|
شؤون ثقا فية متنقلاً, متجاوزاً الحياة الرعوية التي عجزت عن انتاج عرض مسرحي سوري طيلة السنوات الماضية, الى حياة الفروسية التي تعطي دون ان تنتظر أجراً. مهرجان وإن اعتمد على العرض المحلي, فليس لأنه يذهب الى السهولة, والى الرؤية الأحادية-بل ليكشف زيف المسرحي الذي يتزين بالمسرح ليقضي عليه- فلا ينتج إلا العروض المشغولة باكسسوارات, حركات,حوارات وضيعة وفجة ومبتذلة, تفوح منها روائح الغدر بالمسرح. إذ ما معنى ان المسرح السوري منذ نهاية السبعينيات من القرن المنصرم والى الآن, لم يقدم عرضاً مسرحياً يكون حدثاً (عقلياً) . مئات العروض, مئات الملايين من الليرات السورية لم تكشف عن موهبة, عن عبقرية, عن بطل سوى عرض, عرضين , خمسة عروض, وليكن عشرة , عشرين عرضاً. وكأن لعنة ما اصابت العقل السوري, فيصير مسرحه يعمل على تدمير أسس القيم- قيم الجمال, وأسس الأخلاق-الأخلاق الشعبية, وكأننا نتعرض لعملية اختراق, عملية غزو ثقافي. فنشاهد عروضاً مرة باسم التجريب المسرحي!! , ومرة باسم المسرح التجريبي!! ومرة باسم المسرح الملحمي, ومرة.. ومرة.. على انها عملية بحث عن ( العبقري-العبقرية) المسرحية وباسم المثاقفة, ما يبين عن سياسة مسرحية تعمم الجهل على انه العلم , وتدعم التخلف على انه مشروعنا الحضاري, مسرح صار يشوه ثقافتنا القومية, الوطنية, مسرح مسرحيون يضعون قناع الفهم على وجوههم, لكنهم عندما يتحدثون من على منصاتهم, منابرهم, بصفتهم مسؤولين , فيتحدثون بطرق, بكلمات تبطن غير ما تعلن, على ان الجمهور المسرحي ساذج فيما هم الاذكياء العالمون ,مسرحيات مديرية مسارح تقدم عروضا تستاهل ان نعلق لها خرزة زرقاء وخشخيشة. الى أين تذهب المديرية في وجداننا المسرحي, أين ذهبت بالجدية وبمسؤليتها عن العقل,عن نبالة العقل .المسرح السوري الذي عند سعدا لله ونوس وممدوح عدوان وجهاد سعد ومحمد الماغوط وآخرين?.. إذ منذ تسلم د. عجاج سليم مديرية المسارح وورشات الحكي والتصريحات لا تنتهي, بل وعمليات قتل المسرح تتم بأعصاب باردة, وكأن القضاء على الحالة المسرحية هي ما يجب ان ينجزه د.عجاج, فيخرج من ذلك بطلاً تاريخياً مسرحياً. ماذا فعل مدير المسارح والموسيقى? نفض البناء?! بدل الفرش? اقصى وأزاح الموظفين الذين لا يدينون له بالولاء والطاعة?! تعالوا نرى بالمقابل ماذا فعل (مهرجان الشام المسرحي) في دورته الثالثة من 13 الى 23 آذار 2008 والذي يديره الفنان زيناتي قدسية ولا تدعمه او تموله الدولة بل هو ثمرة تعاون مشترك ما بين ثلاث مؤسسات, اثنتان منهما مدنيتان, مجموعة ماس الاقتصادية وشركة العين للانتاج الفني. وواحدة رسمية هي (اتحاد شبيبة الثورة) لقد فعل ما لم تفعله مديرية المسارح المسؤولة المباشرة عن النهضة المسرحية وفي سنواته الثلاث التي هي عمره حتى الآن, فكشف عن مواهب لمبدعين ومبدعات في التمثيل والإخراج والتأليف والإعداد والسينوغرافيا. جاؤوا الى المسرح من خارج المؤسسة الرسمية وتعجز مديرية المسارح عن كشفهم /اكتشافهم, واذا لزم ان تقوم بهذه المهمة فيلزمها زمن قد يصل الى100 عام, والى أموال قد تصل الى مئات الملايين من الليرات السورية, على قاعدة ان اكتشاف الثروة-هنا معرفية- يلزمها انفاق وهبش ثروات الثروات. فمن أصل عشر مسرحيات, وليس اربعين أو خمسين أو مئة مسرحية كما في انتاج المديرية, ان لم يكن المئات, نرى ان هناك خمس مسرحيات على الأقل تستحق الكثير من الجوائز للمشتغلين فيها من مثل مسرحية (العقرب) عن نص لنجيب محفوظ أعدها وأخرجها زيناتي قدسية, ومسرحية مونولوج داخلي من تأليف وسينوغرافيا وإخراج سعيد حناوي ومسرحية (رباعية الموت) تأليف آرييل درخمان إعداد وسينوغرافيا وإخراج يوسف شموط, ومسرحية (مشاجرة) تأليف يوجين يونيسكو وسينوغرافيا واخراج زهير البقاعي ونضال صواف. مسرحيات بسيطة صنعها أناس يحبون المسرح - لا يكرهونه, ولا يدعون انهم مبشرون او مستكشفون, او أنهم ممن اصطفاهم ليستولوا على سمعنا وبصرنا فيسطحون وعينا, ويعطلون عقلنا ويشغلونه (شوفيراً) لحسابهم على انهم نخب الأمة. كم الفرق بَيّنٌ بَيْنَ هاتين العقليتين, عقلية تهيمن وتتسلط وتمزج السم بالدسم, فلا يبقى من شخصيتنا المسرحية العربية سوى العظم, وعقلية تتبرع بأموالها وبعقلها لتصنع لحظة /حالة مسرحية بمنتهى النبالة, وهي تواجه خطر الغزو العولمي الامريكي للثقافة والمسرح العربي?! |
|