تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


اليمين يتهيأ لاستعادة السلطة

مـــن الصحافــــة الإسرائيليـــة
ترجمة
الأحد 14-12-2008
إعداد وترجمة :احمد ابو هدبة

تشهد الساحة السياسية والحزبية الإسرائيلية هذه الأيام تفاعلات دراماتيكية ، استعداداً لخوض الانتخابات السادسة عشرة للكنيست في السادس من شباط ،

حيث يبرز الى الوجود اصطفافات حزبية جديدة على أنقاض أحزاب وتيارات قائمة ،أحزاب تاريخية كان لها دورفي انشاء الكيان الإسرائيلي على حافة الاندثارواحزاب شكلت حديثا تتراجع شعبيتها ، لم يعد أي ذكر لما يسمى باليسار على الرغم من محاولات الك ثير من رموز هذا الاتجاه الاصطفاف حول ميرتس ، شخصيات تاريخية تهاجر من حزب الى آخر ، وأخرى تبحث لها عن موقع قدم في هذا التيار او ذاك الحزب ، تفاعلات اصطفافات عير مسبوقة على الإطلاق، تفرض نفسها في الوقت الراهن على الحلبة الحزبية الإسرائيلية حيث يسود الاعتقاد أن أحزابا سياسية موجودة في الكنيست الحالية قد تختفي ولن تحصل على النسبة التي تؤهلها حتى للانتخابات وان أحزابا أخرى ستولد لأول مرة وتفرض نفسها على خارطة الكنيست القادمة ، هذه التفاعلات الحزبية ، وهذا الحراك المتواصل يعكس بالضرورة طبيعة الظروف والأزمات السياسية ،والأمنية، الاقتصادية ،المالية والأخلاقية التي تؤكد وجودها في صميم المجتمع الإسرائيلي .‏

ويبدو من الواضح وسط ذلك كله ،ان اليمين القومي والديني بات يستفيد كثير من هذه التفاعلات ، مستندا في ذلك الى الاندفاع المجنون للتجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين نحو مزيداً من اليمينية والتطرف، ويتضح من مؤشرات الحراك السياسي والحزبي الحالي في إسرائيل ان الليكود يحقق الكثير من الإنجازات على الصعيد الانتخابي حتى قبل ان تبدأ الانتخابات.‏

وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة على أن معسكر اليمين الديني والقومي سوف يحقق نصره الحاسم على معسكري الوسط واليسار. وقد أشارت الاستطلاعات إلى أن الليكود هو الحزب الأقوى وأنه بات يزيد من الفارق بينه وبين كاديما. ولكن في الخلفية كان هناك من رأى أنه ليس اليمين يفوز بل أن اليسار يموت. وكشف استطلاع للرأي نشرته وسائل الإعلام العبرية الأحد عن تغيرات كبيرة في نسب التأييد للأحزاب الصهيونية, حيث أظهر أن هناك تناميًا في قوة حزب الليكود بزعامة نيتنياهو وكذلك يوجد تنامٍ لقوة الأحزاب اليمينية الصهيونية مع انهيار في شعبية أولمرت رئيس الحكومة .‏

ونقل موقع إسرائيل نيوز الإخباري نتائج الاستطلاع الذي أعده أحد كبار مراكز استطلاعات الرأي أظهر أن شعبية حزب كاديما انهارت تمامًا كما حدث انخفاض رهيب في شعبية حزب العمل والذي يترأسه وزير الحرب باراك مقابل تنامٍ في قوة وشعبية الليكود.وأظهر الاستطلاع أنه لو أجريت الانتخابات مرة أخرى الآن لتقلد حزب الليكود المركز الأول وحصل على 24 مقعدًا, فيما يحصل حزب كاديما على 16 مقعدًا أي أقل بـ13 مقعدًا من التي حصل عليها في الانتخابات الأخيرة.وأظهر الاستطلاع أن هناك تناميًا في قوة الأحزاب اليمينية الصهيونية وعلى رأسها حزب إسرائيل بيتنا برئاسة العنصري ليبرمان حيث ارتفعت نسبة التأييد له.‏

وفي نظر المراقبين والمختصين بالشؤون الحزبية الإسرائيلية ، يثير نجاح الليكود هذا تساؤلات كبيرة حول العوامل والأسباب الكامنة وراء قدرة الليكود على الاستقطاب والالتفاف المفاجئ حوله. فكاديما،هذا الحزب الذي ولد عملياً من رحم الليكود، كان فوزه في الانتخابات السابقة على حساب الليكود ذاته الذي تراجعت قوته حينها إلى اثني عشر نائباً.لذلك فان تراجع كاديما المضطرد يكمن في عدم قدرته في ان بشكل بديلا عن الليكود والعمل لاسيما على ضوء الإخفاقات السياسية والأمنية والعسكرية التي مني بها طوال فترة حكمه، ورغم ذلك تشير استطلاعات الرأي ان كاديما سوف يخسر الكثير في الانتخابات المقبلة. والأمر كما يبدو لا يتعلق حصراً بأداء الحكومة إذ أن أحزابا شاركت في الحكومة مثل شاس وحزب إسرائيل بيتنا لم يتأثرا كثيرا. وبدا أن الخاسر الأكبر هو حزب العمل ومعسكر ما يسمى باليسار في إسرائيل. ولهذا فإن أسباباً غير إخفاقات حزب كاديما تقف في صلب موقف الجمهور الإسرائيلي من الليكود.‏

معايير مختلفة لليمين واليسار‏

ومن المؤكد ان معايير اليمين واليسار في الكيان الإسرائيلي تختلف عن المعايير المألوفة لدى المجتمعات والنظم السياسية التي تطورت عبر قرون عديدة ، ويكتسب اليمين واليسار الإسرائيلي سماته من سمات المشروع الصهيوني وتجسيده المادي إسرائيل باعتباره كيانا استيطانا احلاليا ، ولذلك من الصعب جدا ان نرى يساريا إسرائيليا يعتبر إسرائيل كيانا أقيم على حساب شعب أخر مثلما من الصعب على اليمين الإسرائيلي الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني وحتى بعض من حقوقه الوطنية لذلك فانه من الصعب جدا رؤية الفروق بين ما يسمى باليسار واليمين الاسرائيل على صعيد عدم التشكيك بالوجود الإسرائيلي وعلى صعيد الاعتراف بحق الشعب حتى بالعين المجردة ،فاليسار او اليمين في كل مكان العالم ، يستند أولا وقبل كل شيء إلى أرضية اقتصادية ـ اجتماعية، فيما في إسرائيل يستند إلى أرضية سياسية. فما يحدد موقع اليمين واليسار ليس البعد الاجتماعي أو الاقتصادي بل الموقف من العملية السياسية مع الفلسطينيين والعرب. وبات معروفا أن اليساري في إسرائيل هو من يؤيد التسوية، فيما اليميني هو من يعارضها جزئيا أو كليا.‏

وهكذا فإن ما يعرف بالحركة العمالية في إسرائيل، وهي التي قادت تقريبا كل حروب إسرائيل ضد العرب، كانت تصنف يسارية لأنها تقول بالتسوية السياسية وبالحل الإقليمي. فيما اليمين الذي لم يكن يؤمن بالحل الإقليمي كان يعارض التسوية. ورغم أن الوضع تغير كثيرا في إسرائيل على هذا الصعيد إلا أن التصنيفات بقيت على حالها.فاليمين الإسرائيلي لم يعد في الغالب معاديا للتسوية أو للحل الإقليمي من حيث المبدأ بل صار يطالب بتحصيل قدر أكبر من مكاسب إسرائيل جراء حروبها. وهكذا فإن الليكود الذي كان يؤمن بأن للأردن ضفتين، الأولى لنا والثانية أيضا لنا صار يؤيد الدولة الفلسطينية. ولكن الدولة التي يريدها هي الدولة التي يتنازل الفلسطينيون فيها عن القدس وربما عن غور الأردن أيضا وبالتأكيد عن الكتل الاستيطانية. ومن الجائز أن تبدي حكومة الليكود استعدادا للتنازل عن واحد أو اثنين من هذه المطالب. المهم أن لا تعود إسرائيل إلى حدود عام 1967 خشية خسارة المكاسب.وبكلمات أخرى ، فإن الكثيرين يعتقدون أن اليسار الإسرائيلي الذي هيمن على الأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المشروع الصهيوني منذ العشرينيات من القرن الفائت وحتى عام 1977 ربح الرهان التاريخي ضد اليمين في كل ما يتعلق بالتسوية. غير أن هذا اليسار خسر ويخسر المعركة الآن داخليا. والبعض يعزو هذه الخسارة إلى أداء اليسار نفسه ليس فقط على الصعيد الداخلي وحسب، بل كذلك على صعيد التسوية ذاتها.‏

على هذه القاعدة لم تعد التفاعلات والتجاذبات والاصطفافات تجري في هذه المرحلة بين الأحزاب وإنما تجاوز ذلك الى الكتل التي تشكل التجمع الاستيطاني الصهيوني في فلسطين وأصبحت هذه الكتل في موقع تستطيع خلالها تحديد ملامح الواقع السياسي والحزبي الإسرائيلي الذي قد ينشا عن الانتخابات المقبلة بحكم انزياح هذا التجمع نحو اليمينية والتطرف واعتبار اليمين تكاد تكون الكتلة الأكبر ورغم ذلك من الضروري الإشارة الى طبيعة التفاعلات التي تجري على صعيد المنافسة بين أهم الأحزاب الفاعلة في الحلبة السياسية والحزبية الإسرائيلية ويمكن تحديدها على النحو التالي :‏

اللاءات العنيفة‏

أولاً : منذ ان بدأ زعيم الليكود ، نتنياهو، حملته الانتخابية المبكرة بخطاب ألقاه في الكنيست تضمن جملة من اللاءات العنيفة ، المعادية تماما للحقوق الوطنية الفلسطينية المشروعة وكان يستهدف من وراء ذلك كسب ثقة معسكر اليمين واليمين الديني الإسرائيلي ومن ثم إعادة حزب الليكود وانتشاله من انكساراته إلى مافوق السطح وهذا من خلال تقديم خطاب إعلامي يستجيب إلى حد كبير إلى توجهات الرأي العام الإسرائيلي الذي بدأ منذ فترة يجنح نحو اليمين والتطرف وإدارة الظهر للحقوق الفلسطينية في حدها الأدنى ، ولم يتوقف نتنياهو عند تقديم خطاب إعلامي متطرف ينسجم وطبيعة التحولات في المجتمع الإسرائيلي ، بل نجح في استدراج وإعادة أقطاب هجروا حزب الليكود في مراحل سابقة أعادتهم من جديد إلى الحزب ، أمثال : دان ميريدور ، بني بيجن - ابن زعيم الليكود بيجن - و الجنرال السابق عوزي ديان ، وأخيرا نجح في جذب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية « آمان « رئيس الأركان السابق موشي يعلون .‏

فضائح وتداعيات‏

ثانياً : حزب كاديما .. على الرغم من ابتعاد ايهود اولمرت عن زعامة الحزب ، حيث يترأس حاليا حكومة انتقالية إلى حين موعد الانتخابات البرلمانية القادمة ، وحلول تسيفي ليفني محله في زعامة الحزب على الرغم من هذا التطور الانقلابي إلا أن الحزب لايزال يعاني من تداعيات الفضائح السياسية والأخلاقية والجنائية التي جلبها اولمرت الأمر الذي أدى إلى تراجع صدقية الحزب على صعيد الرأي العام الإسرائيلي حيث تراجعت قوته البرلمانية طبقا لاستطلاعات الرأي الأخيرة بأربعة مقاعد وفتح المجال واسعا أمام الليكود ليتصدر القوة البرلمانية الأولى في الوقت الحاضر .ومن الممكن أن تتراجع قوة الحزب في الأيام القادمة إذا ما أقدم النائب العام الإسرائيلي على تقديم لائحة اتهام ضد اولمرت وما سيترتب عليه من بروز تداعيات سلبية جديدة على صعيد مكانة ونفوذ الحزب .‏

دون صدقية وأفق‏

ثالثاً : حزب العمل ، يمكن القول أن أكثر الأحزاب الإسرائيلية تراجعا في قوته وصدقيته على صعيد المجتمع الإسرائيلي في الوقت الراهن ، هو حزب العمل .. هذا الحزب الذي حكم الدولة العبرية منذ تأسيسها ، منفردا لمدة 29 عاما ، ثم تناوب مع حزب الليكود على السلطة بعد هذا التاريخ، هذا الحزب يعاني حاليا من أزمات خطيرة وهذا جراء سياسة زعيم الحزب ، باراك بدءا من انسحابه السريع المهرول من جنوب لبنان أمام ضربات المقاومة الناجحة لحزب الله وانتهاءا بإلحاق الحزب وتبعيته لحزب كاديما بزعامة شارون ومن ثم اولمرت الأمر الذي أدى إلى فقدان الحزب لسياسته التقليدية كمؤسس للدولة العبرية .الى جانب انسحاب أقطاب تاريخيين من الحزب باتجاه الانضواء في إطار أحزاب قائمة أو تشكيل أحزاب جديدة ، والمثال البارز على ذلك القطب افرايم سنيه الذي انسحب من الحزب بعد أن قدم استقالته من الكنيست ويسعى حاليا لتشكيل حزب جديد ، وكذلك انسحاب القطب اوفير بينس حيث يسعى للالتحاق بحزب الخضر والذي سيخوض انتخابات الكنيست لأول مرة حيث ترجح استطلاعات الرأي دخوله الكنيست لأول مرة وهو يعمل في إطار الدفاع عن البيئة . على ذات الاتجاه ، يتجه عضو الكنيست ، ميخائيل ملكيئور ، زعيم حزب ميماد والمتحالف مع حزب العمل ،إلى فك هذا التحالف والالتحاق بحزب الخضر .... إن فك تحالف ملكيئور مع حزب العمل سيلحق ضررا كبيرا بقوة الحزب نظرا لان ملكيئور يمثل الجمهور المتدين الليبرالي ذا التوجهات السلمية في المجتمع الإسرائيلي .علاوة على ان هناك شخصيات تاريخية من حزب العمل ، موشيه شاحل ، عوزي برعام ، رعنان كوهين ، تحذر من نهج باراك ويتهمونه بأنه لا يعمل من اجل توحيد صفوف الحزب.‏

رابعا : حزب الاتحاد الوطني ( المفدال ) .. يسعى زعيم الحزب ، افي ايتام تحت ضغط مستجدات التفاعلات الحزبية في إسرائيل ذ إلى تشكيل قائمة تحالف لليمين الديني تضم : حزب المتدينين الوطني ، حزب تكوما النهضة ، حزب موليدت وهذا بهدف الحفاظ على استمرارية الأحزاب الدينية الصغيرة في الحياة السياسية وعدم سقوطها في الانتخابات القادمة إذا لم تنخرط في إطار حزبي موحد .. يعكس هذا التخوف زعيم الاتحاد الوطني ، افي ايتام حيث يقول : « إذا لم تتحرك الأحزاب السابقة نحو الوحدة في حزب واحد والتحالف مع الليكود فان الانهيار سيكون حليفها .‏

خامسا ً: حزب ميرتس .. قوة حزب ميرتس تكمن في وجوده دائما في صفوف المعارضة ، والعكس يظهر ضعفه أثناء التحاقه بالسلطة ، ولقد لاحظنا أخيرا توجه زعيم الحزب ، حاييم اورون ، لتأييد الانضمام لحكومة اولمرت وكذا استعداده للانضمام لحكومة تسيفي ليفني قبل أن تفشل في مهمتها بتشكيل الحكومة ، وتلعب النائب زهافا غالئون دورا هاما وحيويا في قيادة الحزب وتبدو هي الأفضل في قيادة الحزب مستقبلا .‏

سادساً : حركة حراس التوراة الشرقيين « شاس» إذ تعتمد هذه الحركة ، تاريخيا ، سياسة الابتزاز والضغط على من يكلف بتشكيل الحكومة مستهدفا من وراء ذلك الحصول على الأموال بالدرجة الأولى لتغطية نفقات شبكات المدارس الدينية الأهلية التابعة له وكذا الحصول على مخصصات الأولاد على الصعيد الاجتماعي ، وكثيرا مانجح هذا الحزب في تحقيق مطالبه عبر الابتزاز و ممارسة سياسة المناورة والإكراه ، إلا انه فشل مؤخرا في ابتزاز زعيمة كاديما ، تسيفي ليفني التي كانت مكلفة بتشكيل الحكومة حيث رفضت هذه الأخيرة سياسة الابتزاز وفضلت الذهاب إلى رئيس الدولة ومطالبته بالدعوة إلى انتخابات مبكرة ويلعب زعيم هذه الحركة الديني عوباديا يوسف دورا مركزيا ليس في التحريض ضد غيره من الأحزاب وإنما ضد العرب الذي وصفهم ذات مرة بالأفاعي وطالب بضربهم بالصواريخ وسحقهم وفي هذه النقطة كراهية العرب والتحريض عليهم تشترك جميع الأحزاب والتيارات والقوى السياسية الصهيونية‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية