|
شؤون سياسية وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى كتاب الصحافية الكندية «ناعومي كلاين» الجديد والذي أثار ضجة عالمية عندما صدر في نيويورك عام 2007 تحت عنوان مثير:«مذهب الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث» ففي هذا الكتاب تشريح دقيق لبنية الرأسمالية المتوحشة يقوم على مفهومين «الصدمة والكارثة» وتقصد بالصدمة إحداث تغييرات جوهرية عنيفة في الاقتصاد لكي تصبح حرية السوق مطلقة وإلغاء جميع صور تدخل الدولة، وخصخصة المشاريع العامة في التعليم والصحة وفي الإنتاج بجميع صوره ويتم ذلك عن طريق إحداث صدمة شبيهة بالصدمات الكهربائية التي يعالج بها الأطباء النفسيون بعض المرضى العقليين، كما إن صقور الإيديولوجية الرأسمالية المتطرفة عادة ما يستفيدون من الكوارث الطبيعية أو غيرها التي تحدث في أي بلد لتطبيق سياستهم الاقتصادية التي تقوم على حرية السوق حتى لو أضّر ذلك بملايين المواطنين، ما يترتب عليه ثراء القلة ثراءً فاحشاً على حساب ازدياد معدلات الفقر بين البشر، وتضرب «ناعومي كلاين» مثالاً بارزاً على ذلك بالإعصار الذي أطلق عليه في الولايات المتحدة الأميركية -كاترينا- والذي اجتاح منطقة نيواورليانز ودفع بسكانها وأغلبهم من الفقراء بالنزوح عنها، فقد هجمت عليها الطغمة الرأسمالية من المستثمرين المغامرين وقرروا بدعم وتأييد إدارة الرئيس بوش تحويل المنطقة إلى منتجعات سياحية ومنع السكان الأصليين من العودة إليها « ويبدو أن هوس إقامة المنتجعات السياحية أصبح علامة مميزة على هذا النمط الجديد من الرأسمالية المتوحشة». لكن أخطر ما ذهبت إليه «ناعومي» في كتابها المثير أن الرأسماليين الجدد إن لم يجدوا كارثة طبيعية أو اجتماعية لكي يحولوها ضد مصلحة الأغلبية من الناس إلى فرصة للاستثمار الذي يعود عليهم بملايين الدولارات فإنهم يختلقون هذه الكوارث اختلاقاً. وتضرب «كلاين» أمثلة عديدة من أميركا اللاتينية في عهد الديكتاتور «بنيوشيه» إلى الغزو الأميركي للعراق الذي أدى إلى غزو الشركات الأميركية الكبرى للأسواق العراقية بعد أن تم تخريب البلد وإلغاء جميع مؤسسات القطاع العام والتحول إلى الاقتصاد الحر حيث جنت هذه الشركات مليارات الدولارات من خلال الاستثمار في عقود «إعادة الإعمار» والفساد والنهب المنظم بالتعاون مع بعض العملاء العراقيين في الحكومات التي تشكلت في ظل الاحتلال الأميركي. وإذا استعرضنا ردود الفعل المؤيدة لكتاب «ناعومي كلاين» نجد من بين المؤيدين المتحمسين أسماء كبيرة مثل المؤرخ الأميركي الشهير «هواردزين» المعارض للغزو الأميركي للعراق وصاحب كتاب «تاريخ شعبي للولايات المتحدة الأميركية» الذي سجل فيه تاريخ الاستغلال الأميركي من وجهة نظر المقهورين ابتداءً من الهنود الحمر حتى مغامرات الطغمة العسكرية الأميركية في حرب فيتنام وكذلك الأكاديمي الانكليزي المعروف «جون غراي» مؤلف كتاب «الفجر الكاذب» الذي ينتقد فيه العولمة نقداً لاذعاً وتمت ترجمة الكتاب إلى العربية ونشر في «المشروع القومي للترجمة في مصر». عندما كتبت ناعومي كلاين كتابها في عام 2007 كانت الرأسمالية في عز ازدهارها ولذلك جاءت نظريتها لتثبت أن هذا الازدهار مصطنع، لأنه يقوم على إحداث الصدمات في بيئات المجتمعات من ناحية وهو نتيجة للكوارث الطبيعية أو الاجتماعية من ناحية أخرى، ما أتاح الفرصة للمستثمرين الرأسماليين لأن ينقضوا لكي يقيموا مشاريعهم ولو كان ذلك على حساب الملايين من الفقراء. |
|