تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


جولة رئاسية كارثية على القارة السمراء

شؤون سياسية
الأحد 24/2/2008
د.حيدر حيدر

لم يخف ستيفن هادلي مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض الأهداف الرئيسية من جولة الرئيس جورج بوش إلى خمس دول إفريقية,

عندما أكد أن هذه الدول تقع استراتيجياً في دائرة العنف والزيارة فرصة لدعم المصالح الأميركية في إفريقيا.‏

وبالتالي تكشف جولة بوش الإفريقية إلى: بينين وتنزانيا ورواندا وغانا وليبيريا, وهي الثانية له خلال ولايتيه الرئاسيتين عن حسابات واشنطن المتعلقة بمصالحها الاستراتيجية طويلة الأمد في القارة السمراء. ورغم الكلام المعسول عن التعاون الأميركي -الإفريقي والمساهمة الأميركية في القضاء على الأمراض المستعصية في القارة مثل الايدز, وإظهار (الاهتمام والرعاية) بمشكلاتها بدءاً بالعنف المستشري مروراً بالجوع والفقر والبطالة والهجرة وانتهاء بالأمراض المزمنة. نقول رغم الكلام المنمق هذا فإن الولايات المتحدة ومنذ إعلانها في شباط من العام الماضي عن خطط لإنشاء قيادة إفريقية (افريكوم) لمراقبة العمليات العسكرية في القارة ومنذ ذلك الوقت ازداد نشاط المسؤولين الأميركيين فيها.‏

وخاصة أن ليبيريا أعلنت منذ مدة وجيزة استعدادها لاستضافة (افريكوم) وبالتالي فإن المساعي الأميركية الحالية تنصب على حث تلك الدول الخمس على (استضافة) القوات الأميركية التابعة للقيادة العسكرية الجديدة.‏

وهي تريد تعزيز وجودها العسكري بإقامة قواعد عسكرية دائمة في مناطق جديدة, فضلاً عن وجودها في جيبوتي واثيوبيا.‏

ومن خلال إنجاز ما يسمى بالتعاون العسكري الأميركي -الإفريقي من خلال (افريكوم) والتي من المقرر أن يشمل مجال عملياتها بعد إيجاد مقر إفريقي دائم لها, ثلاثاً وأربعين دولة, استعداداً لنقل مقرها الحالي من مدينة شتوتغارت الألمانية.‏

أضف إلى ذلك فإن الولايات المتحدة التي أحكمت سيطرتها على موارد النفط الرئيسية في المنطقة العربية, تتطلع الآن إلى نفط افريقيا وثرواتها الأخرى, وما أكثرها, فهي تعتمد حالياً على استيراد عشرة بالمئة من احتياجاتها النفطية من هذه القارة, وبحسب التقارير الاقتصادية فإن ربع احتياجاتها سيأتي من افريقيا بحلول العام .2015‏

فهذه القارة من الأماكن القليلة في العالم التي ما زالت مفتوحة للمنافسة علماً أنها تملك نحو 12% من احتياطات النفط العالمية.‏

وفي سباق محموم مع بريطانيا وفرنسا, تسعى واشنطن لإزاحة النفوذ الأوروبي التقليدي والحلول مكانه, فأوروبا التي ترجمت تطلعاتها نحو إفريقيا بعقد القمة (الأوروبية -الإفريقية) في العاصمة البرتغالية لشبونة, والتي تبنت خيار ما اصطلح على تسميته (الشراكة الاستراتيجية) وواضح أنها شراكة غير متكافئة بين طرف قوي وآخر ضعيف ولكل منهما تطلعاته وأهدافه المتباينة.‏

ولا ننسى أن واشنطن ترى في الصين منافساً قوياً وهي تراقب عن كثب نمو التعاون الصيني -الافريقي والذي وصل إلى أربعين مليار دولار وينمو باستمرار, وهو مرشح ليبلغ مئة مليار دولار مع بداية العقد القادم. ناهيك عن محاولات روسيا استعادة مواقع لها في القارة السمراء إبان الحقبة السوفييتية, فقدتها مع تفكك الاتحاد السوفييتي. واضح للغاية أن جولة بوش الحالية في خمس دول افريقية تسعى لتحقيق أهداف استراتيجية أميركية بعيداً عن هموم سكان إفريقيا الذين يعيشون تحت وطأة الفقر والجوع والمرض.‏

فالديون الخارجية تثقل كاهل الدول الإفريقية, بينما البنية التحتية شبه معدومة, ناهيك عن صراعاتها الداخلية والحدودية الدامية, بينما تستنزف هجرة اليد العاملة قدراتها وتتركها في مهب ريح الفوضى العالمية التي تسعى إليها الاحتكارات الأميركية العملاقة لتفتيت الدول والأوطان, خدمة لمصالحها في نهب ثروات شعوبها وإبقاء السيطرة والهيمنة عليها.‏

وبوش أيضاً في نهاية ولايته الثانية يريد التعويض عن إخفاق إدارته في الداخل ويسعى لتبييض صفحته السوداء باللجوء إلى الزيارات والجولات الخارجية, علها تعوض بعضاً من خسائر بلاده العسكرية والاقتصادية, جراء تحكم المحافظين الجدد -المغالين في تطرفهم- بالقرار الأميركي خلال السنوات الثماني من رئاسة بوش, وهي سنوات عجاف لأميركا والعالم.‏

وهو يريد أيضاً حشد الدعم للمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية على أمل أن يعطي السود الأميركيون أصواتهم له.‏

فهل تنجح جولة بوش الإفريقية, أم إنها كجولاته الخارجية الأخرى ستحمل للزائرين مزيداً من الكوارث والهزات, كما حملت جولته الشرق أوسطية الأخيرة مزيداً من الخراب للمنطقة.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية