تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


كوبا بعد كاسترو .. ماذا بعد تنحي الزعيم الكوبي عن الحكم?

شؤون سياسية
الأحد 24/2/2008
توفيق المديني

القائد التاريخي للثورة الكوبية فيدل كاسترو أعلن يوم الثلاثاء الماضي,

تنحيه النهائي عن الحكم, في رسالة هادئة لم يشأ أن تكون وداعا, طاويا بذلك صفحة طويلة من حياته ومن تاريخه, بل لنقل فصلا من تاريخ كوبا والعالم المعاصر واستقبلت واشنطن هذا الإعلان بفتور حيث اعتبر الرئيس الأميركي جورج بوش أن هذا الانتقال ( للسلطة يجب أن يؤدي في نهاية الأمر إلى انتخابات حرة ونزيهة.. وليس ذلك النوع من الانتخابات المعدة سلفا التي كان الأخوان كاسترو يحاولان خداع الناس بها على أنها انتخابات حقيقية كما زعم بوش.‏

قليلون هم الذين يعلمون أن الولايات المتحدة كانت الدولة الأولى التي اعترفت بالثورة الكوبية. لكن ذلك الاعتراف تحول إلى عداء كامل نتيجة الأسلوب الذي اعتمده كاسترو في التعامل مع الذين اعتقلهم من أنصار الديكتاتور المخلوع باتيستا, ثم بأسره أكثر من ألف جندي أميركي خلال أزمة خليج الخنازير وهو ما دفع واشنطن الى فرض حصار عليه لايزال قائما.‏

وكان الزعيم الكوبي فيدل كاسترو البالغ من العمر 82 عاما قد تنحى مؤقتا عن الحكم نتيجة الحادث الصحي الخطير الذي تعرض له في 26 تموز 2006 وخضوعه لعملية جراحية معقدة في الأمعاء حيث لم يعلم بذلك إلا شقيقه وأطباؤه, فتسلم السلطة مؤقتا شقيقه راؤول كاسترو, وكانت هذه أول مرة منذ الإطاحة بالدكتاتور السابق باتيستا حليف أميركا, ودخوله المنتصر إلى هافانا مطلع عام 1959 واستلامه مقاليد السلطة فيها بعد نجاح الثورة الكوبية, يسلم كاسترو قيادة الحزب الشيوعي الحاكم, ومنصب قائد القوات المسلحة, ورئيس المجلس التنفيذي للدولة لراؤول شقيقه.‏

من المتوقع أن ترشح الجمعية الوطنية ( البرلمان) راؤول كاسترو 76 عاما ليخلف شقيقه, رغم أن احتمالات ترشيح آخرين بينهم رئيس البرلمان ريكاردو الاركون ووزير الخارجية فيليبي بيريز روكي وسكرتير مجلس الدولي كارلوس لاخي مازالت قائمة.‏

طوال 48 سنة من حكمه تحدى الزعيم الكوبي واشنطن والحصار الاقتصادي الذي تفرضه الولايات المتحدة الأميركية على بلاده لأكثر من أربعة عقود ولم يتمكن عشرة رؤساء أميركيين و13 إدارة حيث إن بعضهم انتخب مرتين- من إسقاط فيدل كاسترو المتحصن في جزيرته البعيدة عن السواحل الأميركية بنحو 60 ميلا بحريا, يتحدى ويقارع الامبريالية الأميركية بنفس الحماسة الثورية الذي كان يتمتع بها عندما دخل مظفرا إلى هافانا في كانون الثاني 1959 قبل أن يفرض حكما ثوريا على ثلاثة أجيال من الكوبيين.‏

لقد استطاع أن يهزم عشرة رؤساء أميركيين من دوايت ايزنهاور إلى جورج بوش الابن لمجرد أنه بقي في هافانا على رأس الثورة التي عبر عن التزامه المطلق بها ذات يوم بشعاره الشهير: الاشتراكية أو الموت. لكنه لم يستطع في النهاية أن يقاوم هزيمته أمام المرض رغم اعترافه في كلمة التنحي عن السلطة أن هذه المعركة الصحية التي يخوضها هي جزء من معركته مع الولايات المتحدة التي يصفها بالخصم الذي فعل كل شيء ليتخلص مني ولذلك كنت مترددا في التجاوب مع رغبته.‏

يتذكر جيلان من القرن العشرين على الأقل أسبوعا حاسما بين 22 و28 تشرين الأول عام 1962 كاد يقود إلى نشوب نزاع نووي بين القوتين العظميين: الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي فتم احتواء أزمة الصواريخ السوفييتية الموجهة على الولايات المتحدة الأميركية من الجزيرة بفضل تحلي الرئيسين جون كينيدي ونيكيتا خروتشوف بضبط النفس وفي المقابل تخلت واشنطن عن استخدام القوة لقلب نظام الحكم الثوري في كوبا وذلك بعد سنة من محاولة قامت بها وكالة المخابرات المركزية ( سي. آي. إيه) وآلت إلى فشل ذريع في عملية خليج الخناريز لإنزال قوات قوامها 1400 من مناهضي كاسترو. لم يكن كاسترو قائدا شيوعيا في بداية حياته الثورية بل كان محاميا وطنيا مناهضا للسياسة الأميركية ومتأثرا كثيرا بأفكار الثورة الفرنسية ولاسيما أفكار مونتسكيو. وقادت الحماسة الثورية هذا المحامي الشاب إلى اقتحام المجال السياسي في السادسة والعشرين من عمره ما دفعه في 26 تموز 1953 إلى تنظيم عملية الهجوم على ثكنة مونكادا انتهى بمقتل عدد كبير من رفاقه.‏

لكن يبدو أن العداء البهيمي الذي تكنه الولايات المتحدة للثورة الكوبية دفعه لاعتناق الشيوعية وهو في بداية حكمه, الأمر الذي جعله يقيم تحالفا استراتيجيا قويا مع الاتحاد السوفييتي دام ثلاثين سنة ومع نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي ومعه تجربة الاشتراكية المشيدة ,لم يستلهم كاسترو الدروس من تجربة الأحزاب الشقيقة في الصين وفيتنام بل أصر على عدم تقديم تنازلات للرأسمالية.‏

لقد وجدت كوبا رئة جديدة تتنفس منها الأوكسجين متمثلة بفنزويلا هوغو شافيز, التي تحولت إلى حليف رئيس وشريك تجاري للجزيرة الشيوعية إذ يقدم الرئيس شافيز نفسه أنه الوريث الروحي لفيدل كاسترو وأسهمت البترودولارات التي يضخها شافيز في تعزيز النظام الكوبي بعد الإصلاح الهيكلي الفظ للمرحلة الخاصة التي تسبب فيها انهيار المنظومة السوفييتية في نهاية الثمانينات.‏

من الناحية النظرية الخلافة للزعيم الكوبي تمت تسويتها منذ زمن بعيد لمصلحة شقيقه الأصغر راؤول كاسترو وكان راؤول في تكوينه الأساسي شيوعيا منذ أن كان طالبا على عكس فيدل الذي كان اشتراكيا وعندما أصبح فيدل أمينا عاما لحزب الثورة الاشتراكية أصبح راؤول نائبا له وبعد عشر سنوات من الثورة , عندما تحول الحزب إلى الشيوعية أصبح فيدل أمينا للحزب الشيوعي الكوبي وأصبح راؤول نائبا له وعندما وضع دستور جديد في السنة عينها أصبح كاسترو رئيسا للجمهورية وأصبح راؤول نائبا له.‏

< كاتب تونسي‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية