تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


سيادة الدول تحت مرمى الأميركيين

عن موقع Mondialisation. ca
ترجمة
الأربعاء 6-2-2013
ترجمة منير الموسى

بول كريغ روبرتس الذي شغل منصب سكرتير الخزانة الأميركية المكلف الشؤون السياسية والاقتصادية إبان إدارة رونالد ريغان، ومنصب نائب رئيس تحرير جريدة وول ستريت.

وكان أيضاً كاتب مقالات في مجلة بزنس ويك، ودرّس في عدة جامعات، يرى أن الولايات المتحدة تقوض سيادات الدول بأساليب شتى، وفي هذا المقال الذي نشره موقع غلوبال ريسرش يركز على جانب من هذه الأساليب،‏

ويعترف أن الرئيس الصربي الذي خلعته واشنطن وقدمته لمحكمة الجزاء الدولية إنسان بريء مما نسب إليه من جرائم حرب، بل يقر بأنه كان يدافع عن بلاده وعن شعبه الذي أمعنت واشنطن في قتله، كما يشير الكاتب إلى إملاءات واشنطن التي تفرضها على الدول وإلى العقوبات الأحادية التي تفرضها على دولة ما ثم تطلب من الدول الأخرى التقيد بها تحت طائلة الطرد من النظام العالمي، ويقر الكاتب الأميركي بأن واشنطن لا تحترم دستورها وقوانينها ولا القوانين الدولية وتخرق خصوصية مواطنيها وخصوصية أوروبا بزعم محاربة الإرهاب، كما لا تحترم سيادات الدول الأخرى. واعتبر أن «الشيء الوحيد الذي يهم الولايات المتحدة، هو رغبتها في الهيمنة التي تحولها إلى دكتاتورية عالمية»، ويرى أن «الأمثلة عديدة وتستحق أن تُجمع في كتاب»، ثم يورد بعضاً منها..‏

أولئك القلقون من النظام العالمي الجديد عندما يتحدثون عن الولايات المتحدة وكأنها تكاد تقع تحت مغبة مؤامرة خارجية، لا يعرفون أن الولايات المتحدة والنظام العالمي الجديد أمر واحد. فالحكومة الأميركية غدت لا تحترم قوانينها ولا دستورها، ولا القانون الدولي ولا قوانين ولا سيادة الدول الأخرى.‏

خلال ولاية الرئيس رونالد ريغان، كان ما درجت عليه سويسرا من عُرف تقليدي في السرية المصرفية يخضع لإملاءات واشنطن.-‏

-إدارة الرئيس كلينتون هاجمت صربيا، وقتلت المدنيين وقدمت الرئيس الصربي إلى المحاكمة أمام محكمة الجزاء الدولية بتهمة جرائم الحرب، على الرغم من انه لم يفعل شيئاً سوى انه كان يدافع عن بلاده.‏

- الحكومة الأميركية تراقب على نطاق واسع تبادلات البريد الالكتروني والمحادثات الهاتفية في أوروبا، لأسباب لا تتعلق البتة بالإرهاب.‏

-جوليان أسانج لا يزال ملتجئا إلى سفارة الإكوادور في بريطانياً لأن واشنطن طالبت الحكومة البريطانية بعدم منحه اللجوء السياسي. وهي ترفض إطلاق سراح أحد الموقوفين الذي جرى توقيفه بشكل غير مشروع بقرار من محكمة استئناف بريطانية، فأميركا تتدخل في القضاء البريطاني!.‏

-واشنطن تفرض عقوبات على بعض البلدان، وتفرض على دول أخرى التقيد بتطبيق هذه العقوبات، وتهدد كل دولة لا تلتزم بها وتمنع عليها دخولها في نظام المدفوعات والتعويضات العالمي.‏

-الأسبوع الماضي أبلغت الإدارة الأميركية الحكومة البريطانية أن انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو مجرد الإخلال به من شأنه أن يضر بمصالح الولايات المتحدة. وهذا يعني أن سيادة بريطانيا لم تعد بأيدي حكومتها ولا شعبها، وأن قراراتها تتخذ في واشنطن ووفقاً للمصالح الأميركية!. فالبريطانيون اعتادوا الانصياع لإرادة واشنطن حتى إن نائب رئيس الوزراء نيك كليغ ومجموعة من مديري المؤسسات البريطانية أذعنوا في الحال للبلاغ الأميركي. ولكن ذلك جعل بريطانيا في موقف لا تحسد عليه. فاقتصادها الذي كان يخولها أن تتبوأ مكانة صناعية مرموقة فيما مضى، غدا اليوم يرتكز كلياً على المصارف فحسب، أي على المركز المصرفي اللندني الذي يشبه وول ستريت. ولندن شأنها شأن نيويورك، فهي مركز مالي عالمي ليس له مثيل في أوروبا، ولولا هذه الميزة لانتهت بريطانيا كدولة عظمى. وبفضل أهمية هذا المركز المالي الذي تنفرد فيه بريطانيا في أوروبا، استطاعت أن تحافظ على عملتها «الجنيه الاسترليني» ولم تنضم إلى عملة اليورو. ولأن بريطانيا لديها عملتها الخاصة بها ولأنها لديها مصرف مركزي، استطاعت أن تتجنب ألا ترزح تحت أزمة الديون السيادية التي تنهك اليوم بلدان الاتحاد الأوروبي.‏

ومصرف انكلترا، على غرار الاحتياطي الفدرالي الأميركي، استطاع أن يدعم المصارف البريطانية، بينما بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى التي تتشارك في عملة واحدة «اليورو» لا تمتلك الإمكانية في طباعة عملات جديدة، والبنك المركزي الأوروبي ليس لديه، بفعل الإصرار الألماني، سلطة دعم الدول الأعضاء. والمأزق الذي تجد نفسها فيه بريطانيا هو أن حلّ أزمة ديون الدول السيادية الذي يبدو أن الاتحاد الأوروبي يتجه إليه، يمرّ عبر تخلي هذه الدول عن سيادتها المالية ولا سيما المتعلقة بميزانياتها.‏

في الحقيقة ثمة لجنة أوروبية سيكون من صلاحياتها سلطة أن تملي على كل دولة عضو مستوى الإنفاق فيها، والصحون الضريبية لديها ثم حجم العجز أو الوفر. وهذا يؤشر إلى نهاية سيادة الدول الأوروبية. وعندما تبقى بريطانيا عضوا في الاتحاد الأوروبي مع محافظتها على عملتها وعلى مصرفها المركزي، فهذا يعني الاعتراف لها بوضع مالي خاص بها. فما مدى فرصتها في الاعتراف لها بذلك؟ هل ستقبل ألمانيا وفرنسا بأمر كهذا؟ إذا أرادت بريطانيا الالتزام أكثر بأوروبا، فيجب عليها أن تتخلى عن عملتها، وعن مصرفها المركزي، وعن ميزتها بأنها مركز مالي عالمي. وان تخضع إلى حوكمة البيروقراطية الأوروبية. وهكذا على البريطانيين التخلي عن هويتهم والذوبان في فراغ كبير. ومع ذلك، إذا قبلت بريطانيا بهذا الأمر، فإنها لن تغدو بعد الآن دمية تحركها واشنطن، على ألا يكون الاتحاد الأوروبي هو الدمية.‏

وبحسب بعض الأخبار الصحفية، فإن اسكتلندا التابعة للمملكة المتحدة ستجري في وقت قريب استفتاءً على الانفصال عن بريطانيا ونيل استقلالها. وأي سخرية أن ترى المملكة المتحدة نفسها أمام إمكانية التفكك في اللحظة ذاتها التي تواجه فيها إمكانية انصهارها في اتحاد متعدد الجنسيات!‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية