتصادية, لكن آخرين في النادي الأوروبي يرون أن المصلحة تقتضي بل تكمن في استدراج تركيا إلى مسار مفاوضات العضوية الذي من شأنه حمل أنقرة على حل خلافاتها مع اليونان وقبرص بالوسائل الدبلوماسية فقط كما يرى دبلوماسي يوناني.‏

لكن الصحيح أيضاً أن تركيا التي ارتضت منذ زمن بعيد الالتزام بالعلمانية منهجاً للدولة وتطلعت دوماً إلى اليوم الذي تصبح فيه جزءاً من أوروبا, بدأت رحلة الألف ميل لتحقيق هدفها الذي تطلعت إليه منذ أربعين عاماً ونيف لقناعتها أن الاتحاد الأوروبي مبني على القيم وليس التاريخ فقط, لذا فقد سارت قدماً في الإصلاحات السياسية وا لاقتصادية والقضائية..الخ وسنت قوانين وتشريعات توائم لوائح الاتحاد.‏

وإذا كان كل طرف ينظر إلى انضمام تركيا من زاوية مصالحه وهو حق مشروع للدول, لتضمن تحقيق أهدافها واستراتيجياتها, وواضح أن أحد أهداف الاتحاد الأوروبي توسيع حدوده إلى الشرق الأوسط, في عالم لا مكان فيه إلا للتكتلات الاقتصادية والسياسية والبشرية الكبيرة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية