في ذكرى رحيل الكاتب نعمان حرب
ملحق ثقافي الثلاثاء 3 /1/2006 وهيب سراي الدين لم يبخل في العطاء، طوال عمره الذي جاوز الثامنة والثمانين. امضاه وهو يجد ويجتهد مع القلم والعمل الدؤوب، في تحصيل لقمة العيش، يعمل في النهار في مكتبه، لإعالة اسرته، وتأمين الحياة الكريمة لها.
ويسهر في الليل بصحبة قلمه وكتبه ومراجعه، لينجز بحثاً، أو دراسة، أو كتاباً مفيداً يقدمه للمكتبة العربية. أجل. لقد مازج كاتبنا الذي رحل عنا في أواخر كانون الاول من العام 2004مازج مابين القلم والعمل ردح عمره، دون كلل أو ملل. يدخر لهما روحاً خلاقة، وهمة عالية، وقريحة وقادة، وبياناً غزيراً، وثقافة واسعة. ينسى نفسه، وهو بين أوراقه الثمينة، حتى الهزيع الأخير من كل ليلة. يدرس، وينقب، ويكتب، ويشطب، ويعدل، حتى يستقيم لديه البحث وتتوازن الافكار، وتخرج العبارات مرصوفة كأنها سكبت في قالب من ذهب. صائغ انصاعت له المجوهرات! وباحث دانت له الافكار! هكذا عرفته عن كثب، وخبرته معدناً نقياً، وقلباً طيباً، وجوهراً انسانياً فياضاً، اضافة الى عمله الاداري، لدى فرع اتحاد الكتاب العرب بالسويداء،إذ تقلد رئاسته قرابة عشر سنوات. وبقي فيه حتى وفاته. ففي عمله هذا نذكر له رقة الحاشية، وحسن المعشر وأمانة الرفقة ودفء الفم، ولين العريكة، وسماحة النفس، لايعرف إلا الودّ والوفاءوالصدق، ولا يتجلى إلا بالنبل والشهامة والكرم كأنه جمع كل المعاني والقيم، التي تتطلبها الانسانية، في سموها وأخلاقها. وأما ما تركه هذا الكاتب المجتهد للأجيال العربية من بعده، من أبحاث وموروث ثقافي وأدبي، خلال رحلته الطويلة المديدة، في هذا المجال، فيتجلى في إصداره سلسلة( قبسات مهجرية) وبهذا الخصوص أقول فيه كأنه أوقف نفسه على هذا العمل: انقطاعاً وإلماماً وبحثاً، واستحواذاً، على كل ما يقع تحت يده منه.وهكذا جمع في بيته مكتبة كبيرة ومنوعة. زودته بكل ما يرضي طموحه في هذا الاتجاه، بل لم يكتف بمكتبته هذه. إذ قام بعدة رحلات الى بلاد المهاجر الامريكية، ليقف عن كثب على مصادر الأدب المهجري. وينضح من ينابيعه الثرة الصافية. فالتقى معظم الأدباء والكتاب والشعراء العرب المهجريين، في امريكا الشمالية. وامريكا الجنوبية واطلع على نتاجهم. وكيفية معايشتهم لحياة الاغتراب، ما خلفته في اعماقهم من حنين وشوق للأهل والوطن الأم. وأهم كتب هذه السلسلة عن الشعراء: فارس بطرس، شفيق عبد الخالق، نبيه سلامة، نواف حردان،أنجال عون. شكيب تقي الدين-/ من البرازيل/- وحنا الجاسر. وعبد اللطيف اليونس-(الارجنتين)- وجورج شدياق/فنيزويلا/- ومجموعة السجل الذهبي لأدبائنا العرب المعاصرين في البرازيل وفنيزويلا.تضمنت إنتاجاً وسيرة ذاتية لأربعة وعشرين كاتباً وشاعراً من البرازيل وفنيزويلا ودراسة شاملة لقصيدة الدكتور فريد عقيل، من شعراء سورية كتبها عن الثورة السورية الكبرى وسلطان الاطرش. وثمة دراسات اخرى من الشعراء: شربل بعيني. نعيم خوري من استراليا. وعن الشاعر ابراهيم سلمان. هذه الكتب تضمنت - كما قلت- مختارات من النثر والشعر وتدل على مواهب متميزة يتحلى بها أدباء المهجر المعاصرون.و قد اتخذ الكاتب الراحل نعمان حرب، في كل ما كتبه نهجاً معبراً مضيئاً عن عطاء الأديب والابتعاد كل البعد عن النقد والتجريح عند بعض الهنات. التي لابد من وجودها في العطاء الأدبي. وبعد أن أنجز الأديب الراحل مهمته الشاقة تلك تفرغ الى إصدار سلسلة أخرى. تتعلق بالمجاهدين الذين بذلوا دماءهم دفاعاً عن تراب الوطن. ضد الانتداب الفرنسي. إبان الثورة السورية الكبرى التي قادها المغفور له سلطان باشا الاطرش، وهذه السلسلة هي كناية عن كراسات مؤلفة كل كراسة من ملزمة واحدة،ذات ست عشرة صفحة. ولنسمعه يقول في وصف ابطاله المجاهدين المنسيين: «هؤلاء الابطال الذين برزوا في ساحات القتال، في أثناء الثورة السورية الكبرى عام 1925وكانت شجاعتهم مضرب الامثال، وأفعالهم تشبه الاساطير.. الرغبة كانت جامحة، للكتابة عنهم لان التاريخ لايغلق أبوابه بوجه الذين كتبوه وسطروه بدمائهم، وعمدوه بأشلائهم، ولاينسى اولئك الذين نسجوا عباءات المجد من خيوط شرايينهم».. وبعد آن لنا أن نتعرف الى النظرة النقدية، ونحن بصدد ما كتبه الراحل الاديب ولذا سأوجز ما كتبه فيه الاستاذ المربي عبد المعين الملوحي:« إن الأخ الأديب نعمان حرب، في إصداره هذه السلسلة «قبسات» يقوم بعمل أدبي وقومي في آن واحد، يقوم بعمل أدبي حين يطل علينا بآثار أدبائنا العرب الذين رحلوا عن بلادنا جسدياً وظلوا يقطنونها فكرياً وروحياً،والذين مازالوا يرون في لغتنا العربية المجيدة أداة للتعبير عن أفكارهم، وعواطفهم وأحاسيسهم. والذين ما يزالون رسلنا الأوفياء، الى بلاد العالم، رغم ما يقاسونه من حرمان وهو يقوم بعمل قومي، لأنه يعيد ارتباط هؤلاء الأدباء بأوطانهم، ويرسخ علاقاتهم بها. ويذكر أوطانهم بهم ويحمل إلينا أريجاً من أنفاسهم الطاهرة..
|