تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


هل الرواية الفرنسية في انحسار..؟

ثقافة
الأحد 14-12-2008
إعداد :يمن سليمان عباس

على مايبدو أن فنون الأدب كلها بدأت تعاني من ركود وانحسار، فلم يعد الشعر ديوان العرب و لاالرواية ديوان العالم.. المسألة تخرج لتمتد إلى مساحات واقعة في العالم.

اليوم يأتي التساؤل من فرنسا بلد النور والثقافة.. الفرنسيون الذين خصصوا مبالغ طائلة للنهوض بالثقافة الفرنسية وإعادة الرونق لوهجها الثقافي.‏

مجلة (لابل) تفرد مساحة للإجابة على التساؤل: هل هناك تدهور في الرؤية الفرنسية؟ وفيما يلي أهم ما جاء في هذا المقال الذي ينتهي بحوار مع الروائي: «فرنسوا بيجودو» في حين يعلن البعض عن نهاية عصر الرواية وبالتالي نهاية الأدب الفرنسي، يحتفي البعض الآخر الأكثر تفاؤلاً- بطابعها التجديدي والانتقائي.‏

الأدب الفرنسي ليس على مايرام! لايزال هذا التشخيص ينتاب الأذهان بصورة منتظمة مثل لازمة مستنكرة «أعتقد- على الرغم من أن الرواية هي الأكثر مبيعاً الآن مقارنة بأي وقت مضى- أن هذا النوع الأدبي أصبح مستهلكاً ومبتذلاً ولم يعد لديه شيء ليقدمه».‏

ذلك ماأكده الكاتب إدمون دي جونكور في عام...1891! ومن بين المتنبئين اليوم بنهاية عصر الأدب نذكر: تزفيتان تودوروف ودومينيك فرنانديز. الأول، أستاذ جامعي وواحد من المراقبين الأكثر تبحراً في الأجناس الأدبية والأكثر إلماماً بدقائقها.‏

والثاني، روائي وأكاديمي، وقد قدما منذ وقت قريب بحثين ينددان فيهما بحال الأدب الفرنسي، الذي فقد- وفقاً لما يرونه- شيئاً من بريقه. ويأتي في قائمة المتهمين: الكتاب الذين ينقصهم الخيال والمعلمون العقائديون والناشرون المجاملون.‏

بالنسبة إلى فرنانديز، تحتضر الرواية الفرنسية، لأنها أغفلت الطابع السردي للبنية الروائية، على الرغم من كون ذلك هو ركيزة العمل الروائي. أما تودوروف، فهو يشير إلى تزايد عدم اهتمام القارئ الفرنسي بالرواية والأدب بصفة عامة، محيلاً ذلك إلى رؤية ضيقة للأدب، تلك التي تفصله عن العالم الذي نعيش فيه. ويقول تودوروف: «بعبارة أخرى، يجري حالياً تقديم العمل الأدبي بصفته مادة كلامية مغلقة مكتفية بذاتها ومطلقة»، ناسين أن الأعمال الأدبية هي امتداد للعالم وللوضع الإنساني بكل مافيه من جوانب جمالية ومأساوية ومهينة، بالإضافة إلى سائر الأشياء التي لايمكن إدراكها.‏

إن هذا المثقف الفرنسي ذا الأصل البلغاري وثيق الصلة بالمدرسة البنيوية، وقد أسهم في التعريف بفكرها في فرنسا في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته، غير أنه يأسف اليوم لسيادة الاعتبارات البنيوية والشكلية.‏

تعدد الأعمال الأدبية‏

ويرى تودوروف أن الآفات الثلاث التي يعاني منها الأدب الفرنسي المعاصر هي « التمسك بالأشكال الفنية» (الاعتماد على الشكل بطريقة مفرطة) و«السوداوية» (الصورة القاتمة على نحو مفرط) والأنانية (يعلو فيها صوت «الذات» بشكل كبير).‏

ومن المؤكد أن الجميع لايتفق مع استعراض الأدب بهذه الحال، وبصفة خاصة المؤلفون المتحمسون الذين أعدوا الكتاب الجماعي Devenirs du roman(مستقبل الرواية)، وغالبيتهم من الكتاب الذين آثروا عدم الانضمام لا إلى فريق الإدانة ولا إلى فريف التملق، ولكنهم تفحصوا فقط حالة الرواية الفرنسية.‏

لقد تناول هؤلاء الكتاب- تحت لواء المجلة الأدبية والفلسفية Inculte وبقيادة فرنسوا بيجودو- التحديات التي تواجه الكتابة الروائية المعاصرة وأبدوا دهشتهم إزاء تعدد أشكالها (الخيال الذاتي بأسلوب كريستين أنجو، أو الرواية الشعرية بطريقة باسكال كينبار أو العالم الخاص بالأحلام عند أنطوان فولودين) وعلاقتها بالواقع.‏

ويستحوذ هذا المجلد على الألباب، إذ إنه يمثل ترجمة للثراء الكامن في الأدب الفرنسي في مستهل هذا القرن.‏

ثلاثة أسئلة إلى فرنسوا بيجودو‏

يعمل فرنسوا بيجو مدرساً للغة الفرنسية، وقد قام بتأليف ثلاث روايات من بينها حصلت في عام 2006 على جوائز مهمة‏

«إن الرواية تولد شعوراً فريداً بالسعادة»‏

 لابل فرانس : بصفتكم كاتباً روائياً.، مارد فعلكم إزاء الجدل الدائر حول نهاية الأدب الفرنسي؟‏

  فرنسوا بيجودو: إني أخشى من كل مامن شأنه الإعلان عن نهاية شيء. إن الذين يتحدثون بهذا الشكل لايقومون سوى برثاء أنفسهم. ولاأرغب أيضاً في القول بأننا- على العكس من ذلك- بصدد بداية عصر مفعم بالانتصارات ولايعد الأدب الفرنسي أفضل أو أسوأ حالاً مما كان عليه في سائر العصور إنه متواصل، وهو ماأردنا تدوينه في كتاب Devenirs du roman بشكل متواضع وهادىء إن فكرة النهاية هذه إنما جاء بها من يخامرهم الإحساس بناستالجيا ما إلى التاريخ. أما نحن، فنشعر بأننا اختصاصيون في الجغرافيا. إننا نجتاز الحقل مع إدراكنا بمدى اتساعه.‏

 كثيراً ماجرت مقارنة الرواية الفرنسية المعاصرة في غير صالحها- بالرواية الإنجليزية التي تعرف بتحولها إلى العالمية والابتكار هل تمر الرواية الفرنسية بمحنة؟ وهل تعاني من نقص في التطلع؟‏

  إن هؤلاء الذين يزعمون الإلمام بمجمل الحقل الروائي الفرنسي، في حين أنهم لا يعرفون منه إلا واحداً في المئة فقط، يجدون أنفسهم بهذه الطريقة بصدد استعارة عبارات جاهزة من الصحفيين الذين يعشقون هذا النوع من التصنيفات: فرنسيون أي معتدون بأنفسهم، وأنجلو- ساكسون أي أكثر انفتاحاً على العالم. إن بعض الروايات البوليسية منفتحة للغاية على العالم ومع ذلك فهي عديمة النفع، في حين أن النصوص الأخيرة لبيكيت تستكشف مجالاً ضيقاً للغاية، وعلى الرغم من ذلك، فهي عالمية. إن هذا النوع من التصنيفات لايساعد على التفكير فلنغض البصر عنها.‏

 لقد دار جدل لفترة طويلة حول العلاقة بين الواقع والخيال في مؤلف Devenirs du roman الكتاب الجماعي الذي شاركتم في تحريره. هل تعد هذه العلاقة أكثر إشكالية اليوم عنها في عصر ديكنز وبلزاك؟‏

  نعم، بالتأكيد، لأن فكرة الواقع صارت عرضة منذ ذلك الوقت لكثير من الإهانات ولم تسلم بعد من غارات التيارات النقدية الشديدة في سبعينيات القرن العشرين بيد أنه مازال بإمكاننا كتابة كل شيء فإذا ماداهمتني في الغد الرغبة في كتابة ملحمة أو رواية على طريقة بلزاك، فسأُفعل ذلك (سواء كانت لدي موهبة أو لا ، فهذه مسألة أخرى) والبعض يقول: لم يعد بالإمكان الكتابة مثل بلزاك. بلى، يمكننا . ولكننا سنكتب ونحن أقل سذاجة وإذا كان هناك شيء يمكن عدم المساس به مع الإبقاء على إرث عصر الشك، فهو متعة السرد ونسج الروايات من الخيال.‏

عن مجلة لابل الفرنسية‏

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية