|
دين ودنيا ويتكون الكتاب من ثلاثة أبواب وأحد عشر فصلاً ومقدمة أشار فيها المؤلف إلى أن قضية تعريف من اليهودي, ليست دينية أو سياسية وحسب, بل قضية مصيرية تنصرف إلى رؤية العالم والذات, وإلى الأساس الذي يستند إليه تضامن المجتمع الصهيوني, وإلى مصادر شرعيته. والفشل في تعريف «اليهودي» يضعف من مقدرة إسرائيل التعبوية, بل يضرب أسطورة الشرعية الصهيونية في الصميم, والمثير -كما يقول المؤلف- أن الصهاينة يدركون هذا تمام الإدراك, ومن هنا يأتي إصرارهم على ما يسمونه «تهويداً» كل شيء في فلسطين: التاريخ والآثار وأسماء القرى والمدن والبلدات, بل تزيد الشهية وتتسع الشهوة فيسمون أراضي الضفة الغربية وغزة «يهودا والسامرة»! ويقول المؤلف إن هناك من يتصور أن أزمة «التجمع» الصهيوني في تنوعها واحتدامها وتصاعدها, ستؤدي إلى انهياره من الداخل, بل يتصورون أنني أبشر بهذا «الوهم», وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة, فأنا أذهب إلى أن المجتمع الصهيوني لن ينهار من الداخل؛ لأن مقومات حياته ليست من داخله وإنما من خارجه, إذ يوجد عنصران يضمنان استمراره, رغم كل ما يعتمل داخله من تناقضات وهما: الدعم الأميركي والغياب العربي ويقسم الكتاب الهوية اليهودية الآن في العالم إلى ثلاثة أقسام أساسية هي: 1- خارج فلسطين المحتلة: وهي هوية ذات ملامح يهودية عرقية أو دينية, والبعد اليهودي فيها هامشي باهت, لا يؤثر كثيرًا في سلوك أعضاء الجماعات اليهودية. 2- داخل فلسطين المحتلة: وهي هوية جديدة تمامًا لاعلاقة لها بكل الهويات السابقة, وهي جيل «الصابرا», ويتنبأ الدارسون بأن هؤلاء «الصابرا» (وتعني الجيل الذي نشأ في فلسطين المحتلة ولم يأت من الخارج والاسم مشتق من نبات الصبار ومن الصبر) سيكونون أغيارًا (هو الاسم الذي يطلقه اليهود على غيرهم) يتحدثون العبرية, لا تربطهم بأعضاء الجماعات اليهودية في العالم سوى روابط واهية, لا تختلف كثيرًا عن روابط اليونانيين المحدثين بالإغريق القدامى. 3 - يهود متدينون (أرثوذكس): وهم أقلية صغيرة خارج «إسرائيل» وأقلية كبيرة داخلها. ويطرح الدكتور المسيري سؤالاً يقول: هل إسرائيل حقاً دولة يهودية؟ ويرد قائلاً إن هذا التصور هو وهْم يسيطر على كثير من المستوطنين الصهاينة, كما أنه يسيطر على معظم العرب. ويضيف أن ثمة تطورات جديدة ستجعل الدولة الصهيونية, دولة لا هي يهودية ولا هي دولة لليهود, بل دولة استيطانية احتلالية, ذات قشرة يهودية سطحية. وللتأكيد على ذلك تمكن الإشارة إلى أن الاستعمار الصهيوني مر بثلاث مراحل: الأولى وصلت ذروتها عام 1948 مع إعلان الدولة وطرد آلاف الفلسطينيين ووصول آلاف المهاجرين للاستيطان في أرض فلسطين. ثم انتهت هذه المرحلة عام 1967 حين قامت إسرائيل بضم الضفة الغربية وقطاع غزة, وهي مناطق مأهولة بالسكان العرب الذين لم يتمكن الاستعمار الصهيوني من طردهم, وهذه هي المرحلة الثانية. أما المرحلة الثالثة فأهم معالمها: 1- تصاعد الأزمة السكانية وتزايد النهم للتوسع, ولذا لا بد للدولة الصهيونية الاستعمارية من أن تأتي بالمزيد من المهاجرين الاستيطانيين بأي ثمن. 2- أتاح النظام العالمي الجديد فرصًا جديدة للنظام الاستيطاني الصهيوني, فأصبح بوسعه أن يتجاوز نطاق فلسطين المحتلة, ليتغلغل في البلاد العربية وليحول السوق العربية إلى سوق شرق أوسطية, يلعب هو فيها دور الوسيط الأساسي بين العرب والغرب. 3- ظهرت نخب حاكمة عربية على استعداد تام لأن تلعب دور الجماعة الوظيفية, التي تخدم المصالح الغربية على حساب مصلحة شعوبها, لإنجاز عملية التغلغل (السلمي) للكيان الصهيوني في الجسد العربي الإسلامي. وهذه هي المرحلة الثالثة الآخذة في التشكل في الوقت الحاضر. |
|