|
أعلام قال أحد أهم النقاد الموسيقيين كمال النجحي عن وديع الصافي:
عندما سمعناه أول مرة أنصتنا كأنه على رؤوسنا الطير أثر صوته على النفس مركب ويثمر حالة من الوجد تذكر بالمقام العربي الغنائي المسمى (راحة الأرواح) وغناء هذا المطرب هو راحة الأرواح والقلوب أما الوصف العلمي لصوته أكد الناقد نفسه كما الكثيرين من النقاد صوت وديع الصافي يتكون من ثمانية عشر مقاماً وبين مقامات صوته تناسق وانضباط فلا فجوات ولا اختلال يهبط من أقصى الحدة إلى أدنى الثقل بغاية السهولة والرشاقة ويرتفع من أقصى الثقل إلى أقصى الحدة بمنتهى الإقتدار أما ذبذبات صوته فواسعة جدا فهو صوت جزل لكنه رقيق رشيق وصوته القوي يمكنه أن يصول ويجول بين جهر وهمس وشدة ورخاوة... أخذ ورد... جوابا وقرارا... هذا عدا القدرة الأدائية الهائلة وملكات النطق السليم. أما الفنان وديع الصافي لم يقف عند تلك الملكات الفطرية بل استثمر كافة المعطيات المعرفية النوعية إنسانياً وفنياً التي ألقته نجماً وهاجاً على مدى السبع والسبعين عاماً في عالم الغناء العربي من حفظ التراث الغنائي والتمسك بالأصالة إلى التجديد والابتكار ثم الإرساء لأغنية جديدة بشروط فكرية ولحنية وفنية عالية. الفنان وديع الصافي حل ضيفاً كريماً على سورية بمناسبة تسجيل أكثر من أغنية له أهداها المطرب الكبير لسورية بمناسبة احتفالية دمشق كعاصمة للثقافة العربية التقت الثورة مع الفنان فكشف بكل تواضع عن بعض محطات في مسيرة عظيمة مكللة بالجهد وزاخرة بالعطاء مسيرة تستحق الانحناء احتراماً وتبجيلاً وقال بداية: أحب سورية وشعبها النبيل الوفي حقيقة إن الشعب السوري من أكثر الشعوب التي كرمت وديع الصافي, وعن مسيرة حياته الأولى قال: من ضيعتي نيحا الشوف من ذاك الريف النقي كان الترحال الدائم إلى كافة الأنحاء اللبنانية بحكم عمل الوالد كخيال في قوى الأمن الداخلي بداية حياتي ساعدت الأب في مهنته حيث الضائقة المادية أرخت بثقلها علينا أما التنقل ما بين تلك المناطق لم يذهب سدى إذ تسنى لي التعرف عن قرب والالتقاط لكل الأنغام اللبنانية الجبلية منها والساحلية الحزينة والمفرحة خصوصا أنني عرفت من خلال جدي صاحب الصوت الجميل جميع ألوان الغناء من الأوف إلى الميجانا, العتابا أبو الزلف الغزيل وغيرها إذ عرفني على عالم القوافي والأوزان ومنه إلى النغم والموسيقا. رفض الأهل الدخول إلى عالم الغناء فكان الخال نمر إلى جانبي فهو ذواق وسميع وكان يحب صوتي فساند موهبتي ودربني على العزف على آلة العود كما على الغناء الأصيل والفلكلور اللبناني. أينما حل وديع الصافي لفت الأنظار بصوته ومقدرته الغنائية كما أثبت جدارته وخصوصية غنائه في فترة قياسية رغم الصعوبات الكثيرة وكان دائم الترحال حيث أجبرته الحالة المادية وتحمل الأعباء العائلية إلى جانب والده عن هذا قال الفنان: سافرت إلى حلب في البداية ثم إلى مصر شاركت في فيلم زهرة إلى جانب بهيجة حافظ وكانت نجمة معروفة وقتها أديت أغنية قصيرة عبر الفيلم وبقيت في مصر لمدة سنة لم أحقق مارجوته فعدت إلى لبنان أقمت في بيروت حفلات عديدة كان ريعها موزعاً ما بين البحث عن الكلمة واللحن وما بين العائلة ففكرت بالسفر ثانية إلى البرازيل مجهزاً نفسي مع فرقة ضمت ثمانية عناصر سافرنا فحققنا هناك نجاحات عديدة فنية وثقافية وحتى مادية كما تمكنت من إرسال المال اللازم للأهل لبناء مسكن جديد بديلاً عن الإيجار الذي كان وقتها أحد الهموم الحياتية الذي يثقل علي بقيت في البرازيل 3 سنوات ثم عدت إلى بيروت فغنيت مجموعة من الأغاني التي تعيدني إلى الساحة بقوة وكانت ع اللوما,لا أنا راضي ولا أنت راضي, يا أختي نجوم الليل عديها وغيرها. غنى وديع الصافي لشعراء كبار وملحنين عمالقة مثل فريد الأطرش (ع الله تعود), و محمد عبد الوهاب (عندك بحرية) بليغ حمدي (على رمش عيونها) ,رياض البندك (يا عين ع الصبر) أما أغانيه التي وصل عددها إلى الست آلاف أغنية اتسمت غالبيتها بالكلمة البسيطة التي لامست القلوب واحترمت العقول كما حملت القيمة الإنسانية التي تسمو بالروح عالياً أما الوطن الجريح فكان حاضراً وإن ابتعد المطرب عنه مضطراً فها هو يغني ( يارب لا تنسى سما لبنان) (تنهدت وشهقت بالبكي) ( أطفال الحجارة) (معليش يالبنان) وغيرها. ابداع وديع الصافي وتجديده جلب له هجوم الكثير من المطربين في فترات سابقة وأطلقت عليه ألقاب مثل مطرب القرميد و السطوح نتيجة لتلك الخيارات التي تتغنى بأجواء الريف وحب الأرض سألنا الفنان عن ذلك فقال: صبرت على هذا الهجوم وتابعت ما بدأت معتمداً على الكلمة البسيطة القريبة من أحاسيس الناس وأحلامهم فكانت خياراتي الفنية أخلاقية وقيمية ومواضيع أغنياتي تراثية وفلكلورية وحول محبة الوطن والأرض أجواء الضيعة البيت اللبناني ومفردات الطبيعة النقية لذلك كانت أغنياتي هي الأقرب إلى قلوب الناس ووجدانهم وباعتقادي هذا هو الفن الصحيح والمؤهل كي يصبح حضارة يمكنه أن يكون المرآة الحقيقية للشعوب ورمزها الأفضل حالة وديع الصافي الفنية اقتربت من أن تكون أمراً قدرياً بنوعيتها ورسخوها, حضورها ودورها الفني الراقي فماذا كان رأي الفنان في ذلك حيث علق قائلاً: النجاح بلا عذاب معرض للانهيار في كل لحظة وأنا تعذبت كثيراً حتى تحققت لي تلك المعادلة الفنية الصعبة إذ حفظت التراث وحافظت عليه ثم عملت على تشذيبه كلمةً ولحناً وأداءً كي تكون الأغنية ملائمة لتطورات العصر ثم كانت ضرورات الإرساء لقواعد أغنية لبنانية جديدة كما أنني لم أتخل يوما عن شروط الأغنية التي أريدها على مدى مسيرتي الطويلة ومهما كلفني من ثمن فلم أتخل عن الكلمة الجميلة ولا اللحن الأصيل ولا الفكر الذي أريد تضمينه في الأغنية. لوديع الصافي دوره في تجديد الأغنية اللبنانية, ترسيخها ونشرها إلى جانب مجموعة من النجوم اللبنانين مثل (الرحابنة) (زكي ناصيف) (صباح) وقد أوصلت أصواتهم تلك المهرجانات لاسيما (بعلبك الدولي ) (مواسم العز) و(الأنوار) وفي نفس الوقت غنى (وديع الصافي) كل ألوان الغناء العربي من الموشح إلى الطقطوقة, الموال وحتى الأوبرا ثم صوفيات دينية جسدت الانصهار بين الديانة الاسلامية والمسيحية فشهادات المؤرخين الموسيقين أكدت أن غناء وديع الصافي المتعدد اللهجات ذات الطابع القومي حفز الكثير من الملحنين العرب على توحيد أسسهم الفنية في التلحين فيما يخص ذلك أجاب الفنان: أغنياتي تنقلت بين كافة اللهجات العربية حيث لم يبقَ لون غنائي تقريبا من غناء الشعوب العربية إلا وغنيته في إطار أصول الغناء العربي المتقن رغم اختلاف اللجهات والألحان والإيقاعات مما أكد الإمكانية بتوحيد الأسس الفنية في التلحين والانطلاق إلى قواعد مشتركة تنتمي إلى كلاسيكيات الغناء العربي المتقن. |
|