تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل تصلح الأساطيل ما أفسدته السياسة?!

عن (ريزوفولتير)
ترجمة
الأربعاء 2/4/2008
ترجمة: حسن حسن

مع إعلان واشنطن رسميا عن إرسال المدمرة البحرية (يو اس اس كول) إلى المياه الإقليمية اللبنانية أواخر شهر شباط الماضي 2008 فقد أثيرت التساؤلات عن الأهداف الحقيقية من وراء هذه التحركات,

ولا سيما أن هذه المدمرة تعتبر درة البحرية الأميركية في مجال التجسس والمراقبة الإلكترونية, إلى جانب دورها في دعم العمليات العسكرية البرية لقوات المارينز,كما أنها تصلح لتوجيه ضربات لأهداف بعيدة بواسطة صواريخ (كروز) و(توماهوك).‏

وبرر مسؤول كبير اشترط عدم ذكر اسمه الخطوة بالقول: (تعتقد الولايات المتحدة أن إظهار التأييد مهم للاستقرار الإقليمي, نحن قلقون جدا إزاء الوضع في لبنان, لقد طال أمده كثيرا) وقال المسؤول نفسه (شعورنا هو أن هناك عصبية زائدة في ظل التهديدات التي تصدر عن أعضاء في حزب الله, وشعور عام بأن هذا الوضع لن يحسم) وأوضح أن الهدف هو تشجيع الاستقرار خلال فترة حرجة محتملة.‏

ومن اللافت للنظر غموض المبررات التي ساقتها إدارة الرئيس (بوش) عن القصد من تحريك البوارج الحربية في شرق المتوسط, وهو ما تجسد من ناحية في عدم التوافق الواضح في تصريحات المسؤولين الأميركيين بشأن هذه التحركات, ففي بداية الأمر أوضح مصدر أن مهمة المدمرة (كول) في المنطقة روتينية, ثم خرجت علينا (كونداليزارايس) وزيرة الخارجية الأميركية لتؤكد أن إرسالها هو رسالة تستهدف تأكيد قوة الولايات المتحدة على حماية مصالحها ومصالح حلفائها في المنطقة.‏

وحلف شمال الأطلسي الذي أقصي عن قوات حفظ السلام في لبنان, عقب حرب تموز الإسرائيلية على لبنان عام 2006 تسلل إلى لبنان هذه الأيام, فها هي المدمرة (كول) تجوب المياه الإقليمية اللبنانية مشاركة في حرب الحلف المستمرة ضد (الإرهاب)ومن جهة أخرى كشف تيري ميسان أن الأميرال الجديد لقوات الأمم المتحدة في لبنان لا يمثل الأمم المتحدة فحسب, بل أيضا حلف شمال الأطلسي وهذا الخلط الخطر بين (السلالات) يبعث على الريبة والشك في لحظة يجري فيها الإعداد لتغيير طبيعة الصراع في المنطقة.‏

وإذا كان القرار الأميركي المفاجىء قد أوحى بشيء إنما بأن إدارة الرئيس بوش لم تستفد من الدرس اللبناني في الثمانينات, ولا من الدرس العراقي المستمر, بل هي تتوغل في اعتماد سياسة القوة أو التلويح بها على الأقل حتى الآن, في سياق الضغط السياسي المكشوف على المعارضة اللبنانية وسورية, مثلما يشكل خطورة أولى في حملة أميركية تصاعدية, تعوض من جهة الفشل الإسرائيلي في حرب تموز 2006 وتستهدف من جهة ثانية تحويل الانقسام السياسي العربي إلى حرب مفتوحة بين العرب, وإن أمكن استخدام (الخطر الإيراني) ذريعة أو التهديد الموجه (لإسرائىل) بأنها ضد منطق التاريخ وأنها لا بد زائلة, لتبرير هذه الحرب التي يمكن أن يختلط فيها السياسي بالديني, وقد يكون ضروريا لإنجاح الخطة الأميركية العمل على إشعال حروب أهلية في أكثر من قطر عربي تحت اللافتة الطائفية أو المذهبية, لتمويه الخطر الحقيقي وهو في أساسه إسرائىلي وفي غطائه أميركي.‏

لقد ارتبكت كل الحسابات الإقليمية الإسرائيلية والأميركية المتعلقة بمنطقتي شرق المتوسط والخليج العربي بفضل وجود العامل السوري الذي بات يشكل عقبة أمام محاولات محور تل أبيب- واشنطن للقيام بتنفيذ عملية انقلاب جيوبوليتيكي يؤدي إلى تغيير وإعادة تشكيل الخارطة الجيوبوليتيكية لمنطقة الشرق الأوسط والأدنى.‏

تشكل مصطلح (دبلوماسية البوارج) خلال فترة حروب الامبراطوريات الأوروبية عندما كانت هذه القوى تبرز قوة أساطيلها البحرية بشكل استفزازي في مواجهة القوى الأخرى المناوئة لها بما يؤدي إلى ممارسة المزيد من العنف الرمزي ضدها بما يدفعها إلى تغيير مواقفها والاستجابة للاملاءات المطلوبة, أو مواجهة التصعيدات الجديدة التي قد تتضمن العمل العسكري, وقد نشطت دبلوماسية البوارج خلال فترة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وخاصة في فترة مرتفعة الشدة التي تضمنت قيام الأساطيل البحرية الأميركيةوالسوفييتية بالمزيد من المناورات والتحركات البحرية التي كانت تهدف إلى تقديم الإسناد للصراع الدبلوماسي بين الطرفين, أما بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط والخليج العربي فقد تصاعدت التحركات الدبلوماسية الأميركية والغربية الهادفة إلى احتواء المنطقتين وإدماجهما ادماجا تاما ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبيرو ولكن كافة التحركات تحطمت في النهاية.‏

دبلوماسية البوارج الأميركية التي سبق أن بدأت منذ فترة طويلة في مياه شرق المتوسط وتوقفت بعد الخسائر الفادحة التي تعرضت لها واشنطن هي دبلوماسية على ما يبدو قد عاودت الظهور مرة ثانية في المنطقة, وبرغم ذلك كما قال أحد خبراء شؤون الشرق الأوسط بمركز سابات التابع لمؤسسة بروكينغز الأميركية, بأن دبلوماسية البوارج لم تثبت أي فعالية في لبنان, وأضاف العديد من الخبراء الأوروبيين أن واشنطن بإرسالها هذا الأسطول الحربي تعترف بما لايدع مجالا للشك أن موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط قد تبدلت, فإسرائىل التي وصلت إلى قناعة راسخة أنها قوة لا تقهر, قد هزمت في لبنان عام 2006 وسوف تلقى المصير نفسه في غزة عام .2008‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية