تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


النمو ودائرة التخلف الجهنمية

اقتصاديات
الخميس 14/2/2008
د.حيان أحمد سلمان

النمو الاقتصادي ليس هدفاً بحد ذاته, بل وسيلة لتحقيق غاية وهدف أسمى وهو تحقيق التنمية التي تختلف عن النمو بأنها عامة وشاملة, وبالتالي يجب تسخيره لتعزيز التنمية التي تتجلى بتوسيع خيارات الفرد ضمن المجتمع من إشباع للحاجات المادية والمعنوية (لباس, سكن, صحة, غذاء, تعليم, استجمام...الخ)

وهذا يتوقف على معدل النمو الاقتصادي وعدالة توزيع الناتج الإجمالي, ويستخدم التغير في معدل الفقر للتعبير عن المؤشرين السابقين, وانطلاقاً من هذا دعت أغلب دول العالم في مؤتمر قمة (التنمية الاجتماعية) عام ,1995 والتي مهدت للمؤتمر العالمي في مقر الأمم المتحدة في أيلول عام 2000 والإعلان عن الأهداف الإنمائية للألفية, وتضمن ثمانية أهداف, وأولها التقليل من الفقر و وضع مؤشر رقمي لذلك يتراوح بين الفقر والفقر المدقع, وحدد معدل الدخل المقابل لذلك بدخل يتراوح بين دولار ودولارين في اليوم للشخص الواحد, والسعي لتخفيض النسبة إلى أقل من نصف ما كانت عليه عام ,1990 هذا يذكرنا بقول الإمام علي كرم الله وجهه عندما قال: (لو كان الفقر رجلاً لقتلته) وتتجلى آثاره في كل جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية...الخ.‏

ولكن سنركز على العلاقة بين معدل النمو الاقتصادي ومعدل الفقر, حيث إن هذا لا يتوقف على الجانب الاقتصادي, بل يتداخل فيه الاقتصادي مع الاجتماعي وإلى حد ما السياسي, وبلغة رقمية يجب أن يكون معدل النمو الاقتصادي معادلاً على الأقل ثلاثة أمثال معدل النمو السكاني لتقليل معدل الفقر, وتعتمد الأسعار الثابتة وليست المتغيرة, لإبعاد التأثيرات السلبية لمعدل التضخم الذي يتجلى بانخفاض القوة الشرائية لوحدة النقد الواحدة, وهنا يكمن المأزق العربي برأينا للأسباب التالية:‏

1- بلغ معدل النمو السكاني بشكل وسطي في الدول العربية لعام 2006 (2.3%) ولكن معدل النمو الاقتصادي بلغ 5.7% تقريباً, وهو أقل مما يجب أن يكون عليه بحده الأدنى 7% وبالتالي لم نتمكن من القضاء على الفقر, وبقيت نسبته في الوطن العربي مرتفعة حسب التقرير الاقتصادي العربي الموحد ولآخر البيانات المتوفرة) فقد بلغت على سبيل المثال في عدد من الدول العربية كما يلي:‏

(موريتانيا 47% - اليمن 42% - مصر 17% - الجزائر 12% - سورية 11.4%) مع الإشارة إلى أن مقياس الفقر المعتمد في سورية كان مبلغ 1458 ليرة سورية شهرياً.‏

2- في ظل ارتفاع الأسعار في أغلب الدول العربية ومع الموجات التضخمية العالمية فإن دولار أو دولارين لا تكفي للحد الأدنى من متطلبات الحياة الأدمية, وهذا ما يتطلب وضع سياسة اقتصادية عربية موحدة لزيادة وتنويع مصادر الدخل, وتشجيع المؤسسات الاستثمارية العربية وحثها على الاستثمار في الأرض العربية, وزيادة الكفاءات ومستوى التعليم بحيث تتناسب مخرجات العملية التعليمية مع متطلبات سوق العمل, وزيادة المشاريع الصناعية لأن الصناعة هي قاطرة التنمية عن طريق إقامة العناقيد الصناعية وبما يتناسب مع الثروات الطبيعية الموجودة..الخ.‏

3- إن ارتفاع معدل الفقر يؤدي إلى تهميش المجتمع وزيادة الأمية بسبب النزوح المرتفع من التعليم وبالتالي ترتفع معدلات البطالة وهكذا ندخل في الدائرة الجهنمية للتخلف, فكما أن العلاقة بين النمو والفقر علاقة عكسية, وبين الفقر والبطالة علاقة طردية وما وجد الفقر في مكان إلا ووجدت المشاكل الاجتماعية والسياسية..الخ, وهنا نجد التفسير العلمي والعملي لانخفاض المتوسط العربي لدليل التعليم إلى 0.66% بينما بلغ في الدول النامية 0.72% والدول المتقدمة 0.95% وعلى صعيد العالم بشكل وسطي 0.77%.‏

إذاً لمعالجة الفقر نحتاج إلى معدل نمو مرتفع وتوزيع عادل له, وعوامله داخلية وليست خارجية وتكمن في رؤية اقتصادية علمية وعملية, وفقاً لرؤية استشراقية منطقها وغايتها الإنسان.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية