|
(19) كانون الأول 2008، ولئن استبعدت حركة حماس تجديد التهدئة، قبل هذا الموعد بأيام قليلة، محذرة من كلفة عالية سوف تتكبدها «إسرائيل» في حال أقدمت على شن عدوان على قطاع غزة، فإن مصادر سياسية إسرائيلية قالت إنه بات لا مفر من جولة جديدة من «العنف» في حال تواصل إطلاق النار من القطاع. هذا القلق البادي في تصريحات حكام العدو عكسه انقسام في الحكومة الإسرائيلية بين قائل بموقف تصعيدي ضد القطاع، وآخر يقول بضرورة العودة إلى التهدئة (عرب 48-21/12/2008) لم يسلم وزير الحرب إيهود باراك من سماع اتهامات بأنه يستخدم سكان المستوطنات دريئة انتخابية وقد أخذوا يفرون باتجاه الشمال (هآرتس 19/12/2008). وينعش هذا الانقسام رُهاباً في الذاكرة من تجربتين مرت بهما «إسرائيل» في قطاع غزة. كانت الأولى يوم الخامس من آذار الماضي حين حاول العدو الإسرائيلي اجتياح الطرف الشمالي من القطاع فتكبد خسائر وصفتها المصادر الإسرائيلية بأنها كبيرة في الأرواح والمعدات، وتعاملوا مع مقاتلين وصفوا بأنهم مدربون جيداً. وكانت الثانية في بدايات النصف الثاني من كانون الأول 2008 حين سقط صاروخ من طراز «غراد» على موقع ناحال عوز العسكري فأصيب ثمانية من جنود الاحتلال، اثنان منهم جراحهما خطيرة. وقد بنى العدو على هاتين التجربتين قناعة بأن المقاومة في قطاع غزة باتت ترقى في كفاءتها القتالية إلى حد يقارب كفاءة المقاتلين في جنوب لبنان، بل إن المحللين العسكريين الأميركيين ذهبوا إلى القول بأن «إسرائيل» باتت تواجه حزب الله في الشمال وحزباً مماثلاً في خاصرتها الجنوبية (انظر جيفري وايت ودراسة له بعنوان: «التحديات التي تواجه العمل العسكري الإسرائيلي في غزة»- معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى 16/12/2008). وقد نقل عن المصادر العسكرية الإسرائيلية: أنه تم إصدار التعليمات للجيش، بالامتناع عن شن هجمات نوعية، والاكتفاء بترقب التطورات (عرب 48- 19/12/2008). مع ذلك كان لا بد للإسرائيليين من الالتفات نحو الداخل لمعالجة رضوضه النفسية، فوصف محللون إسرائيليون تصريحات قادة حماس بأنها كانت «منسقة ومتناسقة» (المشهد الإسرائيلي 15/12/2008)، وعملياً قال قادة حماس: «إننا نريد تهدئة أخرى، وإلا فلن تكون هناك تهدئة». ومن شأن هذا أن يدغدغ أعصاب الإسرائيليين في ضوء ما قاله المحلل العسكري، عاموس هارئيل، ومحلل الشؤون الفلسطينية، آفي سخاروف، في مقال مشترك في صحيفة هآرتس 15/12/2008 إن «إسرائيل» ليست في وضع بإمكانها فيه أن تقرر شن عملية عسكرية واسعة ضد قطاع غزة، وإن حذر المستشار القضائي لجهاز الأمن الإسرائيلي «أحاز بن آري» الجيش الإسرائيلي من قصف مناطق مأهولة بالسكان في قطاع غزة، كونها (إسرائيل) في مرحلة انتخابات عامة. كما أن حزب كاديما الحاكم الذي تساوى في استطلاعات الرأي مع الليكود بـ 30 مقعداً لكل منهما، يخوض الانتخابات، تظلله سحابة الإخفافات في حرب لبنان الثانية. ولم يستبعد محللون سياسيون من الجانبين أن تشهد أطراف قطاع غزة اشتباكات تشي بأن الأمور قد تدهورت، ما يدفعهم إلى تلمس الطريق للعودة إلى التهدئة التي نظمتها اتفاقية كانت تفتقر إلى آلية ملزمة، لأن كل طرف رفض أن يمنح نظيره الشرعية التي تتضمنها الاتفاقات (إيتان برونر- هيرالد تريبيون 18/12/2008). وقد يكون الوقت مناسباً لإدخال تعديل على الاتفاق، يأخذ بفكرة الحزام الأمني الذي يغلف القطاع بعمق كيلو متر ونصف الكيلو. ويبدو أن الوقت كان مناسباً ليوجه «عوفير شيلح» الكاتب في صحيفة معاريف المقربة من الدوائر الأمنية، انتقاداً لقادة هيئة الأركان في الجيش متهماً إياهم بعدم استيعاب تصريحات السياسيين عشية الانتخابات ولا همسات بعض هيئة الأركان، الذين من موقعهم القيادي أو جراء انعدام مسؤوليتهم المباشرة، يحلو لهم أن يتخذوا مواقف متشددة تبشر بأن التهدئة انتهت. وفيما رفض شيلح مقاربة العسكريين بأنهم قادمون على عملية «سور واق ثانية»، قال إذا كان الهدف هو وقف إطلاق صواريخ «القسام» فإن هذا يعني السيطرة على مناطق شمال القطاع وعملاً جوياً واسعاً ضد الأحياء المأهولة، حيث سيقتل 800 شخص، على الأقل حسب تقديرات الجيش، ليس لهم علاقة بالإطلاق، أما إذا كان الهدف هو السيطرة على عمليات التهريب من مصر وإطلاق سراح جلعاد شاليت فهذا يستدعي احتلال محور فيلادلفيا. ولم يستبعد أن يكون الهدف من وراء ذلك هو الإطاحة بـ «حكم حماس»، كما تقول وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، وهذا يستدعي تقطيع أوصال قطاع غزة، وإذ يطرح السؤال: ما الخسائر التي يمكن أن تتكبدها «إسرائيل» في عملها المنتظر؟ يكون الجواب: إدخال «إسرائيل» في مزيد من الإحباط (معاريف 17/12/2008). وماذا سيفيد عمل في غزة إذا سقطت مدن في الضفة الغربية في أيدي حماس؟ الجواب يكمن في أن حرباً أهلية بين الفلسطينيين قادمة ستكون تداعياتها أكبر من أن تحصر في الضفة أو القطاع. ولذلك رأت يديعوت أحرونوت أن الوقت غير مناسب للقيام بعمل عسكري ضد حماس، ما دام وزير الدفاع مستمراً في ترديد اللازمة: «إذا لم يطلقوا النار علينا فإننا لن نطلق النار عليهم». إضافة إلى أن هناك إدارة جديدة في الولايات المتحدة لا أحد يعرف كيف تعتزم التعامل مع الشرق الأوسط. وفيما كشف وزير البنى التحتية بنيامين بن اليعيزر، الذي كان يتحدث في النادي التجاري الصناعي في تل أبيب، النقاب عن حقيقة الحشود الإسرائيلية بالقرب من القطاع من حيث أنها «تخدم إيهود باراك في العملية الانتخابية» المقرر إجراؤها في شباط القادم، نقل عن رئيس الحكومة المنصرف ايهود أولمرت ووزير الحرب ايهود باراك رفضهما الشروط الجديدة التي وضعتها حماس لتجديد التهدئة والتي كان أبرزها: فتح معابر القطاع، وعبور حر للبضائع من دون انتقائية إسرائيلية وعبور حر للأفراد من القطاع وإليه وفتح معبر رفح وإطلاق سراح معتقلي حماس في مصر ووقف حملة الاعتقالات ضد عناصر حماس في الضفة التي يتعين أن تشملها التهدئة، هذا بالإضافة إلى إطلاق سراح الأسرى المتفق على عددهم وهو (1450) أسيراً (أليكس فيشمان- يديعوت أحرونوت - 15/12/2008). وبدون الاستجابة لهذه الشروط فإنه، وحسب مصادر فلسطينية، لا حاجة إلى اتفاق التهدئة. |
|