|
شؤون سياسية قصة الأرض تعود سيرتها الأولى. ومن بقي على الأرض التي اغتصبها الصهاينة, في ليل عربي دامس, يعيد الحكاية: إن (الشعوب التي تنسى ماضيها لا يمكن أن تبني مستقبلاً). ولهذا فإن الفلسطينيين وهم يحيون ذكرى شهداء يوم الأرض, وذكريات الضحايا الذين سقطوا دفاعاً عنها, إنما يحفرون في الذاكرة عميقاً ليستشرفوا المستقبل. الهدف من إحياء ذكرى يوم الأرض هو إحياء روح ذلك اليوم وما يمثله من تحدٍ وتصدٍ وكسرٍ لحاجز الخوف. الخوف في حقيقته كان صدمة استغرق عرب الداخل نحو ثمان وعشرين سنة ليفيقوا من شدتها. فكان يوم الأرض ,فما الذي حدث? تقول الحكاية, والحكاية ليست خرافة, إنها التاريخ الشفوي عند الشعوب, وكلما طال عليها الأمد توقف الرواة عند المعاني والدلالات. المؤسسة الإسرائيلية بكل أطيافها وأطرافها استغربت أن الجماهير العربية تحركت من أجل (إضراب عام) بعد أن صادر العدو 21 ألف دونم من أراضي عرّابة البطوف وسخنين ودير حنا لتخصيصها للمستوطنات الصهيونية في سياق مخطط تهويد الجليل (شمال فلسطين). الذي حرك الجماهير العربية هو (جيل جديد), رفض أن يعيش في أحزمة الفقر التي تغلف كبريات (المدن الإسرائيلية), يعمل أفراده في تنظيف الشوارع التي يقيم فيها الإسرائيليون. وفي علم الاجتماع يقولون: إنهم يعملون في (المهن القذرة). هذا الجيل تمرد من الداخل, وروحه لم تمر بصدمة النكبة الفلسطينية عام 1948 وإن كانت محفورة في الذاكرة التي تطالب الآن بأن يدرس الطالب العربي في مدارس الوطن المحتل تاريخ فلسطين قبل أن يكون هناك يهود. وقد استفاق على وقع الحركة الوطنية الفلسطينية بعد العام ,1965 والزخم الأكبر كان بعد عام ,1967 ليس بسبب الهزيمة وإنما بسبب استعادة الشعب الفلسطيني أنفاسه بجيل جديد عاش تجربة معنى أن يهزم العدو في معركة, كان من محاسن الصدف أن تسمى )معركة الكرامة) 21آذار 1968 نسبة إلى بلدة الكرامة في غور الأردن والتي وجدت صداها في حرب تشرين عام 1973 التي أعادت للعربي عموماً وللفلسطيني خصوصاً ثقة في النفس لها طعم خاص:(هذا العدو ليس قدراً ولكنه قابل لأن يهزم). وبالتالي لا يمكن فهم يوم الأرض إلا في ضوء عودة الحركة الوطنية الفلسطينية عموماً,فقد كانت عملية, من عودة الوعي, تدريجية, تم معها التقاط الأنفاس. فكما كان الجيل الأول (جيل النكبة) كان الجيل الثاني (جيل يوم الأرض) والجيل الناشئ حالياً هو جيل (هبة القدس والأقصى), على ما يؤكده الدكتور جمال زحالقة, رئيس كتلة التجمع الوطني الديمقراطي, الذي يرى أن قضية الأجيال هي مفتاح لفهم كل الأحداث التي شاركت في صنعها جماهير الوطن العربي. يشكل يوم الأرض معلماً بارزاً في التاريخ النضالي للشعب الفلسطيني باعتباره اليوم الذي أعلن فيها الفلسطينيون تمسكهم بأرض الآباء والأجداد, وتشبثهم بهويتهم الوطنية والقومية وحقهم في الدفاع عن وجودهم. وقد شكلت عملية تهويد الجليل, ولا تزال, هدفاً من أهداف الحركة الصهيونية وهاجسها, فقد حدد بن غوريون هذا الهدف بقوله:(الاستيطان نفسه هو الذي يقرر إذا كان علينا أن ندافع عن الجليل أم لا). وقد برر الصهاينة عمليات الاستيلاء على الأرض بأنها أراضٍ للغائبين, وبلغ مجموع الأراضي التي صادرها العدو من أراضي الفلسطينيين الذين بقوا في أرضهم نحو 13 مليون دونم من أصل 27 مليون دونم بينما لم يكن للصهاينة سوى خمسة ملايين دونم فقط. لم يدخر الصهاينة قانوناً أو أمراً إدارياً إلا واستخدموه تحقيقاً للتهويد, فمن قانون الأراضي البور إلى المناطق المغلقة, إلى قانون أملاك الغائبين إلى استملاك الأراضي وصولاً إلى قانون المناطق الأمنية, وربما لن يكون آخر الإجراءات المستخدمة لهذا الغرض إرغام العرب على (رهن)أراضيهم وبهذه الوسيلة تمكن الصهاينة من وضع اليد على نحو مليون دونم من أخصب الأراضي في المنطقة الشمالية, وذلك ضمن إطار سياسة تتماشى مع نظرية صهيونية تقول (ما أصبح في يدنا فهو لنا, وما في يد العرب هو المطلوب لنا). كل هذه الإجراءات دعت الفلسطينيين إلى القيام بخطوات احتجاجية يؤلف بينها شعور بأنهم شعب واحد وأقلية واحدة لها مصالح مشتركة. وقد اعتمدت في هذا السبيل أساليب الدعوة لتحقيق قضايا مطلبية, بدا من أساليب الإصرار على تحقيقها الجماعي والتصدي للسياسة القمعية التي مارستها الأجهزة الأمنية والشرطة والجيش, وأن تدفع الثمن الذي يصل إلى حد الاستشهاد, ذلك لأن المؤسسة الإسرائيلية تمادت في عمليات خنق المدن والبلدات العربية لمصلحة المستوطنات. * كاتب فلسطيني |
|