تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


في مسألة(الهُوّية) .. المفهوم والمحددات المعرفية..

آراء
الأربعاء 2/4/2008
يوسف مصطفى*

كانت التحديات الكبيرة التي واجهتها الأمة العربية بدءاً من سقوط بغداد على يد هولاكو عام 656 هجرية إلى مجيء الحملة الأفرنجية ثم المرحلة العثمانية ,إلى الاستعمار الأوروبي الحديث عبر سايكس بيكو وغيرها من احتلال مصر, وليبيا, والجزائر وسائر المغرب العربي..

إلى قدوم المشروع الصهيوني للمنطقة وتداعياته المفتوحة وجراحه اليومية في فلسطين.. إلى احتلال العراق, وسقوط بغداد الثاني عام 2003م إلى كل ما يعتري الأمة العربية من تشتت وتمزق وضعف.. أقول : كانت هذه التحديات, وستبقى هاجساً لدى كل وطني وقومي ولدى كل مثقف ومتنور ولدى كل سياسي وقائد ليسأل ما العمل?!.. كيف تكون بدايات الخلاص?! من أين?!.. متى?! كيف? الى آخر ما هنالك من أسئلة كبيرة تلح في داخل كل مواطن عربي انتمى لهذه الأمة ورغب في وحدتها وخلاصها.‏

كثرت التحليلات, وكثر ارجاع الأسباب لجهاتها المختلفة.. لكنها في المحصلة أسباب ذاتية وموضوعية الذاتية ترجع إلى وضعنا العربي وما آل إليه وعدم قدرة العرب منذ الاستقلالات الوطنية في الاربعينيات والخمسينيات وحتى اليوم على انجاز مشروع الحد الادنى القومي الاقتصادي والسياسي والتضامني وهذا له اسبابه ولانريد الدخول فيها الآن, والثاني العامل الخارجي.. كون المنطقة مستهدفة في المشاريع الغربية وتحديدا الأميركية باتجاه احتوائها وتكييفها لمصلحة المشروع الصهيوني والمصالح الاقتصادية الأميركية الغربية.. وأنا أجزم أن العامل الذاتي هو الاساس في ضعفنا وإلا لما استطاع العامل الخارجي تحقيق كل أغراضه ومراميه فجزء كبير من أدواته عربية.. مالا, ومساعدة وتنفيذا.‏

هذه المعاني السابقة تقودني إلى مسألة ما العمل?. وكيف يكون الخلاص?.. أنا أفترض أن الرهان على الشعوب وحيويتها وحركتها وثقافتها وإرادتها وإعادة تأسيس وعيها القومي من الابجديات الأولى: الوطن, الأمة, الهوية, الماضي ,الحاضر, المستقبل, الحضارة,الدور , الموقع, كيف نبدأ... إلى آخر ما هنالك من أسئلة قومية كبيرة وكثيرة كتب عنها, وسيكتب الكثير.‏

افترض أن هذه القضايا مركزية ومهمة ويجب أن تثار ويثقف بها, ويكتب عنها, وتعاد للذاكرة الجماهيرية.‏

مقاربتي اليوم هي لمفهوم ( الهوية باعتباره مرتبطاً بالمفهوم الوطني, والمفهوم القومي.. وبالتالي مسألة وعي الذات.. ووعي الآخر.. وموقع الذات ودورها في التعامل مع الآخر.. فوعي الذات العربية على صعيد الفرد والجماعة والوطن والأمة.. ثم مقومات هذه الذات وموقعها وفعلها.. هذه هي المقدمات لوعي الآخر (الغرب) وما يريد وكيف نتعامل معه, وما الخيارات.‏

الوعي هنا ثنائي الثقافة, وعي الذات الوطنية والقومية وعيا معرفياً وتاريخياً, وسياسياً, واقتصادياً, ووعي الآخر وامكاناته, ومشروعه وماذا يريد كي نستطيع التعامل والرد ومن موقع يقارب الندية والتبادلية المشروعة خلاف الغلبة, والفرض والهيمنة إذا كان للموقع دور فيتكوين الهوية لأية أمة.. فالوطن العربي يقع بين قارات ثلاث آسيا, وإفريقيا وأوروبا, هذه الوسطية أعطته دوراً تاريخياً , وتجارياً, وثقافيا وتواصلياً, مع حضارات الشرق الأوسط..مع الحضارة الأوروبية الحديثة..هذا يعطي المنطقة العربية خاصية الانفتاح, وبالتالي التثاقف الحضاري والندية, هذا الانفتاح مفترض أن يغني /الهوية العربية/..هذه الهوية التي لها جذورها, وقد تكونت عبر سلسلة من التطورات الاجتماعية, والفكرية أكسبت /الهوية/ صفاتها, وأبرزت عناوينها, وملامحها..فكانت هوية جمعت /الأصالة والمعاصرة/..فالموطن, والموقع, والثقافة جميعها مسيرة تطور متصلة لها محدداتها, ودوائر تأثيرها, وإن لم تكن موحدة دائماً.ويبقى للعامل الثقافي دور مركزي في بلورة/الهوية/ وإبرازها.‏

شاع استخدام مصطلح /الهوية/ كثيراً في الكتابات الفكرية, والأدبية, والسياسية, هوية الأمة , هوية الفكر, هوية العمل الأدبي, أو الفلسفي إلخ..لاشك أن استدعاء أي /مفهوم/ وتداوله يرتبط بالتحولات المجتمعية, والأزمات, والإشكالات التي تطرحها مرحلة, أو واقع معين.‏

مقاربتي لمفهوم الهوية اليوم هو من موقع معرفي ثقافي..لماذا المعرفي? الجواب: لأن الآخر الغربي الأمريكي تحديداً يخطط للمنطقة عبر رؤيته التي تحدد هويتها, ودورها.. قد يكون طرح مسألة /الهوية/ في الداخل الوطني الغربي سببه زيادة عدد المهاجرين لهذه البلدان, وتشكل ثقافات, وأنماط اجتماعية, وبالتالي ولادة مشكلات داخلية تتعلق بهؤلاء ودورهم في المجتمعات الغربية, والرؤى السياسية هناك مختلفة بعضها يرفض هؤلاء, ويدعو لتهجيرهم وعودتهم, وبعضها يبحث عن موقع, وآلية تعامل معهم.. في إطار مفهوم /الهوية/.‏

إن التطورات التي شهدتها المنطقة العربية, أوضاع فلسطين, حروب الخليج, الحرب اللبنانية, مشكلات الجزائر, الأقليات إلخ..أعاد مسألة طرح سؤال /الهوية/. الهوية كما تبدو في الحالة العربية تأخذ مظاهر مختلفة منها: الطائفي..الأصولي..المتعصب..القطري..القومي إلخ... ما أدى لظهور الدعوات المحلية في شمال العراق, في الجزائر, في جنوب السودان,في لبنان إلخ وكلها تعبيرات تميل إلى التجزئة, والبعد عن الاندماج, وتعود إلى ثقافة محلية, وطموحات زعامية, ترتدي عناوين, وهويات مختلفة وذرائعية يذكيها الدعم الخارجي لمشروع التجزئة العربية.‏

في التعريف لايوجد تعريف متفق عليه لكن المؤدي الضمني للدلالة هو: الهوية هي الشخصية التي لها خصائص ومكونات معينة.‏

اللغة.. الدين.. التاريخ.. الثقافة إلخ..وتختلف أهمية كل عنصر من عناصر تكوين الهوية, وأولويته: (اللغة..الدين ) الهوية بمعنى ما ليست حالة جامدة..بل هي واقعٌ حيوي يجب إغناؤه, واعتباره سيرورة, ومساراً اجتماعياً وتعبيراً عن ثقافة, وذاكرة جماعية..الهوية ليست /انموذجاً وراثياً /. بل هي بناء, وتنام معرفي..هي مشروع يجب أن يشتغل عليه لبلورته دائماً, وإغنائه وشرحه.‏

وتحريك الجماعة باتجاه وعيه ومتطلباته.. فإذا كنا نتحدث مثلا عن الهوية الوطنية..فهي هنا الوعي بأهمية الأوطان, وقيمتها, وأساليب بنائها, ودور الفرد والجماعة في هذا البناء ومسألة الحقوق والواجبات.. ووفق ادراكنا لهذه المحمولات ووعينا الممارس لها تتحقق هويتنا الوطنية. فهي هنا فعل حركي وليست سجلا أوبطاقة مكتوبة.‏

قد تأخذ الهوية مساراً ايديولوجياً باتجاه سياسات وأهداف معينة.. وبالتالي تتحدد الهوية وفق المسار الايديولوجي وقد يكون غير قومي, وله انتماءات أخرى.‏

يرى بعض الكتاب والمثقفين العرب ومن موقع الرؤية القومية أن غياب العرب عن التأثير في الخارطة الحضارية العالمية, والسياسية أفقدهم الذاتية والهوية وأصبحت مرجعيتهم المعرفية مرجعية انكفائية وأن هويتهم هي في الماضي, وهذا معنى غياب العرب كذات وهوية عن التأثير في المسار الحضاري والسياسي العالمي.‏

أنا أفترض أن الهوية هي وعي الذات, الذات الفردية والجماعية.. الفردية لمعرفة الدور والموقع, والامكانات ونوع المعرفة وشكل المساهمة وتنمية الذات لتكون قادرة على العطاء دائما, هذا الوعي ذاتي له ثقافته ووعيه المعرفي, ومرجعيته الفكرية ونشاطه العملي ومحدداته لدى الفرد.‏

أما وعي الذات الجمعية فهذه مسألة يدخل فيها تأثير الفرد في الجماعة و وعيها, وبالتالي يقظة الجماعة في المستويات الاجتماعية المختلفة , الأسرة ,المجتمع, المدينة, الجماعة الوطنية باتجاه حالة احيائية تعي فيها دورها وموقعها, ومساهماتها..‏

يتكامل الحراك الفردي مع نهوض الجماعة فتشكل الرؤية العملية لوعي الهوية والموقع والفعل والدور.‏

في ثقافة الهوية عربياً هناك مستويان رئيسيان في ثقافة الهوية.. المستوى الوطني وكيف نعي الأوطان وبناءها ونملك شرف الانتماء لمشروعها كأساس في وعي الهوية القومية, أي الانتماء للأمة رؤية وثقافة ,هذه هي الهويات الأصيلة التي يجب أن نقرأها, ونثقف بها وبمفرداتها وأدواتها فهي هويات الكبرياء والارتقاء والتحرر والبناء والمستقبل.‏

أما الهويات الاخرى التي يشتغل عليها في مكان آخر من :طائفية ومذهبية واقليمية ضيقة ونزعات محلية.. فهي هويات الانحسار والترديُ والتلاشي والزعامات المحلية وهي لن تبني أوطاناً ولا أمة فخيار الهوية الأصيلة.. خيار وطني قومي.‏

*كاتب وباحث‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية