تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


بســـــــتان الــــــــدّر...المشترك من كلام الأنبياء .. الشفاعة

دين ودنيا
الجمعة 19-12-2008م
الشيخ محمد وليد فليون

تعني الشفاعة في اصطلاح المؤمنين تعهّد كلّ رسول لكلّ مؤمن من أمته ، بأن يرعاه يوم القيامة ، و الدينونة ، واليوم الأخير، واليوم الآخر، ويوم الدين ،وكلّها أسماء لمسمى واحد.

وبمقتضى الشفاعة يكفل الرّسل صلوات الله عليهم لمن آمن بهم السعادة يوم الدين، والنجاة من النار بإذن من الله ، ففي القرآن: (ما من شفيع إلا من بعد إذنه)، والشفاعة بمجملها نتيجة طبيعية للحب المتبادل بين الرسول ومن آمن به ، استناداً إلى أن الإيمان محبة. وطالما أن الإنسان خطّاء بطبعه، فكان لابد له ممن يتابع رعايته ، لا في الدنيا فقط ، بل منذ الخلق ، وإلى يوم القيامة ، وما بعد الانتهاء من الدينونة.‏

لكن لا ينبغي أن يظنّ ، أن الأنبياء أعظم رحمة من الله !!فالمسألة لا تعدو أن تكون إظهاراً لفضل الرسل ، ومكانتهم عند الله ـ وقد تحدّثنا عن الاصطفاء .‏

وفي الحديث الشريف: ( أنا أوّل مشفّع يوم القيامة ولا فخر ، وأنا أول من يحرّك حلق الجنة فيفتح الله لي ، فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين)، ويقول:( اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة ، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً ).‏

يقول عيسى عليه السلام: ( فقد نزلت من السماء لا لأتم مشيئتي بل مشيئة الذي أرسلني ، ومشيئته هي أن لا أدع أحداً ممن وهبهم لي يهلك ، بل أقيمه في اليوم الأخير، نعم إن مشيئة أبي هي أن كلّ من يرى الابن ويؤمن به تكون له الحياة الأبدية وسأقيمه أنا في اليوم الأخير).‏

وهذه الطريقة التي صاغت بها الرسالات مسألة الشفاعة كخلاص مؤكد لكل من آمن بالله، فإن فيها بياناً بأن كل من وجد في قلبه إيمان صادق مقرون بمحبة الله ورسله ، فإن من شأن عمله الصالح ـ وإن قلّ - أن يصلح باقي أعماله، ولَكَم ضرب المربّون في ذلك مثال الحليب الساخن حين تضع فيه قليلاً من - الرائب - . فينقلب الحليب كله إلى رائب، ثم يشبّهون العمل الصالح القليل بالرائب وباقي الأعمال غير الصالحة بالحليب، والمحبة بالحرارة.‏

وفي القرآن الكريم ، فإن من شأن التوبة الصادقة لا أن تمحو الخطيئة فحسب بل إنها تحوّل الخطايا كلها وتقلبها إلى برّ (وعباد الرحمان الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ، والذين يبيتون لربهم سجّداً وقياماً، والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً ، إنها ساءت مستقراً ومقاماً، والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً، والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر، ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا يزنون، ومن يفعل ذلك يلق أثاماً، يضاعف له العذاب يوم القيامة، ويخلد فيه مهاناً، إلا من تاب، وآمن، وعمل عملاً صالحاً، فأولئك يبدّل الله سيئاتهم حسنات، وكان الله غفوراً رحيماً).‏

(فإذن كما أن معصية واحدة جلبت الدينونة على جميع البشر،كذلك فإن برّاً واحداً يجلب التبرير المؤدي إلى الحياة لجميع البشر ، فكما أنه بعصيان الواحد جعل الكثيرون خاطئين، فكذلك أيضاً بطاعة الواحد ، سيجعل الكثيرون أبراراً).‏

ولا شك في أن ذاك الواحد الذي قصده الرّسول بولس في رسالته إلى مؤمني روما وأنه بطاعته سيجعل الكثيرين أبراراً هو كلمة الله وروحه عيسى عليه السلام ،ثم باقي الرسل ,كل فيما يخص المؤمنين الذين أحبّوه وأطاعوه.‏

يبقى أمران اثنان في مسألة الشفاعة:‏

الأول : هو أن من شأن الشفاعة أن تكون حافزاً لنا في الحياة لأن نغفر لبعضنا (وليعفوا وليصفحوا ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم). والعفو هو ألا تعاقب والصفح ألا تعاتب.‏

( لا تردوا لأحد شراً مقابل شر، بل اجتهدوا في تقديم ما هو حسن أمام جميع الناس إن كان ممكناً، فما دام الأمر يتعلق بكم عيشوا في سلام مع جميع الناس، لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء ، بل دعوا الغضب لله، لأنه قد كتب: لي الانتقام أنا أجازي يقول الرب ).‏

الأمر الثاني: هو أن الشفاعة لا تشمل كل خطأ، وإنما تختص بما بين الإنسان وربه من أخطاء ،أما ما كان بين الناس مع بعضهم، فلا يسري عليه شيء من الشفاعات، بل لا بد من رد الحقوق إلى أصحابها، أو أن يسامح صاحب الحق من له عنه حق.‏

سأل النبي محمد  أصحابه: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولامتاع، قال: فإن المفلس من أتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وزكاة وصيام ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار).‏

هكذا قال لهم، ولم يقل سأشفع له، وفي القرآن:(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) ولم يقل: من لم يؤد يشفع له محمد.‏

وفي رسالته الأولى إلى تيموثاوس خاطبه الرسول بولس: ( يا تيموثاوس حافظ على الأمانة المودعة لديك ) ولم يقل له: خن وسيشفع لك يسوع عليه السلام.‏

بعض المؤمنين أساؤوا فهم الشفاعة ، وظنوا أنها تكون كيفما اتفق ، فيذهب المسلم منهم إلى الحج ، فيظن أنه بمجرد أن دار حول الكعبة سبع دورات خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، بما فيها حقوق الناس ، وهذا غير صحيح على الإطلاق ،كذلك ربما ذهب من المسيحيين إلى الكنيسة واحدهم ، وفي عنقه ليس أموال الناس وحقوقهم فقط بل ودماؤهم ، وما بوش عنا ببعيد.‏

( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا).‏

فعلى هذا الأساس ينبغي أن تفهم شفاعة الأنبياء، وإقامتهم لمن أحبهم يوم الدينونة، أما أن تكون مبرراً لاغتصاب الحقوق، فهذا ما لا يقبل.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية