تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


إعاقة غامضة .. خطوة نحو علاج التوحديين

مجتمع
الأحد 24/2/2008
فردوس دياب

التوحد هو اضطراب نمائي شامل يؤثر على الفرد في الجوانب الاجتماعية والسلوكية واللغوية في مرحلة الطفولة,

وهو اضطراب معقد يكتنفه الكثير من الغموض فيما يتعلق بأعراضه ودلالاته وتشخيصه وتداخله مع الاضطرابات والإعاقات الأخرى, الأمر الذي جعل بعض الباحثين يطلقون عليه (الإعاقة الغامضة) و يظهر قبل أن يصل الطفل إلى 30 شهراً من العمر, وقد عرفته منظمة الصحة العالمية عام 1982 بأنه (اضطراب نمائي يظهر قبل سن ثلاث سنوات ويبدو على شكل عجز في استخدام اللغة وفي اللعب وفي التفاعل والتواصل الاجتماعي).‏

ولإلقاء الضوء أكثر على هذه الإعاقة التي اعتبرها المختصون (القنبلة الموقوتة) القادمة التي تهدد المجتمعات العربية أقامت الجمعية السورية للعلوم النفسية دورة تدريبية حول الطرائق العلاجية العالمية لهذا الاضطراب وشارك فيها باحثون من الخارج.‏

أسباب التوحد‏

حول أسباب التوحد قال الدكتور نجاتي يونس مدير مركز الأوائل لصعوبات التعلم والتدريبات السمعية والنطقية في الأردن.‏

لا يوجد سبب واضح لاضطراب التوحد بسبب تعقيده وتشابك مظاهره السلوكية لكن هناك مجموعة من الفرضيات والنظريات التي فسرت حدوث التوحد.‏

1- النظريات البيولوجية: تفسر حدوث التوحد بأنه يعود إلى تلف في الدماغ يصيب الطفل, أو نقص أو عدم اكتمال نمو الخلايا العصبية الدماغية للطفل التوحدي.‏

2- الفرضيات الوراثية والجينية: تفترض أن عنصر الوراثة كسبب يفسر اضطراب التوحد, وهذا يفسر إصابة الأطفال التوحديين بالاضطراب نفسه كما يشير بعض الباحثين إلى الخلل في الكروموسومات والجينات في مرحلة مبكرة من عمر الجنين تؤدي إلى الإصابة به.‏

3-الفرضيات البيوكيميائية: وتفترض حدوث خلل في بعض النواقل العصبية مثل (السيرونين والدوبامين والببتيدات العصبية) حيث إن الخلل البيوكيميائي في هذه النواقل من شأنه أن يؤدي إلى آثار سلبية في المزاج والذاكرة وإفراز الهرمونات وتنظيم حرارة الجسم وإدراك الألم.‏

4- الفرضيات الأيضية: وتشير هذه الفرضيات إلى أن عدم مقدرة الأطفال التوحديين على هضم البروتينات وخصوصاً بروتين الجلوتين الموجود في القمح والشعير ومشتقاتهما, وكذلك بروتين الكازين الموجود في الحليب,يؤدي إلى ظهور الببتيد غير المهضوم والذي يصبح له تأثير تخديري يشبه تأثير الأفيون والمورفين.‏

5- فرضية الفيروسات والتطعيم: يرى البعض أن التطعيم قد يؤدي إلى الأعراض التوحدية بسبب فشل الجهاز المناعي في إنتاج المضادات الكافية للقضاء على فيروسات اللقاح ما يجعلها قادرة على إحداث تشوهات في الدماغ.‏

6- فرضية التلوث البيئي: يفترض بعض الباحثين أن تعرض الطفل في مراحل نموه الحرجة إلى التلوث البيئي وما يحدث من تلف دماغي وتسمم في الدم (الزئبق والمادة الحافظة للمطاط والرصاص وأول أكسيد الكربون).‏

7- نظرية العقل: تربط حدوث الاضطراب بأسباب نفسية معرفية تتعلق بعدم اكتمال نمو الأفكار, وبالتالي عجز الطفل عن مواجهة متطلبات الحياة اليومية والمواقف الاجتماعية والتواصل وقراءة تعبيرات الآخرين ومشاعرهم.‏

تشخيص التوحد‏

وعن كيفية تشخيص التوحد أوضح الدكتور محمود ملكاوي المدرس في جامعة القصيم في المملكة العربية السعودية إن التشخيص الدقيق لحالة التوحد ليس بالأمر السهل, خاصة أن الأفراد التوحديين ليسوا متجانسين في قدراتهم وخصائصهم, وبسبب وجود أمراض وإعاقات مصاحبة, هذا بالإضافة إلى أن التوحد يصيب الفرد في جوانبه الاجتماعية والتواصلية ما يجعل التفاعل مع الطفل التوحدي أكثر صعوبة. وقد تتشابه أعراض التوحد مع كثير من الاضطرابات النمائية الأخرى مثل الفصام, واضطراب ريت وغيرها.‏

وبما أن التوحد يعرف سلوكياً, فإن وسائل الفحص والتشخيص واجراءتها يجب أن تشمل في الأساس الملاحظة السلوكية المباشرة والتأكد من وجود عدد أكبر من الخصائص تدل على التوحد. ولا بد أن تنطلق أية محاولة لتشخيص الأفراد التوحديين من المعايير التي أشار إليها كانر (مكتشف مرض التوحد) في مقالته الأساسية والتي تتلخص في:‏

1-الضعف الشديد في التواصل مع الأخرين 2- الإصرار على اتباع الروتين.‏

3- الاهتمام بالأشياء التي يتم مسكها باستخدام العضلات الدقيقة.‏

4- ظهور نمط لغوي غير مفيد في التواصل الاجتماعي. 5- ذاكرة جيدة وقدرة على الأداء على الجانب الأدائي.. وأضاف الدكتور ملكاوي أنه حديثا قدم الدليل الإحصائي والتشخيصي للاضطرابات العقلية الصادر عن الجمعية الأميركية للطب النفسي الذي صدر عام 1994‏

التدخل العلاجي والتربوي‏

أشارت الدكتورة كوثر القاسمي المدربة في مركز الأوائل لصعوبات التعلم والتدريبات السمعية والنطقية بالأردن إلى أن التدخل العلاجي والتربوي للتوحديين يعتمد على وجهة النظر حول أسباب التوحد وأهم برامج التدخل العلاجي والتربوي هي:‏

أولاً- البرامج العلاجية التي تعتمد على النظريات الفسيولوجية: حيث تستخدم فيها الأدوية والعقاقير الطبية وهرمون السيكرتين والفيتامينات والغذاء.‏

ثانياً- البرامج العلاجية التي تعتمد على المهارات:‏

1- نظام التواصل المعتمد على تبادل الصور: يسعى إلى تعليم الأهل التوحديين التواصل الفعال عن طريق وسائل بديلة مثل الإيماءات والرموز المختارة والصور.‏

2- التواصل الميسر: يعتمد على التواصل اللفظي وذلك بتدريب الأطفال التوحديين على نطق الكلمات وعلى التعبير عن أنفسهم.‏

3- القصص الاجتماعية: تهدف إلى تزويد التوحديين بالسلوك الاجتماعي المرغوب فيه عن طريق القصص الاجتماعية الهادفة.‏

4- جداول النشاط المصورة:هي الجداول التي يأخذ كل منها شكل كتيب صغير يتضمن خمس أو ست صفحات تحتوي كل منها على صورة تعكس نشاطاً معيناً يتم تدريب الطفل على أدائه. وهناك 3 مهارات ضرورية حتى يتمكن الطفل من استخدام الجداول:‏

1- التعرف على الصورة وتمييزها عن الخلفية 2- التعرف على الأشياء المتشابهة وإدراكها وتمييزها 3- إدراك التطابق بين الصورة والشيء‏

ثالثاً- البرامج العلاجية التي تعتمد على النظريات النفسية: يتضمن العلاج مرحلتين الأولى: يزود المعالج الطفل بأكبر كمية ممكنة من الدعم وتجنب الإحباط مع التفهم والثبات الانفعالي من قبل المعالج. الثانية: يتم تطوير المهارات الاجتماعية وتأجيل الإشباع والإرضاء وتنفيذ معظم البرامج على شكل جلسات للمريض.‏

رابعاً- البرامج التربوية للأطفال التوحديين: تقوم البرامج التربوية للأطفال التوحديين في الأساس على استخدام إجراءات تعديل السلوك وتتضمن التركيز على الجوانب اللغوية النطقية عند الطفل التوحدي.‏

هل يمكن الشفاء منه...?‏

أجمع الاختصاصيون المحاضرون في هذه الدورة على أن التوحد لا يمكن الشفاء منه وليس له علاج واضح لأنه اضطراب ينمو ويستمر في مراحل العمر المختلفة, ومجموعة البرامج التي أشار إليها الباحثون في الفقرة السابقة لا يمكنها إلا تحسين مستوى أداء الأطفال التوحديين من خلال التدريب المتواصل, فمريض التوحد بحاجة للتوجيه والمتابعة حتى ولو أصبح في السبعين.‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية