|
شباب فصدر تقرير سنة 2004 عن أوضاع الشباب العربي وتأثير العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحة الإنجابية على مستقبلهم, وقد اعتمد التقرير على مسوحات وطنية وكذلك دراسات إقليمية فرعية ونتائج الندوات المنعقدة حول الشباب, وأوضح كافة الأبعاد المعرفية حول واقع الشباب في المنطقة العربية, كما عرض تقييماً نقدياً للسياسات السلبية للشباب العربي في محاولة لخلق مقاربة عربية وإطار مفاهيمي للمعالجة, وأكد على أهمية مواصلة الخطط البحثية حول الشباب لتلبية متطلباتهم من خلال السياسات الوطنية مستقبلاً وفق الموضوعات ذات الأولوية وتحديد المنهجيات المطلوبة للتصدي لها في ضوء المسوحات الميدانية. وأشار التقرير إلى أن جيل الشباب في الوطن العربي هو الأكبر حجماً مقارنة بالأجيال السابقة, حيث إن المجتمعات العربية في غالبيتها العظمى مجتمعات فتية, فالفئة الشبابية 15-29 عاماً لا تقل نسبتها في الهرم السكاني لغالبية البلدان العربية عن الربع باستثناء قطر 19% والإمارات 22% وتقترب من الثلث في حوالى ثلث البلدان العربية, فنسبتهم في ليبيا 33% وسورية 32% ثم المغرب 31% و 30% في كل من جزر القمر وتونس والأردن, وإذا أضفنا إليهم الفئة العمرية أقل من 15 عاماً سنجد أن ما بين ثلثي إلى ثلاثة أرباع السكان هم في فئة الأقل من 29 عاماً ويعني ذلك أن البلدان العربية أمام انفتاح لنافذتها السكانية أو ما يسمى الهبة الديموغرافية, كما أن البلدان العربية ستشهد خلال العقدين القادمين المزيد من التقدم نحو هذا التحول الديموغرافي ومن ثم تزايد السكان في سن العمل والذين سيكون أغلبهم من الشباب, وأمام البلدان العربية خياران, إما توظيف تلك الهبة للاستفادة من الكم السكاني في سن العمل, وتوفير رأسمال بشري بحاجة إلى إعداد تعليمي ومعرفي أو مهاري, أو الوقوع في فخ هدر رأس المال البشري, الوقود المتجدد لاستدامة التنمية. وحول أوضاع التعليم أوضح التقرير أن نسبة الأمية في الفئات العمرية الشابة قد انخفضت بشكل ملحوظ في الدول العربية خلال العقدين الماضيين فتراوحت ما بين 2.1% إلى 30% بعد أن كانت 39% ما يعني مواجهة ملموسة نسبياً لمنابع الأمية متفاعلة مع جهود محو الأمية غير أن المقارنة بالمؤشرات الدولية تؤكد ارتفاع نسبتها بين الشباب والشابات مقارنة بالدول المتقدمة وحتى في عدد من الدول النامية, وتتفاوت معدلات الأمية لدى الشباب 15-29 سنة على مستوى كل دولة عربية على حده, فتراوحت في تونس بين 3.9% لدى الذكور مقابل 2.35% لدى الإناث وفي الجزائر بين 7.24% لدى الذكور مقابل 5.56% لدى الإناث وفي فلسطين 1% لدى الذكور مقابل 4.1% لدى الإناث وفي الأردن ما بين 8.1% لدى الذكور مقابل 1.3% لدى الإناث. ويعكس ارتفاع نسبة الأمية في البلدان العربية وجود مكونات اجتماعية وثقافية تؤثر على وعي الأفراد والجماعات بأهمية التعليم ولا سيما أن النظم التعليمية العربية باعتمادها على التلقين والتعليم البنكي لا تعد الخريجين للتعامل الإيجابي مع المتغيرات السريعة في أسواق العمل إضافة إلى ثقافة المجتمعات العربية الذكورية التي تسهم في إنتاج التمييز ضد الإناث في مجال التعليم, حيث تحفل تلك الثقافة بقيم ترى أن تعليم الذكور أكثر أهمية من تعليم الإناث وأن تعليم الإناث ليس حقاً أو أنه يمكن قصره فقط على ما يساعد المرأة على القيام بوظائفها الطبيعية كأم وزوجة وفي حالات أخرى يتراجع دور العوامل الثقافية ليصبح الفقر هو العامل الأول وإن تخفى وراء تفضيلات على أساس النوع. وينتقد التقرير عدم التواصل أو الغياب النسبي للتواصل بين الأجيال في الأسرة, معللاً ذلك بعدة أسباب من بينها اختلاف الأبناء في اتجاهاتهم نحو تدخل الأهل لاختيار الأصدقاء, فمنهم من يدافع عن استقلاليته انطلاقاً من قناعته بأنهم صاروا على مستوى النضوج النفسي والاجتماعي, في حين ترى مجموعة أخرى أن تدخل الأهل لا يتوافق في مرحلة التطور الاجتماعي والثقافي الذي تعيشه مجتمعاتهم, كما يرفض بعض الآباء إقامة الأبناء لأية علاقة صداقة مع الجنس الآخر دون معرفة الأهل, بينما تنظر مجموعة ثانية للعلاقة كأمر طبيعي. بعد هذا التقرير نظمت جامعة الدول العربية في تشرين الثاني الماضي منتدى الجامعة العربية للشباب الذي استقطب كل الجهات الحكومية والأهلية العاملة مع الشباب للحوار واقتراح حلول ومبادرات لمشكلات الشباب العربي التي حددت بالتعليم, والتمكين, والمشاركة السياسية, والصحة الإنجابية. بعد هذا المنتدى وقبل شهر أو أكثر بقليل, صدر تقرير جديد عن هجرة العقول العربية, يقول: إن 70 ألفاً من مجموعة 300 ألف متخرج من الجامعات العربية يهاجرون من بلدانهم سنوياً, في حين أن خسائر الدول العربية من هذه الهجرة تبلغ بحسب بعض التقديرات 1.57 بليون دولار سنوياً. وتقول الدراسة إن العمالة العربية المهاجرة تتوزع مناصفة تقريباً بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين بلدان أوروبا (خصوصاً فرنسا وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وهولندا) وأيضا الولايات المتحدة وكندا اللتان تتميز الهجرة إليهما بارتفاع المستوى التعليمي بين أفرادهما مقارنة بالهجرات العربية إلى الدول الأخرى. وأضافت أن نسبة المهاجرين العرب الذين يقصدون دول مجلس التعاون الخليجي انخفضت من 72 في المئة عام 1975 إلى 31 في المئة عام 1990 ثم إلى ما بين 25 في المئة و29 في المئة عام ,2002 موضحة أن هذا التراجع كان لمصلحة العمالة الآسيوية التي أصبحت تشكل نحو ثلثي العمالة الوافدة إلى دول الخليج. ونبهت إلى ارتفاع نسبة المتعلمين بين المهاجرين العرب الجدد وتنامي هجرة العقول, إذ ارتفعت على سبيل المثال نسبة المهاجرين من الحاصلين على الثانوية العامة في المغرب من 20.2 في المئة ما بين عامي 1970 إلى 1984 لتصل إلى 44.1 في المئة, فيما ارتفعت نسبة الجامعيين خلال الفترة نفسها من 5.9 في المئة إلى 15.8 في المئة, كما تنامت هجرة الكفاءات المتخصصة من ذوي التحصيل العلمي المرتفع. ومع ذلك أشارت الدراسة إلى أمر إيجابي لهذه الهجرات تمثل بزيادة حجم تحويلات المهاجرين العرب وتأثير ذلك الأمر إيجابياً, إذ شكلت تحويلات المهاجرين إلى مواطنهم الأصلية أحد أهم مدخلات تحسين العجز في النقد الأجنبي ومعالجة الخلل في موازين المدفوعات, كما أسهمت تلك التحويلات في تمويل بعض مشاريع التنمية في الدول العربية المرسلة للهجرة, مشيرة إلى أن حجم هذه التحويلات لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعادل 3.8 مرة حجم المساعدات الحكومية التي تتلقاها هذه الدول. غير أن الأمر ليس كله طيباً, فهجرة العمالة العربية تتسبب في خسائر مركّبة نتيجة هدر ما أنفق على إعداد هذه العمالة تعليمياً وصحياً من استثمارات, وهدر فرص الاستفادة منها في التنمية الوطنية والإقليمية وارتفاع كلفة الكفاءات الأجنبية التي تحل محلها في المشاريع التنموية. وقدّرت بعض الدراسات خسائر الوطن العربي بسبب هجرة الكفاءات بنحو 1.57 بليون دولار سنوياً, كما لفتت إلى أنه في الوقت الذي تزيد فيه هجرة الكفاءات العربية, فإن هناك انحساراً متزايداً في الطلب الخارجي على العمالة غير الماهرة, ومن ثم تراكم أعدادها, ما يؤدي إلى تفاقم البطالة في الدول العربية وما يترتب عليها من تهميش اقتصادي وتزايد معدلات الفقر. يمكننا القول, مهما كانت تلك النتائج مخيفة, إلا أن كل شيء واضح حول مشكلات الشباب,ولا ينتظر إلا البداية باتخاذ القرارات وتصميم السياسات, واليوم مع انعقاد القمة العربية في دمشق, واقتراح سورية أن تكون مشكلات الشباب العربي في أولويات أعمالها, ننتظر أن تكون تلك الأرقام والدراسات معطى أساسياً للبدء بتغييرها بعمل عربي مشترك يغير وجهة هجرة الشباب, ويتيح لهم فرصاً جديدة ولأمتنا النهوض. |
|