تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كيف يقرأ انتصار لبنان وسورية على الإرهاب في الجرود؟

متابعات سياسية
الأثنين 28-8-2017
بقلم: العميد د. أمين محمد حطيط *

أما وقد انتهت معركة تطهير القلمون السورية والجرود اللبنانية من الإرهاب وبلغت المعركة التي خاضها الجيش العربي السوري والجيش اللبناني والمقاومة أهدافها بدقه متناهية وبشكل يمكن وصفها فيه بالمعركة النظيفة

حيث أن الثمن الذي دفع يعتبر منخفضاً جداً قياساً على حجم الإنجازات التي تحققت، فإن ما حصل في الميدان يؤكد على مسائل بالغة الأهمية على صعد مختلفة.‏

ففي الميدان والأمن أكدت المعركة الواحدة ذات التسميتين التي خاضتها الأطراف الثلاثة حقيقة راسخة عند المعنيين بشؤون الامن والدفاع تتصل بمنطق الأمن القِطري المستقل المنطق الذي عفا عليه الزمن في ظل ثورة الاتصالات والمواصلات والمصالح الدولية والفضاءات الحيوية الاستراتيجية للدول. وأكد أن الأمن لا يمكن أن يكون إلا إقليمياً في حده الادنى، وأن أي كلام عن حياد في ميدان مشتعل او نأي بالنفس في منطقة متصدعة هو كلام هراء، وهنا نجد كيف أن تطبيق هذه النظريات العقيمة في لبنان أدى الى كارثة ومآسٍ لحقت بالجيش وعناصره وبلبنان، أما انخراط لبنان عبر جيشه وبقرار رسمي وطني في الحرب على الإرهاب جنباً الى جنب مع سورية، فقد أدى مكاسب للبنان أولاً، حيث تم الكشف عن مصير العسكريين المخطوفين وابعاد لبنان عن خطر الإرهاب وتحدياته الأمنية والعسكرية على حد سواء.‏

وفي العلاقات البينية فقد أكدت موافقة سورية على الاتفاق الذي أبرمه حزب الله مع الإرهابيين بعد استسلامهم كلياً أن المسائل الدولية المشتركة الكبرى لا يمكن أن تحل بشكل منفرد بمعزل عن الأطراف الذين يتأثرون بها، وبالتالي أي مكابرة في هذا الصدد ليس من شأنها إلا ان تعقد المسائل وتبعد الحلول.‏

أما في العمليات العسكرية.. فقد تأكد ان حسم المعركة في القلمون والجرود بهذا الشكل ما كان ليحصل لو لم يكن الضغط الهجومي قد تم بهذه الكثافة نتيجة مشاركة الجيشين العربي السوري واللبناني والمقاومة وبشكل منسق وبهذا التكامل والفعالية، وبالتالي لقد استفاد جميع الأطراف من مساهمتهم في المعركة ما جعل العدو الإرهابي يخوض معركته على مرحلتين: الأولى القيام بالقتال التراجعي وتجنب المعارك الضارية الحاسمة وهذا ما وفر على القوى المهاجمة الكثير من الخسائر، والثاني مرحلة الاستسلام النهائي ومن غير شروط، وقد يكون ختام المعركة بهذه الطريقة وعلى هذا الوجه من الاستسلام يحصل للمرة الأولى في سياق الحرب الدائرة منذ سبع سنوات في سورية .‏

ومن جهة التكتيكات وأنماط القتال، فقد أدى جميع الأطراف وكل وفقاً لطبيعة تكوينه العسكري إبداعا في الميدان ونفذوا مناورات قتالية احترافية أدت الى تسريع الإنجاز في المهل الأدنى وضمن معايير الخسائر الأقل، ويسجل للجميع حسن استعمال المدفعية والطيران وشجاعة عنصر الحركة من مشاة وقوات وخاصة ودقة التخطيط والتنسيق الذي جعل التناغم واضحاً بين اداء جيشين ومقاومة يعملون على جبهات ثلاث في الأن نفسه.‏

أما من جهة القانون الدولي الإنساني فقد أكد الأطراف الثلاثة مدى حرصهم على حياة الانسان حتى لو كان عدواً، فالمهم لديهم كان تحقيق الإنجاز العسكري الذي إذا تحقق يتوقف القتال في أي مرحلة كانت، وهذا ما يؤكد البعد الإنساني لدى الجيشين والمقاومة، بخلاف ما يرتكبه الارهابيون ورعاتهم من جرائم ضد الانسانية ومن قتل لمجرد القتل والقتل لبث الرعب في النفوس.‏

أما من حيث النتائج وهذا هو الأهم بالنسبة لما يدور في المنطقة فقد تحقق منها ما هو بالغ الأهمية والذي سيحتل موقعا مميزاً في سجل تاريخ الحرب على سورية والمواجهات الدفاعية التي خاضتها سورية والحلفاء ونسجل في هذا الإطار ما يلي:‏

1) استعادت سورية كامل السيطرة على حدودها مع لبنان وبالتالي باتت هذه الحدود أول حدود مع دولة مجاورة تستعيد سورية السيطرة عليها، ولهذا دلالات بالغة الأهمية بالنسبة لمسار الحرب على سورية، ولنتذكر بأن فقدان السيطرة على الحدود كانت احدى اهم عوامل الضغط الرئيسية من قبل قادة العدوان للقول بان هدف اسقاط سورية ممكن التحقيق.‏

2) استعادت سورية كامل السيطرة على القلمون وطهرت المنطقة بالكامل من الإرهابيين الذين اجتُثوا منه كلياً، وبهذا دخلت المنطقة الغربية لدمشق مع الطريق الدولي حمص دمشق دائرة الامن تحت سيطرة الدولة السورية.‏

3) عطل استعمال لبنان كقاعدة للمس بالأمن السوري وكقاعدة لتحشيد وتجهيز الإرهابيين لإرسالهم الى سورية، وكذلك دخل لبنان مرحلة طمأنينة بعد ان اجتث التهديد العسكري الذي استهدف وحدة ارضه، كما ارتفع سقف الامن الوطني بشكل يرخي بظلاله الإيجابية على كامل الوطن، وباتت الجهات الأمنية أكثر قدرة على ملاحقة الخلايا في الداخل وفي هذا درس مهم لدعاة فصل لبنان عن سورية، حيث يجدون ان لقاء البلدين يحفظ مصالحهما الأمنية معا وابتعادهما فيه ضرر للطرفين.‏

4) اكدت المقاومة قدرتها على العمل المنسق في مسرح عملاني يعمل فيه جيشان تقليديان، وعاشت المقاومة مع الجيش اللبناني أياماً تاريخية وهما يقاتلان جنباً الى جنب ويتبادلان المعلومات والخبرات وفي هذا تطبيق عملي وعميق للمعادلة الذهبية «جيش وشعب ومقاومة».‏

5) اما عن إسرائيل وأميركا فقد علمتا جيداً أن الإرادة الوطنية اللبنانية والسورية تصران على اللقاء ولن يكون فصل بين البلدين، ولن يكون الإرهاب هو البديل الناجح الذي يحقق اهداف المشروع الصهيو أميركي في لبنان وسورية.‏

* استاذ جامعي وباحث استراتيجي - لبنان‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية