|
كتب تحليل ماهية العمل الاقتصادي العالمي، كاشفا جملة أسرار وخبايا كامنة، تقف وراء الازمات الاقتصادية، ومعرفا القارئ بمجموعة من العوامل والاشارات والمسببات في هذا الصدد. ويصدّر كامل يوسف، الكتاب، بمقدمة تعريفية تحليلية، يشرح فيها، مفهوم “البجعة السوداء”، لافتا الى قيمة كتاب نسيم نيكولاس طالب: “ البجعة السوداء: تداعيات الاحداث غير المتوقعة”، في هذا الصدد. ويخلص الى أن البجعات السود، تكمن في خلفية كل شيء في عالمنا، تقريبا، فأجنحتها تقف وراء انهيار الاسواق العالمية وتنتشر في ظلمات أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وفي غير ذلك من الاحداث والقضايا. ويشير المترجم إلى أن هذا المنتج الفكري (الكتاب)، يستمد أهميته من منهجه المتميز، وإحكامه في جوانب عديدة، تتقدمها، رؤاه الناجعة والمجدية في التصدي لأسراب من البجعات السود ضمن حقل أنشطة المال والاعمال، الذي يفاجئنا، دوماً، بتطورات عميقة ومؤثرة، تترك تأثيراتها على امتداد العالم بأسره، وكذلك تثير تساؤلات وعلامات استفهام لا بد من مواجهتها باقتدار وثقة. ويلمح كامل يوسف الى قيمة الكتاب في عالم المال والأعمال، كونه يشكل خميرة خبراتية، يسكبها مؤلفه، بوسنر، انطلاقاً من أرضية فكرية وعملية بالغة الثراء، نتبين صورها وبراهينها، منعكسة في قائمة المراجع والمصادر الممتدة التي يعود إليها. وكذلك من واقع أمثلة تجربة عمل ميداني تتسم بالعمق والامتداد، إذ إنه اشتغل محللاً مالياً قرابة عقدين من الزمن، في وول ستريت، متتبعاً قطاع “ تمويل الخصوصية”. كما ان السمة الرئيسية لتقاريره، جمعها بين منهاج البحث الكلاسيكي والتطورات الأكثر حداثة في العلم الادراكي مثل: ( النظرية الكمبيوترية والتمويل الكمي). وهو مهتم، أيضاً، بإيضاح ملامح نهج احتمالي لصيغ قرار يشمل التنبؤ عبر جملة السيناريوهات. وذلك إضافة إلى انه يبين كيفية موازنة الثقة والاستجابة بدقة، للمعلومات الجديدة عن السوق، والتغلب على الزيادة الجديدة الهائلة في المعلومات، مشدداً على دور الموارد الحسابية المتاحة لنا. وأخيرا، تقديمه للمحللين والمستثمرين والمتخصصين بالحقل، مساراً جديداً لصنع القرار. ونطالع في الجزء الاول من الكتاب: “الغموض”، واقع الأسواق الحديثة. ويطرح فيه المؤلف، عبر مجموعة من المحاور التفصيلية الموسعة، العديد من الأفكار والتحليلات البنيوية حول مسالة التنبؤ في البيئات الشديدة والتفكير في الاحتمالات، وكذا الموازنة بين الافراط والثقة. ولا يغفل المؤلف، التطرق، بعمق وشمولية، إلى حيثية علمية ترتبط بالجزئية التي تناولها في مستهل أبحاث كتابه، إذ يفسر إحدى ماهيات واستراتيجيات العمل المخطط والممنهج للتصدي لفيض المعلومات. ومن ثم كيفية استجابتنا الناجعة للجديد منها، في الوقت المناسب، في صيغة مثلى تستبعد أي احتمالية لأن نقع ضحايا للتنافر المعرفي. ويفرد ثالث أجزاء الكتاب، مساحة مهمة لمساقات التحليل والتقدير والتخطيط بأسلوب نوعي، في المجال. ويلفت بوسنر في كتابه، بعد ما يسوقه من معلومات وقيم فكرية في أبحاثه، الى قضية محورية تمس ظاهرة التقلب الشديد، إذ لا يتردد في التذكير بضرورة ان التعايش معها والاعتناء بها بشكل جوهري، لنتنبه الى أهمية تخصيص الموارد للتنبؤ بالنتائج الشبيهة بالبجعات السود. وحيث كان ذاك ممكنا، وللبقاء على أهبة الاستعداد للاستجابة، بدقة وسرعة، عندما تبرز المفاجآت، ويدرج المؤلف جملة أساليب، تمثل الزاد المعين، في شروط وسمات عملية الاستعداد للاستجابة في هذا الشأن، تتجسد في: التركيز على القضايا المهمة، التفكير بشكل احتمالي، دراسة القوة التشخيصية للمعلومات الجديدة، تخفيف التنافر المعرفي، التخلص من النماذج المعقدة عندما تصبح البيئات متقلبة، الاستعداد لملاءمة قواعد صنع القرار وتغير الاستراتيجيات. ويناقش بوسنر، في خواتيم كتابه، طبيعة القواعد التي يوصي بها كثيرون، كونها تؤدي الى نتائج إيجابية لفترات محدودة فحسب، وذلك خاصة عندما يتبع المنافسون الاستراتيجيات نفسها. وبناء عليه، فإن جوهر التقدير، كما يبين، هو ادراك حقيقة أن الادوات التحليلية واستراتيجيات صنع القرار، لا بد من فحصها ومواءمتها بصورة مستمرة. كما يلفت المؤلف في هذا الصدد، الى أن الوقت لن يمتد طويلا، قبل أن يُخلق سرب جديد من البجعات السود في سماء الاقتصاد العالمي، وأنه بينما يجد العالم توازناً جديدا، فإن سلسة من المفاجآت الأكثر ايجابية، ربما تظهر مجدداً، معرباً عن اعتقاده ان أذكى المحللين والمستثمرين، وسواهم من صانعي القرار، ربما يحاولون الان توقع المفاجآت التي يكشف عنها بسرعة. الكتاب: مطاردة البجعة السوداء .. البحث وصنع القرار في عالم من التقلب الشديد - تأليف: كينيث أ . بوسنر الناشر: دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة – 2012 الصفحات: 365 صفحة |
|