تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إشكالية الخطاب الإعلامي

فضائيات
الأربعاء 2/4/2008
حسن حسن

لا يوجد تبرير واضح للتناقض الحاصل بين التوجهات التي تتبناها الفضائيات العربية, وسياسة الأنظمة والحكومات التي تمتلكها, فالمشاهد لهذه القنوات يجد أنها قوية وصارمة وراديكالية ومعارضة للسياسة الأميركية,

وترفض الاحتلال الأميركي للعراق وتختار ضيوفها عادة من المعروفين بولعهم بالخطب الحماسية والشعارات الثورية والمنحى التحريضي, وعلى الجانب الآخر نجد أن الحكومات التي تمتلك هذه الفضائيات إما صامتة ولا تفعل شيئا حيال ما يحدث, وإما تصدر تصريحات لا تعني شيئا وذلك لذر الرماد في العيون, ربما لأنها لا تستطيع أن تفعل شيئا تجاه ما يحدث.‏

ما طبيعة المعادلات التي تحكم مثل هذا التناقض? أهو تناقض في التوجهات والأهداف أم أنه مجرد توزيع أدوار متفق عليه بغرض استغلال ما يسمى (الشارع العربي) وتهدئته?! وهل الفضائيات مجرد وسيلة للتشويش وزيادة اضطراب المشهد السياسي والإعلامي العربي لتختلط الأدوار والمواقف أكثر? وهل هي محاولة لاستقطاب أكبر قدر ممكن من المشاهدين لتمرير رسائل ومهاجمة أطراف بعينها بطريقة مغلفة أو واضحة, اعتمادا على وصول الرسالة إلى قطاعات عربية, واسعة بحيث يصبح سلاحا للتهديد وأداة للضغط السياسي?‏

يحاول البعض أن يفسر التناقض بين موقف الحكومات وموقف الفضائيات التي تمتلكها بأنه جزء من حرية التعبير في العالم العربي! وهي إجابة أكثر غرابة من التناقض الذي تحاول تفسيره, فمن الذي يمكنه أن يقول إن مساحة الحرية المتاحة عربيا تسمح لأي وسيلة إعلامية أن تختلف مع توجهات الدولة التي تملكها أو حتى التي تبث من أرضها? ولماذا تقف هذه الديمقراطية المجتزأة عند الإعلام وحده?!‏

إن القضايا التي تناقشها هذه الفضائيات والخطاب الإعلامي الصادر عنها يتناقض تماما مع الممارسات السياسية في الدولة الحاضنة لها من نواح عديدة:‏

تهاجم الفضائيات الأسلوب العربي التقليدي في إدارة شؤون الدولة والحكم وانعدام المشاركة السياسية في الدول العربية, وتتهم الأنظمة الحاكمة عادة بالديكتاتورية وقمع الرأي ومصادرة الحريات وانتهاك حقوق الإنسان, فضلا عن الفساد وسوء إدارة الموارد, وأغلب الدول الراعية لهذه الفضائيات لا توجد فيها مؤسسات للمشاركة السياسية وتوجه إلى الأنظمة السياسية فيها التهم السابقة نفسها وأكثر.‏

تحولت معظم الفضائيات العربية إلى ناطق باسم الشعب العراقي بكل رموزه وطوائفه, وهي تدعو بقوة إلى رحيل الاحتلال وتندد بالسياسة الأميركية, في حين نجد أن الدول الراعية أو الحاضنة للفضائيات تؤيد الولايات المتحدة وترتبط باتفاقيات عسكرية وأمنية معها, وترفض أن تتخذ أي موقف واضح ومحدد تجاه الوضع الراهن في العراق أو تساهم بعرض رؤيتها في مستقبله السياسي.‏

تندد أغلب هذه الفضائيات بسياسة الحكومة الإسرائيلية وتطرفها, في حين أن دولا من التي ترعى هذه الفضائيات تقيم علاقات إيجابية ممتازة سياسيا وتجاريا مع (إسرائيل) وتحرص على تقوية هذه العلاقة وتسليط الضوء عليها إعلاميا حتى في الأوقات التي تنتهك فيها (إسرائيل) كل القوانين والمواثيق وتتحدى المجتمع العربي والدولي باتخاذ أكثر المواقف عنفا ووحشية.‏

من هنا لا نجد تفسيراً لهذه التناقضات الواضحة, وما الهدف من التحالف السياسي والعسكري مع الولايات المتحدة والعداء الإعلامي لها في الوقت نفسه? لو كانت هذه الفضائيات خاصة وشعبية لوجدنا تبريرا لذلك, ولكن هذه الفضائيات حكومية, فهل نستطيع القول إن هناك انفصاما في الشخصية تعاني منه الدول العربية?!‏

إن التناقض الواضح بين الفضائيات العربية والأنظمة المسيطرة عليها سيقود في النهاية إلى مفترق طرق, فإما أن تكون هناك (ثورة تصحيح) للأوضاع من خلال تبني استراتيجية إعلامية واضحة تعمل على تفعيل دور الرأي العام الوطني والعربي وإما يستمر الانفصام الإعلامي كما هو, بحيث نجد أنفسنا أمام (إرهاب) من نوع جديد يضع الدولة في موقف الدفاع دائما عما يصدر عن هذه الفضائيات.‏

الحرية الإعلامية لا تعني الانفلات الإعلامي دون وجود ضوابط وأخلاقيات مهنية تضمن الأخذ بعين الاعتبار مصالح الأمن القومي للدول التي تبث منها, سواء أكانت وسائل الإعلام حكوميةأو ذات ملكية خاصة, لأنها في النهاية محسوبة على السياسات العربية وسوف تنعكس بآثارها سواء السلبية أو الإيجابية عليها, فلا مجال للتطرف أو حمل الشعارات الزائفة في عالم ينظر إلى الإعلام كأداة للمعرفة والتثقيف وتشكيل الرأي العام, وإذا كنا نطمح في تطوير وسائل الإعلام العربية فيجب أن يتم ذلك من خلال خطاب إعلامي واضح ومحدد يهدف إلى دعم المصالح والسياسات العربية ويتوجه إلى العقل والفكر بالحجة والمنطق ويتجنب أسلوب (الطبل الأجوف).‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية