تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


ماذا عن حلول الازدحامات المرورية؟...المشكلة تزداد تفاقماً في المدن الكبرى.. ومترو الأنفاق الحل

مراسلون
الجمعة 26-12-2008م
مروان دراج

تشهد الشوارع الرئيسية والساحات العامة في مدينة دمشق ومحيطها، وبعض المحافظات الأخرى ازدحاماً شديداً بالسيارات وفوضى مرورية غير مسبوقة،

وهذه الازدحامات باتت تشكل هاجساً فعلياً لغالبية شرائح المجتمع، وخاصة بالنسبة للموظفين والعاملين في الوزارات والمؤسسات العامة والخاصة، فالوصول إلى مؤسسة أو شركة بعينها في العاصمة، قد يحتاج إلى تبديد مدة زمنية طويلة أو مضاعفة، قياساً بما كان عليه واقع الحال قبل سنوات، وأيضاً فإن الذين يقصدون الأسواق، أو لقضاء حاجة محددة في الدوائر الحكومية، باتوا يفضلون السير على الأقدام، بدلاً من ركوب السيارة، ذلك أن هذا الخيار بات أكثر سرعة للوصول إلى المكان المحدد، والملاحظ أن مدينة دمشق على وجه التحديد لم تعد تعرف ساعات محددة من الذروة، مثلما كان واقع الحال قبل سنوات، فساعات الذروة كانت تنحصر بأوقات الظهيرة أو بعد انصراف العمال والموظفين من أعمالهم وهذه الساعات تلاشت وتبددت اليوم، كي تصبح ساعات الذروة على مدار اليوم، أي منذ شروق الشمس في اليوم الأول ولغاية شروقها في اليوم الثاني، وهذا الواقع شجع الكثيرين -كما ذكرنا- للتحرك ضمن أحياء المدينة دون اللجوء إلى السيارة سواء كانت عامة أم خاصة.. وأكثر ما يلفت خلال السنوات الأخيرة، وباتت تشكل ظاهرة حقيقية، أن أصحاب سيارات الأجرة باتوا يحجمون وبإصرار عن تلبية الطلبات التي تقصد بعض الأحياء في مركز المدينة .‏

ولأن ظاهرة الازدحامات المرورية تبشر بمزيد من التفاقم والاتساع في المستقبل القريب، فإن السؤال الأكثر من مشروع.. ولكن أين الحلول التي من شأنها التخفيف ما أمكن من هذه الازدحامات؟. وهل هناك من يعكف وبجدية على صوغ الخطط والإجراءات والحلول.. أم أن الواقع سيبقى على حاله إلى أجل غير معروف؟!‏

حقيقة، إن قضية الازدحامات تشير وبلا مواربة، أن الذين يقومون بالتخطيط في وزارة المواصلات أو في وزارة النقل، وسواها من المرجعيات الحكومية ليسوا، وللأسف، على قدر من المعرفة والدراية، بما آل إليه واقع الحال في دول العالم، فالأمر الذي بات معروفاً ومن المنسيات، أن هذه الدول كانت وعلى مدار النصف الثاني من القرن الماضي، تتوجه إلى تكريس ما يسمى بالنقل الجماعي، بهدف التقليل من ازدحامات السيارات في الشوارع العامة وعلى شبكة الطرق داخل المدن وخارجها غير أن المعادلة في المدن السورية، كانت معكوسة تماماً، ففي حال العودة إلى الذاكرة، فإن «الترومواي» كان من أبرز وسائط النقل العامة في مدينة دمشق خلال أواسط القرن الماضي بعد ذلك تم التحول تدريجياً إلى الباصات الكبيرة المملوكة للقطاعين العام والخاص واستمر هذا الواقع لغاية أوائل تسعينيات القرن الماضي، ولأن هذه المؤسسة الممثلة بالنقل الداخلي كانت واجهت الكثير من الترهل والعجز، وعدم القدرة على تحديث وتجديد أسطولها وآليات عملها فإن الحكومة لجأت بين ليلة وضحاها إلى حل هو الأبشع في تاريخ وسائط النقل السورية والممثل في السماح باستيراد «السرافيس» البيضاء التي تعمل على المازوت وهذه الأخيرة وصل عددها لغاية النصف الأول من العام الحالي إلى أكثر من ستين ألفاً، حسب بعض التقديرات الرسمية وربما مثل هذا الرقم العملاق هو الذي شجع إدارة المرور على إحداث مركز نقل السومرية وعلى أن يحدث غيرها في الشهور المقبلة، من أجل التخفيف ما أمكن من الازدحامات داخل المدينة.. وبيت القصيد من الإتيان على هذه التفاصيل، أن الجهات المعنية تعاطت مع المشكلة باتجاه معاكس، أي أن الجهات المعنية تتعاطى كما لو أن عدد السكان يتراجع بدل أن يتزايد بينما في الدول المتقدمة - ومثلما ذكرنا- فهي كرست وفي وقت مبكر كل ما له علاقة بالنقل الجماعي، فهناك ميترو فوق الأرض وآخر تحت الأرض، وهناك التكسي الجوي فضلاً عن شبكة غير محدودة من الجسور والأنفاق وكل هذه الحلول كانت قد أدت إلى استخدام الباصات الكبيرة خارج المدن وعلى أطرافها البعيدة، نظراً للقدرات العملاقة التي يمتلكها «الميترو» في معالجة الازدحامات المرورية.‏

بمعنى أو بآخر، فإن ما هو مطلوب في المدن الكبرى مثل دمشق وحلب واللاذقية وربما حتى درعا وحمص، السعي للتوجه نحو خفض أعداد السيارات بدلاً من زيادتها، وإذا كان مشروع مترو الأنفاق مازال مجرد دراسات منذ أكثر من ربع قرن، ولايبدو أن الحكومة جادة في تنفيذه، فإنه يتعين بهذه الحالة، العمل على تشييد وبناء المرائب الضخمة داخل المدينة وخارجها أو على محيطها، وكذلك يفترض التخلص من الأعداد الكبيرة من (السرافيس) واستبدالها بالباصات الكبيرة، والأهم من كل هذا وذاك، أن بعض الآراء التي تصدر عن مسؤولين في قطاع النقل تشير إلى أنه يمكن مرة أخرى العمل على إحياء مشاريع (الترومواي) الحديثة، وبالمناسبة فهذه الواسطة من النقل غير مكلفة وليست بحاجة إلى أموال طائلة مثل (مترو الأنفاق) ويمكن ترجمة مثل هذا الخيار، في حال التوجه إلى القطاع الخاص ومنحه المزايا والتسهيلات التي تشجعه على تنفيذ هذه المشاريع، وذلك ضمن مدة زمنية قصيرة وقياسية لكن هنا يتعين التنبيه بأن الذين سيقومون بتنفيذ مثل هذه المشاريع يفترض أن يعلموا أن عليهم التنسيق مع الذين يعكفون على دراسة مشروع (مترو الأنفاق) ذلك أنه ومثلما هو قائم في دول أوروبا يمكن استخدام واسطة نقل (الترومواي) ضمن شبكة خطوط محددة وفي الوقت ذاته أن يبقى مشروع (مترو الأنفاق) هو الهدف الاستراتيجي والأساسي.. ومثل هذه المشاريع التي نتحدث عنها هي الوحيدة القادرة على إنقاذ المدن من الازدحامات، وخاصة أن مدينة دمشق مرشحة في المستقبل القريب، لاستقبال المزيد من السيارات وحسب المعلومات التي بين أيدينا، فإن أعداد السيارات في القطر، قدر في العام 2000 بنحو 623229 سيارة سياحية وسيارات نقل أجرة، أما خلال عام 2004 فقد وصل الرقم ولذات الفئات إلى نحو 830950 سيارة وأيضاً دخلت إلى مدينة دمشق وحدها خلال العام 2005 أكثر من مئتي ألف سيارة، مختلفة الأنواع ولعل الرقم الجديد والذي لا يخلو من غرابة، أن مديرية نقل دمشق تقوم يومياً بتسجيل نحو 450 آلية من عامة وخاصة، من كل هذه الأرقام يعني أن شبكة الطرق الحالية غير قادرة على استيعاب هذا البحر المتلاطم من أعداد السيارات ولابد بهذه الحالة من العمل على شق طرق جديدة وصوغ الخطط الطرقية المغايرة للماضي بحيث تأخذ بعين الاعتبار كل هذه التحولات التي طرأت على أعداد السيارات والمساكن والسكان، وخاصة أن مدينة دمشق لم يطرأ عليها الكثير من التبدل لجهة التوسع في شق الطرق.‏

وبالمناسبة فإن المشروع الذي لا يحتمل التأخير يتمثل في ضرورة، إحداث تجمع حكومي خارج المدينة فهناك من كان قد أشار إلى مثل هذا التجمع والذي يفترض أن مكانه قد حدد في منطقة (المعضمية) القريبة من دمشق، وهذا الأخير وفيما إذا رأى النور فإن مئات آلاف السيارات لن تدخل المدينة نهاراً، سواء أكانت تعود لمراجعي الدوائر الحكومية أم للموظفين والمديرين الذين يعملون فيها، هناك الكثير من الحلول التي يتعين النقاش والجدل حولها لتنفيذها بأسرع ما يمكن غير أن ما سبق وأتت على ذكره المنابر الإعلامية خلال العام الماضي يتمثل في المشاريع التي يصل عددها إلى 15 مشروعاً لتطوير دمشق مرورياً، فهذه الأخيرة يفترض تنفيذها بالتعاون مع ألمانيا.. فماذا عنها.. وعن مستقبلها.. ومتى سترى النور؟!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية