تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر


تظهير الرجعية السعودية بالمحك السوري المصري

شؤون سياسية
الأربعاء 9-5-2012
بقلم: علي الصيوان

توجه وفد إخواني-سلفي مصري كبير يضم رئيسي مجلس الشعب والشورى في 3/5/2012 إلى الرياض, ليس لاستعادة المحامي أحمد الجيزاوي, بل لكي يستعيد الإسلامويون دور المملكة في معركتهم لإقصاء المجلس العسكري وعبره شعب مصر ممثلا بقواه وأحزابه بعد الانكفاء السعودي في تداعيات القبض على المحامي وجلده, والحكم عليه بالسجن عاما, بتهمة “إهانة الذات الملكية”.

المصريون شعروا بالإهانة, فسارعوا إلى السفارة السعودية في القاهرة والقنصليتين في الإسكندرية والسويس, فطوقوا المباني وحاولوا اقتحامها ورفع العلم المصري عليها, دفاعا عن كرامة مصر, مرددين هتافات كتبوا بعضها على جدران السفارة والقنصليتين منها “طز في الذات الملكية”.‏

وفي التداعيات, سحبت الرياض سفيرها من القاهرة, وأغلقت السفارة والقنصليتين. وخيم شبح الأزمة.‏

وعلى الأثر تقاطر الأميركيون إلى القاهرة والرياض وبيروت, جون كيري وجو ليبرمان وجيفري فيلتمان. لكون واشنطن معنية بوقف تدهور مكانة المملكة. ومعنية بخاصة بألا يتم تجيير إسقاط حسني مبارك لمصلحة النهج القومي العربي الذي تمثله سورية.‏

وعلى الرغم من التعمية الإعلامية التي اكتنفت التهدئة الأميركية لخواطر السعوديين, فإن أحدا من المراقبين لا يستطيع أن يحذف من المشهد العربي المتبدل تحذيرات الرياض لواشنطن من عواقب الامتناع عن الدعم الكافي لنظام مبارك, منذ بداية ثورة 25/1/2011, التي تخل بالخريطة الجيوسياسية لمعسكري “الاعتدال” و”التشدد” العربيين, أي المعسكرين المتضادين في الموقف من “اسرائيل”.‏

اذ إن “إهانة الذات الملكية”, تختزن المرارة من عدم استجابة واشنطن لرغبة “المعتدلين” في إسناد نظام مبارك. وهي الرغبة التي يقرأ الأميركيون أسبابها المحسوسة على السطح, وينفرد السعوديون في استحضار أسبابها الدفينة في الأعماق منذ صراعهم مع الناصرية في موجة المد القومي اليساري.‏

ومما له دلالة في التحشيد الملكي المتجدد استدعاء النظامين المغربي والأردني إلى عضوية “مجلس التعاون الخليجي” والانخراط بنشاط في تحالف “الفوضى الخلاقة”.‏

تنشئ التطمينات التي حملها جون كيري, وبعده إسلامويو مصر إلى الرياض, تهدئة روع آنية, لكنها لا تلغي من الذاكرة الملكية خيبات سابقة حتى في عهد ما بعد عبد الناصر, لم تنفع معها تطمينات حملها نظراء كيري وليبرمان وفيلتمان ومحمد سعد الكتاتني وأحمد فهمي في التحالف الإمبريالي-الإسلاموي المزمن الذي يعصف بسورية ومصر هذه الأيام, كتطمينات واشنطن أيام الثورة على الشاه 1978.‏

اذ ينخرط التحالف الإسلاموي الإمبريالي بقيادة أميركا في مشروع تخليق بيئة ردة رجعية عربية, عنوانها “شرق أوسط جديد”.‏

ولذلك فإن التطمينات الأميركية لمملكة السعوديين تتميز بإصدار الأوامر إليهم لكي يكون لهم دور سياسي فعال, فوق دور “حامل محفظة النقود”.‏

وفي الإذعان لهذه الأوامر, استجاب ملك السعوديين فأعلن في 4/5/2012 إعادة السفير إلى القاهرة. أي أن الملك بلع الإهانة.‏

النزول الملكي عند أمر واشنطن بإعادة ترتيب الأولويات على هذا النحو الذي بدا فيه كسير النفس متلعثما وهو يقرأ بركاكة ما كُتِب له, يعني أن واشنطن أوضحت: هذه معركتنا معا. وعليك دور لشقل عثار الإسلامويين على الأرض في سورية ومصر معا.‏

وأميركا جنرال قائد في هذه الحرب. ومن حقه أن يطلق النار على جندي ينسحب من الميدان.‏

الفضل هنا للمحك المصري في تظهير فقدان الرياض للقرار الوطني المستقل, ركن الأساس في طبيعتها الرجعية.‏

في الشطر الشمالي من الجبهة (سورية), يخوض الإسلامويون معركة ضروسا لإثبات الحضور أمام استعادة دمشق لزمام المبادرة. فهم ينقبون عن مخرج من مأزق يستولده سير مهمة أنان على طريق مهمة محمد أحمد الدابي. وهو تقصي الحقائق.‏

وهذا يقوض معمارهم الدعائي, بعد تبديد فرص استدعاء تدخل عسكري أجنبي يقوده الناتو ودول عربية.‏

استدراكا للمأزق, بلورت واشنطن رسالة تطمين للرياض ولمجلس اسطنبول, بإرسال فيلتمان إلى بيروت لشد المفاصل المتراخية في فريق سعد الحريري, وجو ليبرمان إلى عكار لتفقد العمليات ضد سورية.‏

فحوى الرسالة للملك أن أمريكا تستعيد زخم هجومها في مصر وسورية معا. فأَعِد السفير. وفحوى الرسالة للإسطنبوليين ولأردوغان, هو سحب الثقة من مهمة أنان, بالتلويح بالبحث عن بديل للمهمة, ومن خارج الأمم المتحدة, (أي التدخل العسكري) وفق مطالب مجلس اسطنبول, كي لا تفسد “طبخة” المؤامرة, كما تلح مملكة السعوديين. مخافة أن تنكفئ دون حصاد, و... دون أفق.‏

وفي الشطر الجنوبي من المعركة (مصر): فإن مخاوف مملكة السعوديين أشد من أن تتناهى هجمة التحالف الإمبريالي-الإسلاموي إلى التلاشي, كما في إدارة الموقف من التمسك بمبارك, وفي مرحلة ما بعد خلعه رغم الجهود الاستخبارية لتمكين الإسلامويين من السيطرة على السلطة التشريعية, فرئاسة الدولة, وإعادة صياغة الدستور.‏

بيد أن الزخم في حيازة الغالبية في مجلسي التشريع اصطدم بجدار الوطنية التقدمية المصرية, يمثلها المجلس العسكري وأحزاب الغالبية الحقيقية, وليس الواقعية, فأُغلِقت طريق إعادة صياغة الدستور وفق عقلية الإقصائية الإسلاموية, التي وجدت نفسها أمام مجلس عسكري يختزن غير عضو فيه شبح عبد الناصر جديدا, على نحو ما ذعرت له مملكة السعوديين في إيقاع “طز في الذات الملكية”.‏

وما يحدث على الجبهتين السورية والمصرة محك لتظهير الطبيعة الرجعية في المنطقة.‏

فالرجعية ذات علامات فارقة, منها الإقصائية التي يعتمدها الإسلامويون في سورية ومصر في تعاملاتهم مع القوى الوطنية لاسيما أحزاب المواطنة المتساوية.‏

و«مرجعية» الرياض في الإقصائية, لا منافس لها إلا في دور مجتهدين كحمد بن خليفة وسعد الحريري ووليد جنبلاط.‏

أما العلامة الفارقة الأشد وضوحا على جبين الرجعية, فهي الارتهان السياسي للإمبريالية من خلال سوقها بطريق وضع البيض كله في سلتها, وبما يفضي إلى اضطراب في المعاش والحياة الاقتصادية لأدنى هزة في السوق الإمبريالية.‏

وهذا ما تبز به مملكة السعوديين الرجعيين قاطبة.‏

ولسورية ومصر فضل المحك في تظهير العلامات الفارقة على جبين الرجعية, المثقَل بكل مقومات انسداد الأفق والخيبة حتى في التحالف مع أعداء الوطن العربي, في الضد من عقيدة الاشتباك القومية لحافظ الأسد وعبد الناصر.‏

Siwan.ali@gmail.com

 

E - mail: admin@thawra.com

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية