|
دين ودنيا وانطلق في اندفاعه ليطبع على وجه الغازي شكل الإهانة التي يستحق من البهدلة والهوان!! ابنتي مريم البالغة من العمر خمس سنوات قالت لي: بابا !! لماَذا يضربون هذا الرجل بالحذاء؟! قلت لها بانفعال: بابا، هذا الرجل مسؤول عن قتل الملايين وحصارهم وتجويعهم في بلاد العرب والإسلام لأنه جاء بجيوشه إلى العراق وقد تسببت مدافعه في قتل الأبرياء وهدم البيوت والمدارس والمساجد، قالت لي مريم على الفور ولكن بابا، ليه ما ضربوه كلهم بس واحد!! لو كنت أنا لضربته بالكندرة حتى يخلصوا كلهم!! لماذا يضربونهم بالحذاء؟ إنه باختصار نتيجة طبيعية لما أفرزته سياسة الاحتلال المستكبر الطافحة بالغطرسة والاستكبار على رغبات الشعوب وآمالها. وبعيداً عن الشماتة والتشفي، وأنا بالفعل واحد من الشامتين، والله لا يقيموه، ولكن في قراءة متأنية للتاريخ للمقارنة بين رسالة الفتح الإسلامي ورسالة الغزو الأمريكي للعراق. أنا أعتبر أولاً أن الفتوح الإسلامية في الشرق الأوسط كانت في البلدان العربية تحديداً حركات تحرر، حيث وجد العرب إخواناً لهم يخلصونهم من الروم في الشام والفرس في العراق والرومان في شمال إفريقيا، وينشؤون لهم بعد ذلك المراكز الحضارية، وقامت المدن الجديدة برسالتها في العطاء في القيروان وبغداد والقاهرة، حيث انطبعت معالم البلاد العربية بالمنجز الإسلامي، وأصبحت الفتوح الإسلامية هي المنطلق الصحيح لقراءة التاريخ في منطقة الشرق الأوسط. أما الحروب فيما وراء الوطن العربي، فقد كان عمر بن الخطاب يقول وددت لو أن بيننا وبين فارس جبلاً من نار لا يصلون إلينا ولا نصل إليهم، ومع ذلك فإن هذه الحروب محكومة بنتائجها على شعوب هذه البلدان، وما تحقق في إطار ذلك من الاستقرار والبناء الحضاري. لا أزعم أن هذه الحروب كانت عادلة أو مثالية، ولكن ما أريد أن أوضحه هنا هو كيف نظرت تلك الشعوب إلى الفتح الإسلامي، من الممكن أن يدون المستبد في التاريخ ما شاء من أحكام وفنون، ولكن المعيار الذي لا يمكن اتهامه هو الشعوب نفسها، كيف نظرت تلك الشعوب إلى الفتح الإسلامي، وكيف تعاملت معه؟ الشعوب العربية ترى في الفتح الإسلامي أهم موعد تحرر نالته تلك الشعوب، واليوم فإن أسماء الفاتحين من جيش الصحابة هي أكثر الأسماء حباً وقرباً إلى نفوس الناس، ومن الممكن أن يجامل الناس في كل شيء إلا في اختيار أسماء أبنائهم، والآن فإن اسم محمد وخالد وسعد وعبيدة هي أكثر الأسماء التي يتسمى بها الناس هنا، لم يحصل أن أحداً سمى ابنه غورو أو اللنبي أو نابليون، مع أنها أسماء عالمية كبيرة ولكن الشعوب لم ينضحك عليها وهي تعرف الفرق جيداً بين الفتح الإنقاذي وبين الغزو الاستعماري الابتزازي على الرغم من الحملات الإعلامية الجبارة التي تزين صنائع الغزاة وتجمل وجوههم القبيحة! في با كستان والهند وأفغانستان، قالت الشعوب كلمتها فيما يتصل بالفتح الإسلامي، وبعد مرور أربعة عشر قرناً فإن أي حكومة تريد أن تحظى بالنجاح في تلك العواصم الإسلامية الكبرى لا بد أن تكون حكومة ملتزمة بآداب الإسلام وقيمه، ولا بد أن تكون وفية لتاريخ الفتح الإسلامي لتلك البلاد، واليوم فإن اسم محمود وقتيبة والقاسم هي من أكثر الأسماء رواجاً في الشرق الإسلامي وفاء لقتيبة بن مسلم ومحمد بن القاسم الثقفي ومحمود الغزنوي، ولو سألت كل أم تسمي ابنها بهذه الأسماء لأجابت إنها تتمناه على نسق أولئك الرجال. لا نعلم أن أحداً في أفغانستان أو العراق يختار لأبنائه اسم بوش أو رامسفيلد أو يسمي بناته باسم الدلوعة كونداليزا رايس، وخلال التاريخ ستصبح هذه الأسماء قرينة لإبليس وهامان وفرعون، تذكر كلما ذكر الخراب والبلاء والشقاء والموت. هذه الأحكام التي نستخلصها بالمقارنة بين الفتح الإسلامي والغزو الأمريكي هي حقائق يعبر عنها الناس بمعزل عن أي تأثير سياسي، ووفق قناعاتهم التي تعكس في المقام الأول رأيهم بطبيعة الفتح الإسلامي وغاياته وأهدافه. جميع بن محاضر اسم لقاض دولي كلفه عمر بن عبد العزيز بقضية دقيقة وحساسة وهي مناقشة الفتح الإسلامي لمدينة بخارى دستورياً، حيث شكى أهل بخارى لعمر بن عبد العزيز أن قتيبة بن مسلم غزا بلدهم وفرض عليهم السيف وأسقط نظامهم وأقام حكماً إسلامياً في بخارى! كان ما جرى أمراً طبيعياً في سياق الحرب آنذاك، وقد نال عليه قتيبة ثناء كبيراً من علماء الشريعة آنذاك، وهو كذلك أمر طبيعي في السياسة الأمريكية اليوم، أن تقوم أمريكا بإزاحة نظام سياسي مستبد ثم تقيم مكانه نظاماً ديمقراطياً ، ولا يجب الالتفات هنا إلى مشاعر الغضب التي تظهر من ال(الغوغاء) الذين لا يعرفون مصلحتهم!! ولكن عمر بن عبد العزيز لم يشأ أن يضحي بالأخلاق في محراب السياسة، وشكل هيئة قضائية خاصة برئاسة جميع بن محاضر لمحاكمة أشهر بطل من أبطال الفتوح الإسلامية في تاريخ الشرق قتيبة بن مسلم الباهلي وحين قامت اللجنة بدراسة الواقعة انتهت إلى أن فتح بخارى لم يكن ملتزماً للقيم الإسلامية في الفتوح!! وأنه لم يحقق مصالح الناس الحقيقية في الاختيار والحرية!! وحين صدر الحكم القضائي بعد ست سنوات من فتح بخارى وجه عمر بن عبد العزيز من فوره لقتيبة بن مسلم الباهلي: اسحب جنودك، اخرجوا من بخارى!! ولم يكن أمر الانسحاب مسألة سهلة أو بسيطة، وانسحب الجيش الإسلامي من بخارى بعد أن تم الفتح، وربما لا يعرف في تاريخ الحروب أن جيشاً فاتحاً منتصراً انسحب من أرض مفتوحة لمجرد سبب أخلاقي!! لماذا يضربونهم بالحذاء؟ لأن بوش واجه ملايين الاعتراضات على قراراته المتهورة في إشعال الحروب في العالم ولكنه لم يتوقف عن مغامراته التكساسية الهوليودية، وواجه عشرات المحاكم العراقية والأمريكية والدولية وهي تطالبه بالانسحاب من العراق والتوقف عن التحكم بمستقبل بلد يبعد عنك سبعة بحور، تم إسقاط كل المبررات لشن الحرب على العراق، وثبت أن الرئيس كذاب في السلام النووي العراقي وعلاقة صدام بالقاعدة وأسلحة الدمار الشامل، ولكنه لم يشأ أن يلتفت إلى شيء من ذلك كله، حتى الشعب الامريكي اختار قيادة جديدة نكايا به وبسياسته من أجل وقف الحرب في العراق، ولكنه لم يلتزم بشيء من ذلك فماذا بقي إلا الصرماية؟ بكل أمانة فإن الغزو الأمريكي للعراق هو غزو بلا أخلاق، ومن المنطقي أن يصبح العلم الأمريكي وخلقة الرئيس الأمريكي تحت مرمى أحذية الشعوب المقهورة لتي لم تجد سبيلاً للدفاع عن مواقفها إلا بالرشق بالأحذية. هل تمكنت الجيوش الأمريكية من بناء علاقات ثقة ومحبة مع الشعوب المقهورة في الشرق الأوسط؟ يقول الأمريكيون إنهم ضحوا بخمسة آلاف مقاتل أمريكي وأكثر من هذا العدد من المعاقين والمصابين، لقد خلصنا العراق من نظام مستبد أذاقهم النكال، فلماذا لايحبنا العالم؟ إن حكم الشعوب لا يصدر بقرار من مجلس الوزراء ولا بمرسوم رئاسي أو بحكم من الأمم المتحدة إنه شيء تقوله الشعوب من خلال مواقفها وعواطفها، وبمعزل عن التأثير السياسي والاقتصادي الذي قد تفرضه طبيعة الواقع السياسي في البلاد. اليوم بعد سبع سنوات من إعلان بوش شن الحروب على الإرهاب في العالم، ماالمصلحة الحقيقية للشعب الأمريكي حين يجد علم بلاده وصورة رئيسه في مرمى أحذية الشعوب المقهورة؟ لماذا يضربونهم بالحذاء لماذا ترتفع الأحذية اليوم في كل مكان من مناطق القهر في العالم؟ الحكم للتاريخ، تبدو الشعوب نفسها اليوم في موقع الدفاع المستميت عن قيم الفتح الإسلامي في الهند وإيران وآسيا الوسطى والبلاد العربية، في حين أن الشعوب نفسها هي التي تلعن الاحتلال الأمريكي وتضربه بالحذاء. ما الذي سيذكره التاريخ عن حرب بوش في العراق؟ يبدو أنهم لا يسمعون ما تقوله الشعوب في عنائها وقهرها وجوعها، ولذلك فإن أبلغ خطاب يمكن أن يسمعه المحتل هو خطاب الحذاء!! وهذا ما كان!! |
|